17/11/2019 - 13:59

أمامكم سيرك.. شاهدوا ولا تصدقوا

لا ناقة لنا ولا جمل في أزمة النظام الانتخابي الإسرائيلي، الذي يفشل في حسم الانتخابات بين اليمين الخشن – الليكود، واليمين اللين – "كاحول لافان"؛ أو اليمين الشعبوي واليمين المؤسساتي. لنشاهد السيرك ونتفرغ لبناء مجتمعنا ومؤسساتنا الوطنية والقومية.

أمامكم سيرك.. شاهدوا ولا تصدقوا

Fake news... أخبار كاذبة، هكذا يلخص سياسي مطلع على الاتصالات بين نواب في القائمة المشتركة وتحالف "كاحول لافان". لا شيء جديد ولا عروض جدية من الجنرال بيني غانتس للقائمة المشتركة، ولكن كلما وجه عضو كنيست من "كاحول لافان" التحية بـ"شالوم" لزميله العربي في ممرات الكنيست، فإن الأخير يعتبرها اتصالات مع "كاحول لافان". لكن حتى لا نظلم أحدًا، فإن من يسرب للإعلام بأن غانتس يدرس إمكانية تشكيل حكومة ضيقة بدعم من نواب عرب، هو طرف في "كاحول لافان" يريد أن يحبط إمكانية حكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو في السنة الأولى.

في "كاحول لافان" عدة تيارات، غانتس ليس تيارًا وإنما تصادف أن يرأس هذا التحالف تمامًا كما أصبح رئيسًا لأركان الجيش الإسرائيلي بالصدفة، بعد سحب ترشيح يوآف غلانت بسبب استيلائه على أرض عامة. التيار اليميني المتشدد في "كاحول لافان" هو تيار حزب "تيلم" برئاسة الجنرال موشيه يعالون، ويضم سكرتير حكومة نتنياهو السابق، تسفي هاوزر، ومستشار نتنياهو الإعلامي سابقًا، يوعاز هيندل. هؤلاء على يمين الليكود في مواقفهم ولكن يتميزون عنه بأنهم ليسوا شعبويين. هم يرفضون بكل قوة أي حديث عن حكومة ضيقة تستند إلى دعم نواب عرب، ويفضلون التحالف مع الليكود لكن شريطة إزاحة نتنياهو لاحقًا.

التيار الآخر هو حزب "ييش عتيد" برئاسة يائير لابيد. هو الآخر يرفض حكومة ضيقة تستند إلى نواب عرب وبالنسبة له كل العرب "زوعبيز"، لكن زلمه أمثال عوفير شيلح لا ينفكون يسربون عن إمكانية تشكيل حكومة ضيقة بدعم نواب عرب، والهدف منه إفشال تشكيل ائتلاف حكومي مع نتنياهو ولو مؤقت، ويريدون أيضًا الضغط على قوى في الليكود لتعمل على إقصاء نتنياهو.

التيار الثالث يمثله الجنرال غابي أشكنازي، الذي يعتبر "المتعقل"، الذي يحاول توحيد الصفوف، وهو لا يمانع نشر التسريبات عن احتمال حكومة ضيقة بدعم النواب العرب، لكنه يرفضها جملة وتفصيلا، وهذا ما يفسر صمت يعالون وهاوزر تحديدًا بشأن التسريبات، وهما اختفيا مؤخرًا على الرادار الإعلامي. هاوزر، يصفه من يعرفه بأنه "أيديولوجي يميني متعصب" وشغل لسنوات منصب سكرتير حكومة نتنياهو.

إذًا، لا إجماع داخل "كاحول لافان" على تشكيل حكومة ضيقة بدعم نواب عرب، ولا يتعاملون بجدية مع هذا الاحتمال، بل تستخدمه أطراف في هذا التحالف للمناورة السياسية ضد الليكود. لكن، هل إمكانية تشكيل حكومة ضيقة مؤقتة بدعم نواب عرب حتى تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة بمشاركة الليكود من دون نتنياهو، وارد؟

هذا الخيار وارد دون العرب، لأن "كاحول لافان" يريد إزاحة نتنياهو من رئاسة الحكومة حتى في الفترة الانتقالية إن جرت انتخابات ثالثة، دون دعم عربي للحكومة المؤقتة، وهذا سياق التسريبات صباح اليوم بأن "كاحول لافان" يسعى لانشقاق أعضاء كنيست عن الليكود ودعمهم لمثل هذه الحكومة المؤقتة بدلا من دعم النواب العرب. ومنطق ذلك، أن الحكومة المؤقتة أمامها خياران، إما أن تنجح بضم الليكود إلى الحكومة لاحقًا من دون نتنياهو بعد تقديم لوائح اتهام ضده، خلال أسابيع؛ وإما الخيار الثاني، وهو أن يفشل "كاحول لافان" بضم الليكود وإجراء انتخابات برلمانية ثالثة خلال فترة قصيرة. وبهذه الحالة، لن يخوض "كاحول لافان" الانتخابات وهو يرأس حكومة تستند إلى أصوات العرب. بالنسبة لهم هذا سيناريو جهنمي نتائجه ستكون سلبية جدًا في الانتخابات. لذا احتمال حكومة مؤقتة بدعم عربي غير قائم، ولا تجري مفاوضات مع القائمة المشتركة ولم تقدم أي عروض. مجرد بهلوانيات في سيرك تشكيل الحكومة.

وهذا سيناريو جهنمي للمشتركة أيضا، إذ أن قسما كبيرا من جمهورها سيمتنع عن التصويت في الانتخابات المقبلة. والمسؤولية السياسية والوطنية تحتم على القائمة المشتركة أن تستدرك نفسها وتمتنع عن زج ناخبيها العرب في هذا السيرك، لأنه سيرك لا أحد فيه يريد حقيقة دعم العرب؛ والمشاركة بهذا السيرك بزعم أن القائمة وعدت ناخبيها بالتأثير وتحصيل الميزانيات ومحاربة الجريمة وغيرها، هو استمرار لبيع الأوهام للناس وبأنه جزء شرعي في مفاوضات تشكيل الحكومة. هذا وهم ويتم استغلال المصوتين العرب ونوابهم كأداة لا أكثر في المنافسة بين "كاحول لافان" والليكود، ومنح نتنياهو فرصة أخرى، ولا تنقصه الدوافع، للتحريض على العرب ونزع الشرعية عنهم حتى كمواطنين. من العار أن يقبل قائد سياسي أن يتحول شعبه وجمهوره إلى أداة يستخدمها آخرون لتكون جسرًا لتشكيل حكومة إجماع صهيوني، أو ما يسمى حكومة وحدة صهيونية. من العار أن يخرج سياسي ويصرح بأنه لا يرفض مبدئيًا دعم حكومة تضم أفيغدور ليبرمان، والأخير صرح باليوم نفسه بأن النواب العرب هم طابور خامس ويرفض حكومة تستند إلى أصواتهم، بمن فيهم ذاك السياسي الذي يسعى أن يظهر بالاعتدال والعقلانية والانفتاح.

لا نملك علاجًا لمدمني الظهور في الإعلام الإسرائيلي، ولكن نرجو منهم أن يحفظوا كرامة ناخبيهم العرب بألا يحولوهم إلى أداة لدى بيني غانتس ويائير لابيد وعوفر شيلح، في سيرك المفاوضات الجارية بين "كاحول لافان" والليكود. لم تُنتخبوا لتكونوا وسطاء أو أوصياء، بل لتمثيل الناس بكرامة ومهنية، وليس لمساومة الحقوق بالمواقف السياسية والكرامة. أنتم أصلا غير شرعيين بنظر حزب الجنرالات. فاحفظوا كرامتكم وكرامة الناس.

"لا ناقة لنا ولا جمل" في أزمة النظام الانتخابي الإسرائيلي، الذي يفشل في حسم الانتخابات بين اليمين الخشن – الليكود، واليمين اللين – "كاحول لافان"؛ أو اليمين الشعبوي واليمين المؤسساتي. لنشاهد السيرك ونتفرغ لبناء مجتمعنا ومؤسساتنا الوطنية والقومية.

إنه سيرك أخبار كاذبة... شاهدوا ولا تصدقوا.

التعليقات