28/03/2020 - 09:01

وداعًا هاشم حمدان.. ولإلهامه ومجده وشامه عزاء

الآن نودع جذرًا من جذورنا في الرينة دون أن نلتقي، دون عناق الوداع ودون مواساة الأيدي للهامات، لتبقى الكلمة ذكرى جمعت فينا وفيها كل البلاد وتفاصيلها

وداعًا هاشم حمدان.. ولإلهامه ومجده وشامه عزاء

جمعنا موقع "عرب "48، وبعض الذكريات المشتركة. كنت دائم السؤال عن الرينة والناصرة وعن الأخوة الخمسة وإلهام، وكان سؤاله القلق عن اليرموك وأهله وشعبه، ودائم السؤال أين حط بنا الرحال بعد التهجير، وكلماته لي "يبدو أن قدر اللجوء سيظل ملازمًا للمرحلة" تحول دون اللقاء والوداع في آن. وفي آخر الرسائل لتعزيتي بوالدي، "كان الأمل أن يتحقق حلمه بالعودة ولكن تأخر العودة يجعل العمر قصيرًا... ومهما يكن من أمر... يبقى الأمل".

رحل هاشم حمدان الصديق الإنسان والصحفي المجتهد المناضل، المربي لخمسة أخوة استثمر فيهم معنى فلسطين والإنسان، وكان لشام أصغر الأبناء من اسمه حب لشامه، التي يرى فيها فلسطين كلها، ولأمجد ومجد وفراس وأحمد عناد الحق المتأصل في أبناء الأرض من الرينة والناصرة وكوكب أبو الهيجاء، إلى المثلث والجليل والنقب والقدس وغزة. هذا جانب من جوانب حياته الشخصية التي لامست جزءًا منها في علاقتي بهاشم.

كان للكتابة في موقع عرب 48 من خلال رئيس التحرير، وهو المنصب الذي شغله الراحل لسنوات عديدة، الوقع العملي، فلم يكن إنسانا فحسب، وكاتبا وصحافيا مثقفا، إنما كان مناضلا في صفوف الحركة الوطنية في الداخل وفي حزب التجمع، ومواكب لانطلاق موقع عرب 48 منذ التأسيس للتطوير، بل أن من عرفه عن قرب استطاع أن يلمس مشاعر صدقه وإنسانيته ونضاله وإيمانه. لقد كان متحرقًا أن يرى نضالات شعبه في فلسطين 48 تتمخض عن عطاء كبير في مواجهة الأسرلة والشطب وذوبان الهوية، وكانت في مقدمة أحلامه في عودة أبناء شعبه إلى مدنهم وقراهم المهجرة، فحين علم بمنفاي الفرنسي، قال لي: "لا استطيع أن أقول إنها أخبار سعيدة... ولكن في المقابل نطمئن عليك وعلى العائلة... نتمنى أن تكون هناك مغادرة أخرى... إلى فلسطين".

كان أبو المجد، صورة مثالية أخرى للفلسطيني الضارب جذره عميقًا في أرضه، قريبًا ودودًا مثقفًا محبًا لإلهامه التي رافقت مسيرته ورفيقًا لأشباله الخمسة، الذي صاغ لهم حياة تلبي الهدف في الركون إلى المعرفة العلمية والإيمان الوطني. شحذ هاشم أدواته فالحًا في صلابة المناضل المثقف بعصامية لافتة، في نقل رسالته الإنسانية والوطنية دون مراوغة وتيه في التفاصيل.

الآن نودع جذرًا من جذورنا في الرينة دون أن نلتقي، دون عناق الوداع ودون مواساة الأيدي للهامات، لتبقى الكلمة ذكرى جمعت فينا وفيها كل البلاد وتفاصيلها، في زمن يستعير المعاني من عيوب تشريدنا ولجوئنا، وأذكر كلمات بيننا عندما رحلت روضة بشارة، وسارعتُ للتواصل معك، وعند رحيل الأحبة من مخيم اليرموك وأنت تتحرى حقيقة ما يجري في المخيم، ليعود الحديث عن شامك الذي زار يومًا كرز الجولان وذاق حبات مشتهاة لشام في الشمال... وداعًا يا رفيق الأحلام والأفكار، ولتكن ذكراك مؤبدة ونحن نلعن فيروسات أخرى حالت دون اللقاء في الوطن، وجمعتنا في فكرة يبقى فيها الأمل مهما امتد العمر أو قصر. رحمك الله، والعزاء لرفاقك في موقع "عرب 48" والأحبة والأهل في البلاد.

التعليقات