17/10/2019 - 15:32

إسرائيل هي الفائز بمباراة الأخضر السعودي والفدائي الفلسطيني

الحديث عن التضامن مع السجين وليس مع السجان، فهو فذلكات كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن الجميع يعرفون أن عين السعودية وأميرها على السجان وليس على السجين "المسكين".

إسرائيل هي الفائز بمباراة الأخضر السعودي والفدائي الفلسطيني

بغض النظر عن نتيجة مباراة "الأخضر" السعودي و"الفدائي" الفلسطيني، التي جرت على ملعب فيصل الحسيني في القدس المحتلة وانتهت بالتعادل السلبي، فإن الرابح الوحيد منها هو إسرائيل، ليس لأنها نجحت في كسر موقف دولة عربية وازنة، كانت ترفض أن يمر أفراد منتخبها من المعبر الإسرائيلي ويخضع لتفتيش جنودها، بل أن يُصلوا أيضًا في الحرم القدسي الشريف تحت حراب الاحتلال.

وفي السياق نفسه، نشر موقع إسرائيل بالعربية التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، صورة لبعثة المنتخب السعودي التي زارت المسجد الأقصى المبارك، كتب تحتها، "زار وفد من بعثة المنتخب السعودي لكرة القدم مدينة أورشليم القدس قبل المباراة التي تجمعه مع نظيره الفلسطيني".  وبروح من الدعابة استطرد الموقع قائلا: "يسعدنا أن تمتد مساحة هذه الروح الرياضية لتشمل مباراة بين السعودية وإسرائيل أيضًا"، وكأنه يريد القول إذا كنتم قد قطعتم نصف المسافة بالدخول عبر معبر إسرائيلي والخضوع لتفتيش إسرائيلي على معبر "اللنبي" وعلى حاجز قلنديا أيضًا، فما المانع من أن تكون المباراة القادمة في "استاد تيدي" ومع منتخب إسرائيل، وهذه نهاية منطقية.

الموقع الموجه للعالم العربي تتصدره صورة قبضات أياد متعانقة، رُسمت عليها أعلام إسرائيل والسعودية ودول عربية أخرى، وكتب إلى جانبها "يدًا واحدة في مواجهة الإرهاب الإيراني". ونحن إذ نورد ذلك، ونحن نترحم على الشهيد ناجي العلي الذي كتب في تعليق لأحد كاريكاتيراته، "حطلنا على صوت إسرائيل لنعرف الأخبار الصحيحة"، وإزاء الموقف المرتبك الذي أظهره الإعلام العربي من الزيارة.

هذا الارتباك مرده أساسًا الموقف المتلعثم لحركة المقاطعة (بي. دي. إس)، التي كان يفترض بها أن تعطي الموقف القاطع والحاسم والموجه حيال هكذا زيارة؛ فهي من جهة أجازت الزيارة وبرأت السعودية من تهمة التطبيع، عندما أوردت في بيانها بأنه "لا تتعارض زيارة المنتخب السعوديّ مع معايير مناهضة التطبيع التي أقرّها بالإجماع المؤتمر الوطني الأول لحركة مقاطعة إسرائيل (BDS) في العام 2007، بشرط ألا تقام خلال هذه الزيارات أي علاقة مع دولة الاحتلال أو مؤسساتها".

واستندت الحركة بذلك إلى تفريقها في معايير التطبيع بين الزيارة من خلال تأشيرة (فيزا) صادرة عن دولة الاحتلال، والتي تعتبر تطبيعًا، وبين تصريح من سلطات الاحتلال يتم استصداره من خلال السلطة الفلسطينية، ولا يعتبر تطبيعًا رغم مساوئه الواضحة، كما تقول، وهو ما حصل عليه المنتخب السعودي.

المفارقة أنه بعد هذه الإجازة المبدئية التي أعطتها اللجنة للمنتخب وللنظام السعودي عمومًا، ورغم تبرئته بشكل كامل من تهمة التطبيع استنادًا إلى تلك المعايير والأحكام، وبعد تقديرها بعمق لدعم الشعب السعودي الشقيق للقضية الفلسطينية، رغم ما وصفتها بالمحاولات الحثيثة للأنظمة لحرف البوصلة عن فلسطين؛ فإنها رأت من جهة ثانية أنه "لا يمكن إلا أن نقرأ قدوم المنتخب السعودي إلى فلسطين المحتلة في هذا الوقت تحديداً، بعد رفضه في العام 2015 لمثل هذه الزيارة، في سياق التطبيع الرسمي الخطير للنظام السعودي - ومعه الأنظمة في الإمارات والبحرين وعمان وقطر وغيرها - مع إسرائيل والعلاقات الأمنية والسياسية التطبيعية المتنامية بينهما، ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال المشروع الإسرائيلي - الأميركي المسمى بـ’صفقة القرن’.

المؤسف أن تلك الاتهامات والأحكام التي قذفتها حركة المقاطعة بوجه النظام السعودي وغيره من أنظمة الخليج، بدت اعتباطية ولا ترتكز إلى أي أساس، بعد أن قوضت حركة المقاطعة بنفسها المرتكزات القانونية والسياسية التي كان يفترض أن تقف عليها، وبذلك ظهرت كمن يفرض العقوبة على المتهم بعد تبرئته أو رغم تبرئته.

لقد كان حريًا محاكمة الزيارة استنادًا إلى الموقف العربي من التطبيع مع إسرائيل، وليس استنادًا إلى موقف السلطة الفلسطينية المحكومة باتفاق أوسلو، الذي ربطها مع إسرائيل بشبكة علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية جبرية، وباتت نظرتها للتطبيع العربي تنطلق من رؤيتها لمصالحها وليس للمصلحة الإستراتيجية للقضية الفلسطينية. ولذلك، اختلفت السلطة مع السعودية عندما تمسكت الأخيرة عام 2015 بمبادئ رفض التطبيع العربي مع إسرائيل، ورفضت دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من خلال المعبر الإسرائيلي، وأصرت على إجراء المباراة في عمان.

وما جرى ببساطة خلال السنوات الأربع الماضية، لا يندرج في إطار التقارب بين الموقف السعودي والفلسطيني، بل في إطار تآكل الموقف السعودي والخليجي المتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، وهو تآكل ظهرت "بشائره" في زيارات مسؤولين إسرائيليين لدول خليجية ومشاركة إسرائيل في مؤتمر المنامة، وفي سماح السعودية للطيران الإسرائيلي العبور بأجوائها في طريقه إلى الهند، وفي رحلات الحج المباشرة من تل ابيب إلى جدة عبر عمان، وكلها محطات في طريق كسر الموقف الرافض لدخول الأراضي الفلسطينية من المعبر الإسرائيلي والصلاة في الأقصى تحت حراب الاحتلال.

أما الحديث عن التضامن مع السجين وليس مع السجان، فهو فذلكات كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن الجميع يعرفون أن عين السعودية وأميرها على السجان وليس على السجين "المسكين". لذلك، لا أجد أي فرق بين صلاة بعثة المنتخب السعودي في الأقصى وبين صلاة المدون السعودي محمد سعود، الذي قذفه الفلسطينيون بالأحذية، سوى في ردة الفعل، بل أن الأولى هي أخطر بكثير، لأنها تعبر عن موقف أو انهيار موقف دولة عربية ذات وزن وتلقى غطاءً فلسطينيًا رسميًا، وتندرج في ‘طار مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وهو "صفقة القرن".

التعليقات