20/11/2019 - 14:48

ماذا بعد "شرعنة" أميركا للاستيطان؟

لا يكفي أن يطل السيد عريقات أو عشراوي أو نبيل أبو ردينة ليخبر الفلسطينيين عن خطورة ما تقدم عليه إدارة ترامب ونتنياهو. الفلسطينيون ينتظرون شيئا مختلفا عن التضليل، وبديل عن التفكك والضياع الداخلي لمواجهة التزوير التاريخي

ماذا بعد

أكثر ما يميز عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تنفيذه للوعود التي قطعها لإسرائيل بدعم سياسة بنيامين نتياهو. تقديم الدعم هذا يأتي من جعبة الحقوق الفلسطينية، التي لا تعطي أحدًا  حق التصرف والتلاعب بها أيًا كان، فبعد المساس بما كان يطلق عليه فلسطينيًا وإسرائيليًا بقضايا الحل النهائي، قضايا القدس واللاجئين والاستيطان والحدود والمياه، والتي تمثل مجتمعة، جوهر الصراع مع المحتل، يسقط مفهوم السلام والمفاوضات، ويفتح الباب مجددًا للحديث عن الإصرار الأميركي على تطبيق "صفقة القرن"، التي تمس وتنال من قضايا الحل النهائي، وهو ما يتم فعليًا بغض النظر عن قدرة الفلسطينيين التصدي لها أم لا.

ما هو مؤكد من تسلسل مواقف غدارة ترامب، الداعمة لسياسات حكومة نتنياهو الاستعمارية في الأراضي المحتلة، أن جرأة هذه الإدارة لا تتعلق فقط بثبات وصراحة ترامب بشأن تقديم شرعية للمحتل في السطو على الأرض والمقدسات، بل هناك حالة عربية متصهينة متساوقة مع طروحات إدارة ترامب، والبعض الآخر ينقل الضغوط والشروط الأميركية والصهيونية  للجانب الفلسطيني، على سبيل "إن قبلتم أو لا، فإن الأمور ستسير حسبما هو مخطط لها"، وعلى اعتبار أن جعبة الفلسطيني خالية الوفاض ولا يمكنه رفض ما يملى عليه أو ما يقرره. وبما أن الاستيطان شكل حجر الزاوية لمصطلح "الدولة اليهودية" الذي اتبعت مسارات تنفيذه المؤسسة الصهيونية، وما تركته هذه السياسة من وقائع تنسف ركائز " السلام" أصلا، لم يعد هناك ما يجمع المصطلح والمفهوم الذي تقوم عليه مبادئ المفاوضات وعملية "السلام"، منذ أن بدأت قبل ربع قرن.

اليوم يزداد الوضع المتصل بكل "عملية السلام" سوءًا وبكل القضايا المرتبطة بها، المقدسات وتهويدها، الأرض ونهبها من ثم تشريع ذلك ليبقى أصحاب الأرض في كانتونات صغيرة محاطة بكتل ضخمة من الاستيطان ومقطعة الأوصال، فيما تجري إدارة مفاوضات مستقبلاً على تحسين ظروف معيشتهم وتخفيف ظروف حصارهم، هذا هو جوهر صفقة القرن.

ماذا بعد؟

السؤال ساذج إذا لم يربط مع معطيات تشير دومًا إلى عبث الإجابات الفلسطينية والعربية؛ لا ينفع هنا إيراد عبارات تنديد وشجب وما إلى ذلك، حول خطورة الخطوة أو بقية الاعتداءات. الخطورة قائمة مع الاحتلال منذ سبعة عقود، والأخطر قائم في الالتصاق بتلابيب وهم المفاوضات، المتوقفة بالأصل والقائمة فقط على التنسيق الأمني الذي يبدد كل الحقوق، والغرق في تفاصيل سلطة أو تقاسم سلطات وممارسة كيديات أغرقت الساحة الفلسطينية في وحل التجاذبات المدمرة.

شعارات كبيرة ويافطات أكثر، أكدت في مناسبات العدوان المتكرر على "المسار التاريخي" وخيارات اتضح أنها سلبية، أو هكذا يراد تقديم الجيل الفلسطيني الذي ترعرع  في كنف سلطة جل همها التنسيق الأمني وإدارة اقتصاد مناطق نفوذها المقطعة الأوصال، لكنها بارعة في تأديب وتطويع هذا الجيل، في ظل أجواء عربية في معظم الشوارع والساحات  ثائرة  ومنتفضة على أنظمة وسياسات قمعية، مع نخب وفصائل تحول قسم منها إلى "هتيف" و"سحيج" لأنظمة قمعية .

قلمت حركة التحرر الوطني الفلسطيني  أظافرها،  بما لا يليق بإرثها ولا بنضال شعبها المتواصل، ولا حاجة للتذكير بسلسلة  طويلة من التخبط والارتجالية في المواقف،  إن كان المتعلق منها بعبث المفاوضات أو مواجهة العدوان،  التي كان فيها المذهل سلوك السلطة الفلسطينية وتمسكها بالوظيفة المناطة بها، حتى بحالة فقدانها كل أسباب وجودها الشكلي،  والتمسك بترديد عبارات قوانين الشرعية الدولية، المتعلقة بالصراع مع المحتل، لكنها تسقط أقوى فقرات من هذه الشرعية، وهي حقها في مواجهة إجراءات الاحتلال بالالتفاف حول شعبها مصدر القوة لإفشال ولجم كل سياسات العدوان.

إذًا، بعد القرارات الأميركية بنقل السفارة للقدس وإضفاء شرعية على المستعمرات المقامة على الأراضي المحتلة، واستهداف وكالة "أونروا" المعنية باللاجئين، ونية الحكومة الإسرائيلية ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، فما الذي تخافه السلطة من التخلي عن الوظيفة، وما الذي ستخسره، إذا قلبت الطاولة فوق المتصهينين والصهاينة أنفسهم، هل هناك خسائر أكبر من  تلك التي يعلن عنها ترامب ونتنياهو.

أخيرًا، لم تعد الحالة الفلسطينية تحتمل مقامرات  العجز والرهان على نظام رسمي عربي متهالك بفعل أنظمة قمعية ووحشية، ولا يكفي أن يطل السيد عريقات أو عشراوي أو نبيل أبو ردينة ليخبر الفلسطينيين عن خطورة ما تقدم عليه إدارة ترامب ونتنياهو. الفلسطينيون ينتظرون شيئا مختلفا عن التضليل، وبديل عن التفكك والضياع الداخلي لمواجهة التزوير التاريخي، وهي فرصة تاريخية في مناخ شعبي عربي يقبل أن تقلب كل المعادلات، ويسمح بجرأة فلسطينية لتنفيذ وعود، هذا أوانها، ولا يصح غيره.

التعليقات