11/10/2019 - 11:57

على الأحزاب العودة إلى احتلال الشارع وتحريره من الزعران والبلطجية

على الأحزاب السياسية أساسا النزول من عليائها "القطري"، إلى النشاط المحلي، وفتح النوادي في المدن والقرى والأحياء، وفي تنظيم المهرجانات الثقافية والسياسية، وعلى ناشطيها العودة لاحتلال الشارع أو تحريره من الزعران والبلطجية. 

على الأحزاب العودة إلى احتلال الشارع وتحريره من الزعران والبلطجية

لمن لا يعرف، فإن شرطة إسرائيل أقيمت في آذار/ مارس 1948، كوحدة عسكرية تابعة لـ"هاغاناه"، وبعد الإعلان عن إقامة وزارة الشرطة، انفصلت الكتائب العسكرية عن الجيش وأُعلن عنها كشرطة إسرائيل "المدنية"، وعندما أقيمت وحدة "حرس الحدود" في أيلول/ سبتمبر 1949، احتدم النقاش بين الجيش والشرطة حول من ستولى مسؤولية هذه الوحدة، حيث حسم مؤقتا لصالح الجيش، قبل أن يقرر بن غوريون عام 1950 نقلها إلى الشرطة.

وتركز نشاط وحدة "حرس الحدود"، التي اعتمر عناصرها قبعة عسكرية خضراء (نسبة إلى الخط الأخضر)، وتلقت تدريبا عسكريا وحملت في حينه سلاحا بريطاني الصنع، تركز نشاطها في مقاومة "المتسللين" والفدائيين، وتأمين حدود الدولة الوليدة، وخلال العدوان الثلاثي على مصر، تحولت الوحدة إلى سلاح من أسلحة الجيش الإسرائيلي، حيث عملت في غزة وأرتكب أفرادها مجزرة كفر قاسم الرهيبة.

"حرس الحدود" الذي عاد بعد انتهاء العدوان الثلاثي للعمل تحت إمرة شرطة إسرائيل، انتقل مرة أخرى ليعمل تحت مظلة الجيش في حرب حزيران عام 1967، فشارك في بعض المعارك ونشط في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وظل يراوح هذا الدور في حرب 1973 وحرب 1982 في لبنان، وخلال الانتفاضة الأولى.

وفي الانتفاضة الثانية، وقد لعبت تشكيلاته الجديدة: وحدة المستعربين "يماس" ووحدة ما يسمى بمكافحة الإرهاب "يمام"، دورا رئيسيا في قمع هبة القدس والأقصى في الداخل، خلال الانتفاضة الثانية، وهي تتحمل المسؤولية المباشرة عن قتل الشهداء.

وبهذا المعنى، فإن "حرس الحدود" تشكل حلقة الوصل التي لم تنفصم عراها بين الجيش والشرطة، وهي إلى جانب العديد من النشاطات الأمنية - العسكرية التي تتولاها وحدات من الشرطة على طرفي الخط الأخضر، ما يحول دون تحولها إلى شرطة مدنية تتعامل مع كافة المواطنين على قدم المساواة.

نسوق هذه المقدمة الطويلة بعض الشيء، للتدليل على أن ظروف النشأة وظروف عمل الشرطة الإسرائيلية و"التحديات" التي تواجهها، جعلتها أبعد من أن تكون شرطة مدنية أسوة بالدول الطبيعية في العالم، التي تفصل بين التحديات الخارجية المتمثلة بالحفاظ على الأمن القومي ومحاربة الأعداء إذا وجدوا وحماية حدود البلاد، وبين الحفاظ على أمن وأمان المواطنين والنظام العام والذي تتولى مسؤوليته الشرطة المدنية.

في إسرائيل، لا فرق بين أعداء الخارج وأعداء الداخل، ولذلك فإن الفرق بين وحدات الأمن المختلفة يبرز في الزي فقط، حيث تتلقى وحدات الشرطة العاملة في الداخل تدريبا عسكريا، ووحدات الجيش العاملة في الضفة وغزة تدريبا شُرطيا، ويتربى كلاهما على عقيدة أن العرب الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، أينما وجدوا، هم العدو الظاهر أو المحتمل، ولذلك يجب التعامل معه على هذا الأساس.

من هنا، لا نستغرب تأكيد نائب المفتش العام للشرطة، حتى في سياق الإعلان عن خطوات لتعزيز ما وصفه بـ"الشعور بالأمن في المجتمع العربي"، من أن شرطة إسرائيل هي شرطة "قومية" تخدم جميع مواطني المجتمع بكل طبقاته، على حد زعمه.

الأنكى من ذلك أن الشرطة الإسرائيلية، ليس فقط أنها لا تحاول إخفاء هذا الطابع المتأصل فيها لدى تعاملها مع العرب، بل هي تسعى متعمدة إلى إبرازه، ليس نكاية فحسب، بل تطبيقا للعقيدة التي تربت عليها، وهذا ما يعمق من حالة عدم الثقة القائمة بينها وبين المجتمع العربي، الذي ما زالت دماء أبنائه تنزف برصاص الشرطة. برصاص لا تمنع الشرطة انطلاقه باتجاه صدورنا.

وبخلاف المؤسسات والأذرع الأخرى التي لا يتجلى فيها التوتر القائم في العلاقة بين الدولة وبين العرب بحدة، بسبب غياب الدولة المدنية وطغيان الطابع اليهودي الصهيوني، فإن هذا التوتر يبرز بشكل مكثف في العلاقة مع الشرطة، ليس لأنها "جهاز قمعي" مسؤول عن فرض هيبة الدولة في كل ما يتعلق بقوانينها ونظامها العام فقط، بل لأنها ترى بالعرب أيضا عاملا من العوامل التي من شأنها المس بهيبة الدولة ونظامها العام.

ولا يقتصر تعامل الشرطة مع العرب كعدو، على الوحشية التي يتم فيها قمع أعمال الاحتجاج والتظاهرات والمواجهات التي تجري على خلفية وطنية، ولا في عمليات هدم البيوت فقط، بل يتبدى في تعاملها مع القضايا المدنية اليومية الجنائية، وحتى قضايا السير والمرور، حيث يسود الشعور لدى المواطنين العرب بأنها مخالفات انتقامية.

بالمقابل، فإنها تتقاعس عن أداء واجبها في قضايا الجريمة والسلاح المرخص وغير المرخص، الذي ترعى خملته وتغض الطرف عن مخالفاتهم الكبيرة والصغيرة في هذا المجال، وإلا كيف تسمح دولة إسرائيل المحاطة بالأعداء الخارجيين والداخليين، كما تدعي، بهذه الكمية من السلاح دون أن يكون مضبوطا ومراقبا بشكل محكم، والدليل أنه عندما يتسرب هذا السلاح إلى أيد "معادية" يجري ضبطه بسرعة فائقة.

طبعا هذا الكلام لا يعني عدم مطالبة الشرطة بالقيام بدورها تجاه منع السلاح وقمع الجريمة المنظمة، ولكن لرسم حدود دورها وحدود الدور الوطني السياسي والاجتماعي، فعلى الأحزاب السياسية أساسا النزول من عليائها "القطري"، إلى النشاط المحلي، وفتح النوادي في المدن والقرى والأحياء، وفي تنظيم المهرجانات الثقافية والسياسية، وعلى ناشطيها العودة لاحتلال الشارع أو تحريره من الزعران والبلطجية. 

التعليقات