13/09/2019 - 16:40

ما بعد نتنياهو: مقاومة مشتركة بدل التعايش!

وللمفارقة، فإن من يهدّد حظوظ نتنياهو بالبقاء في الحكم، أساسًا، ليس المواطنين العرب، بل أشد الكارهين والمحرضين على الأحزاب العربية، "المعتدل" منها و" المتطرف"، وعلى جميع المواطنين العرب، ألا وهو أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "يسرائيل بيتينو".

ما بعد نتنياهو: مقاومة مشتركة بدل التعايش!

عوض عبد الفتاح

تزداد الاحتمالات بصورة كبيرة لاختفاء بنيامين نتنياهو بعد الانتخابات الإسرائيلية عن دفة الحكم في الكيان الإسرائيلي. وهي، للمفارقة، رغبة وهدف المتناقضين: المواطنون العرب وأحزابهم المختلفة، وحزب الجنرالات – "كاحول لافان"، وأفيغدور ليبرمان وحزب العمل و"ميرتس" وإيهود باراك. ولا غضاضة في ذلك، إذ أن اجتماع التناقضات حول هدف واحد، في لحظة سياسية - تاريخية معينة عرفته الأمم والأحزاب، ولنا في الائتلاف الدولي ضد التنظيم الإجرامي "داعش" مثالٌ ساطع، إذ أن هذا الائتلاف ضم الإمبرياليات الغربية والشرقية والرجعيات العربية، من خلال التنسيق المباشر، بالإضافة إلى النظام السوري وإيران وحزب الله، والمعارضات السورية، من خلال التحالف موضوعيًا، رغم اختلاف المنطلقات والمبادئ والتصورات التي يحملها كل طرف من هؤلاء.

نعم، سقوط أو اختفاء نتنياهو سياسيًا هو رغبة طبيعية للمواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وعموم شعبنا الفلسطيني، فخلال فترة حكمه، راكم نتنياهو سياساتٍ وقوانينَ ومخططات عدوانية فعلية على الأرض، وأذاق الشعب الفلسطيني مزيدًا من الجرائم. وهو الذي استحضر كل الحمولة الثقيلة العنصرية والعدوانية المحمولة في الأيديولوجيّة الصهيونية، متخففًا من الدبلوماسية والحرج اللذين كانا يميزان سلوك قادة الكيان أثناء التعبير عن مواقف كيانهم وعن أهداف الحركة الصهيونية، أمّا بخصوص المواطنين العرب، فقد حوّلهم إلى فزاعة عشية كل انتخابات.

وللمفارقة، فإن من يهدّد حظوظ نتنياهو بالبقاء في الحكم، أساسًا، ليس المواطنين العرب، بل أشد الكارهين والمحرضين على الأحزاب العربية، "المعتدل" منها و" المتطرف"، وعلى جميع المواطنين العرب، ألا وهو أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "يسرائيل بيتينو".

طبعًا، تعتبر ملفات الفساد الأساس الذي تقوم عليه حملة خصوم نتنياهو من الأحزاب الصهيونية، والتي ترعبه أكثر من أي سبب آخر. ولهذا السبب، تتعرض دعاية القائمة المشتركة (وأيضًا، القوائم الجديدة) لنقدٍ شديد، ليس فقط من المقاطعين بل أيضًا من الكثيرين من المصوتين. وهناك عوامل دولية، أيضًا، قد تساهم في نزع أوراق يعتبرها نتنياهو قوة في يديه لمواصلة التمسك بالحكم، ألا وهي الورقة الإيرانية. إن استعداد صديقه، دونالد ترامب، للجلوس مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، للتفاوض، من شأنه أن يوجّه ضربة لعقيدته بخصوص الملف النووي الإيراني. وربما لن يكون أمامه متسعٌ من الوقت للتخطيط لحملات أكثر دموية قادمة ضد المواطنين العرب، عندما يدخل الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة في مسارٍ غير الذي أراده. ولكن النزعة العدوانية ضد المواطنين العرب، واعتبارهم من قبل بعض عتاة الصهاينة، أخطر من القنبلة الذرية الإيرانية، راسخة ليس فقط في الخطاب الرسمي والشعبي، بل في جوهر نظام الفصل العنصري الكولونيالي الصهيوني.

 كل ذلك، أي إزاحة نتنياهو، إن حصل، هو تطور مرغوب ومطلوب. لكن التوقف هنا وعدم رؤية الطرف الآخر من الخارطة الحزبية الإسرائيلية، بالنسبة لنا نحن عموم الفلسطينيين، هو أمرٌ خطير؛ وإنّ عدم رؤية المعسكر الصهيوني الآخر المنافس، وما يمثّله من قيم صهيونية استعمارية وعنصرية، دون استخلاص فهم سليم لما يجب عمله لمواجهة ما بعد نتنياهو هو وصفة للمراهنات العبثية التي تكبل المخيال السياسي، وتشل القدرة على استنباط إستراتيجيات تأثير جديدة وناجعة.

نحن، في كل الحالات، سنكون أمام نظام كولونيالي استيطاني صريح، قد استكمل تشكله، ويمارس سياسة وحشية بقناع مختلف أكثر دهاءً وخبثًا. ما معناه أننا نحتاج إلى أُطر تحليلية، مستمدة من التجربة الاستعمارية الكولونيالية الكلاسيكية، واشتقاق مفاهيم وآليات عمل وتغيير وتأثير بناءً على ذلك.

المطلوب: أربع خطوات عامة

أعتقد أنّه سيكون من الصعب مواصلة فصل نضالنا، نحن فلسطينيي الـ٤٨، عن نضال شعبنا الفلسطيني عمومًا. ومن الخطأ، إستراتيجيًا وأخلاقيا، مواصلة الاختباء وراء الخصوصيات التي تشكلت في ظل التجربة الاستعمارية التجزيئية، ومواجهتها لبعضها البعض. الخصوصيات أمر واقع ولا نستطيع تجاهلها أو تجاهل ما تحتاجه من خصوصية في وسائل النضال، ومن حقوق يومية حياتية، ولا يجوز ذلك أصلًا، ولكن تحويلها إلى موقفي انفصالي يلحق ضررًا إستراتيجيًا وأخلاقيا ووطنيا بنضالنا وبجوهر بقائنا في وطننا. ومن واجب كل تجمّعٍ فلسطيني أن يبتكر إستراتيجيات نضاله ويحدد أهدافه المرحلية، ولكن ضمن سقف وطني شامل، باعتبارنا شعبًا واحدًا.

وبخصوص وضعنا داخل الخط الأخضر، فأني أعتقد أن التأثير السياسي، الإستراتيجي الحقيقي يأتي من خلال أربع خطوات، تُعتمد بعد الانتخابات مباشرة، نذكرها باقتضاب شديد:

أولًا: الإعلان، رسميًا، عن البدء بإعادة تنظيم "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية" بصورة لا لَبْس فيها، بما يشمل تعديل الدستور وطريقة اتخاذ القرارات، بحيث تكون بالأغلبية العادية. ويشمل تنفيذ مطلب إقامة صندوق قومي، الذي هو العمود الأساس لإستراتيجية البناء، دون تأخير.

ويُتّفق على إجراء انتخابات مباشرة، في مرحلة لاحقة، بعد إعداد الطواقم المهنيّة في كل المجالات وإنضاج الوعي العام عبر حملة إعلامية تثقفيفة. ما سيعني إنجاز المرحلة الأولى من إعادة بناء اللجان المختصة والمهنية، ومنها هيئة التخطيط للنضال الشعبي، كإستراتيجية للتأثير السياسي الفعلي.

الخطوة الثانية: تشكيل جبهة عربية – يهودية واسعة، تشمل عربيا: الجبهة، التجمع، الحركة الإسلامية الجنوبية، والأخوة في الحركة الإسلامية المحظورة، وحركة أبناء البلد، والحركات السياسية الجديدة، وهيئات طلابية وشعبية؛ وتشمل وإسرائيليا؛ الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الحركات والجماعات اليهودية المناهضة للاحتلال والعنصرية والمشاركة في لجان مقاومة الجدار، وكل إسرائيلي مستعد، من حركات أو شخصيات إسرائيلية تعتبر نفسها ليبرالية، للانضواء تحت مظلة هذه الجبهة وتحت شعاراتها.

تتلخص أهداف وشعارات هذه الجبهة في مواجهة حملات التحريض الدموية ضد العرب، والوقوف فعليًا ضد سياسات هدم البيوت العربية، ونهب الأرض، ومناهج التعليم المفروضة على المدارس العربية، وإفقار العرب، والعمل من أجل انتزاع الحقوق اليومية والقومية وميزانيات لتطوير اقتصاد منتج. ومن ناحية أخرى، النضال ضد الاحتلال والاستيطان والتهويد، وحصار قطاع غزة، والجدران العنصرية والقمع والملاحقات، والحروب. أي يجري استبدال الشعار الباهت، ألا وهو "التعايش"، بشعار المقاومة المشتركة، من أجل تعايش يقوم على المساواة والعدالة وقيم التحرر. إن هذا الشعار مستعار من عنوان كتاب هام، صدر قبل سنوات قليلة، ومؤلفاه محاضران إسرائيليّان من معهد التخنيون، هما مارسيلو سفرلسكي، وآري بن رونين، اللذان يقولان فيه إن فهم الوجود الإسرائيلي في فلسطين، على أنه استعمار كولونيالي دمّر الحياة المشتركة، يساعد على فهم أهمية المقاومة الفلسطينية الراهنة، وأهمية تطوير مقاومة فلسطينية يهودية من أجل نزع الاستعمار عن فلسطين التاريخية.

الخطوة الثالثة: تطوير إطار فكري ديمقراطي، يرفع لواء خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، في فلسطين الانتدابية لفتح أفق جديد أمام شعبنا الفلسطيني، وأمام المجتمع الإسرائيلي للعيش المشترك القائم على العدالة والمساواة، وعلى أنقاض التجربة الاستعمارية الصهيونية الدموية. وتكون مهمة هذا الإطار، في المرحلة الأولى، توليد ثقافة سياسية تحررية إنسانية، ووضعها في متناول الأجيال الجديدة، من الفلسطينيين والإسرائيلييّن، خاصة وأنّ مسارًا أو واقعًا، لا يمكن إنكاره، يتشكل على الأرض، ويجد صداه في تنظيرات نخب وناشطين ومناضلين، في الداخل والخارج، يسعون إلى بلورة تصورات عملية لكيفية الوصول إلى هذا الهدف النهائي، ولطبيعة ومضمون هذه الدولة الديمقراطية الواحدة.

الخطوة الرابعة: هيئة تنسيق وطنية إستراتيجية تضطلع بالتواصل مع أبناء شعبنا في كافة تجمعاته، وتقوم بتنسيق الخطوات المطلوبة لتعزيز الرابطة التاريخية والكفاحية بين جميع تجمعات الشعب الفلسطيني.

التعليقات