03/02/2020 - 14:10

العلاقة بين "صفقة القرن" وفوضى السلاح!

هل توجد علاقة بين العنف المستشري بين الجمهور العربي الفلسطيني في داخل إسرائيل، وبين صفقة القرن؟ وماذا يعني العنف المنتشر بدون رادع جدّي؟

العلاقة بين

هل توجد علاقة بين العنف المستشري بين الجمهور العربي الفلسطيني في داخل إسرائيل، وبين صفقة القرن؟ وماذا يعني العنف المنتشر بدون رادع جدّي؟

يجري الحديث عن وجود 400 ألف قطعة سلاح غير مرخصة في حوزة الجماهير العربية، وهو رقم مبالغ فيه بلا أدنى شك، فإذا كان عدد الجماهير العربية كلها يشمل المقدسيين هو مليون وستمائة ألف نسمة، وافترضنا أن العائلة العربية مكونة من أربعة أنفار على الأٌقل، فهذا يعني وجود قطعة سلاح مهربة في حوزة كل أسرة عربية.

يبدو أنهم يحسبون سكاكين المطبخ ونواقير الكوسا. رقم 400 ألف حسب تقديرات الشرطة مبالغ فيه بشكل مقصود، وذلك لإظهار الجمهور العربي على أنه غابة متسيّبة لا قوانين تحكمها ولا رادع ولا ضمير، وعلى أن هذه شريحة من شعب متعطش للدماء وللعنف وأن هذا خارج عن السيطرة.

لو كان بحوزتنا 400 ألف قطعة سلاح كما يزعمون، فهذا يعني أن تتعثر وأنت في طريقك إلى البقالة بمسدس ومخزن رصاص أو إم 16 وقنبلة أثناء دخولك الحمام، هذا يعني أن أشجارنا تورق رصاصًا وزجاجات مولوتوف، هذا يعني أن بحوزتنا عشرة أضعاف ما بحوزة شرطة إسرائيل من سلاح، لأن عدد العاملين في سِلكها حوالي 32 ألفًا، أضف إليهم بضعة آلاف من المتطوعين الذين يُسمح لهم بحمل السلاح، هذا يعني أن لدينا عشرة أضعاف الأسلحة الفردية المفترضة في حوزة أفراد الشرطة في إسرائيل.

تضخيم أعداد قطع السلاح وترديد هذا الرقم وتناقله بشكل عشوائي، يقصد منه إعفاء الشرطة من مسؤوليتها، فما الذي ممكن لبضع مئات أو بضعة آلاف من أفراد الشرطة العاملين بين العرب أن يفعلوا مع جيش مدجّج من العصابات والمجرمين.

يرافق هذا التضخيم الإعلان عن ضحايا رصاص الشرطة على أنهم مخربون، واتهام العرب بالحرائق، وبالإصرار على البناء غير المرخص، والإعلانات المتكررة عن إلقاء القبض على مشتبهين بالانتماء إلى حزب الله والتجسّس لصالح إيران، وعن كشف شبكات كانت تخطط للقيام بأعمال تخريبية واختطاف جنود، وبمعجزة لم يقع عشرات القتلى، يتضح فيما بعد أنها منشورات تافهة كتبها مراهقون على الفيسبوك.

لا يمكن فصل السياسة العامة في خطوطها العريضة، عن السياسة التنفيذية على أرض الواقع التي يجب أن تكملها، لشق الطريق أمام تنفيذها.

شيطنة السّيد محمود عباس وزعمهم بأنه متواطئ مع الإرهاب رغم كل تنسيقه الأمني باعترافهم هم، يأتي لتبرير عدم تنفيذ اتفاقيات أوسلو، ومصادرة ما تبقى من أرض. ومثله فهم يحتاجون تبريرًا لكل بند من بنود "صفقة القرن"، منها بند تخلي دولة إسرائيل عن إدارة جزء من منطقة المثلث ونقلها إلى إدارة السلطة الفلسطينية، والحجة هي الحفاظ على يهودية الدولة، ولكن يصبح الأمر أكثر سهولة عندما تكون هذه المنطقة جزءًا من مجتمع موبوء بالعنف، لا سيطرة للدولة عليه، وبالتالي فالمفضل هو التخلي عنه ما دام أنه متمرّد أصلا، والسكان لا يلتزمون بقوانين الدولة في مجال البناء ودفع الضرائب، ويجمعون هذه الكميات الخيالية من الأسلحة التي قد تحتاج إلى حملة عسكرية لا تقل تخطيطًا وعتادًا وإنفاقًا وخطورةً عن حملة لتفكيك سلاح حماس في قطاع غزة.

عندما توضع معطيات العنف، والأرقام الفلكية، على طاولات مسؤولين أجانب من أميركيين أو أوروبيين أو هنود وعرب، سوف يتخيّلون بأن عصابات السلاح والسموم وتبييض الأموال والإتاوات تملك مروحيات ومدرعات ووحدات قتالية في غابات الناصرة الاستوائية وأنهار الطيبة وقمم جبال كفر قاسم وكهوف وأنفاق تورا بورا في أم الفحم المخيفة.

هذا لا يعني أنني أقلل من خطورة السلاح الموجود ولو كان بضعة آلاف أو حتى مئات من القطع.

تساهل الشرطة في التعامل مع العنف ليس قرارًا من هذا الضابط أو ذاك، بل هو مخطط مدروس ومحبوك جيّدا من أعلى درجات اتخاذ القرار وعلى رأسهم بيبي نتنياهو، بهدف الوصول إلى هذه النتيجة المطلوبة، وهي أن العرب رافضون للنظام ولقوانين الدولة، ولهذا فهي غير ملومة إذ تتخلى عنهم وتسلمهم لإدارة سلطة رام الله.

ما أُعلن عن "صفقة القرن" يقول بأن مخططات الشيطان موجودة في الأدراج، والأخطر هو تهيئة الشعب لتقبلها، فقد باتت أكثرية الشعب اليهودي في إسرائيل مهيأة فكريًا ونفسيًا إلى فصل سكاني للعرب أو لمجموعات كبيرة منهم عن الدولة تحت شعار الحفاظ على يهودية الدولة، وتحت غطاء التخلص من مجموعات عنيفة رافضة للنظام، هذا مخطط على مراحل، في البداية فصل ثم رفع جدار بين هذا الجزء من العرب وبين الدولة اليهودية، ومن ثم إقرار قانون عدم منح الجنسية الإسرائيلية للمواليد الجدد من الأجيال القادمة.

طبعًا هكذا يحلمون، ولكن الصراع عمره مائة عام، وقد يستمر مائة عام أخرى، وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح، وهو حق الشعوب بالعيش بأمن وأمان وحرية وكرامة في أوطانها بدون تهديدات، لا عنف على مستوى الأفراد والعصابات، ولا على مستوى الدول والحكومات الفاشية المتطرفة.

التعليقات