31/03/2020 - 20:47

إنه يوم الأرض والبحرِ والعلم والعمل

نحتفي أولا بالقليل المتبقي الذي نقف عليه في بلداتنا وحولها، وهو قليل جدًا (2.5%) من مساحة الدولة، معظمها مبنية،ونحتفي بالإنسان المتمسك في وطنه.

إنه يوم الأرض والبحرِ والعلم والعمل

علاقة فلسطينيي 48 بأرضهم، أصبحت علاقة معنوية، لم تعد في الواقع علاقة فلاح بأرضه أو بقطيع أغنامه أو جرّارِه الزراعي ومحصولِه، من قمحٍ أو بصل أو شمندر، فقد انتقل مركز الثقل في معيشتهم إلى الوظائف، خصوصًا في مجاليّ التعليم والصحة، والمهن الحرة وسوق العمل في مختلف الفروع.

أما ما تبقى بملكيتهم من أرض، فلا يُعتبر مصدر معيشة إلا للقليل جدًا من العائلات، وهذا يشمل الإنتاجين النباتي والحيواني، ومن بين حوالي 920 بلدة زراعية في إسرائيل بين كيبوتس وموشاف وبلدة زراعية، لا يوجد بلدة عربية واحدة، ممكن تصنيفها على أنها بلدة زراعية.

الزراعة القليلة المتبقية هي موسمية في مناطق محدودة، مثل موسم الزيتون أو التوت واللوزيات والقثائيات والملوخية، وبعض المحاصيل هنا وهناك، أما الإنتاج الحيواني العربي من لحوم وألبان وبيض وأسماك، فيكاد لا يذكر.

الأبرز في فرع اللحوم، يعتمد على استيراد العجول والأغنام على يد مستوردين وليس تربيتها وإنتاجها في حظائر أو مراعٍ، ويتعرض ما تبقى في منطقة النقب للمطاردة والمضايقة المنهجية، ومعروف نشاط "الدوريات الخضراء" التي أسسها أريئيل شارون، في مصادرة قطعان الحلال وذبحها في المسالخ رغم أنف أصحابها، وتسميم المراعي والمزروعات لحرمان العرب الاستفادة منها.

إذًا بماذا نحتفي في يوم الأرض؟ ومعظم أبناء شعبنا لا يملكون شيئًا من الأرض، خصوصًا سكان المدن، باستثناء شققهم وبيوتهم.

نحتفي أولا بالقليل المتبقي الذي نقف عليه في بلداتنا وحولها، وهو قليل جدًا (2.5%) من مساحة الدولة، معظمها مبنية،ونحتفي بالإنسان المتمسك في وطنه.

في هذه الأيام بالذات، نحتفي بالقوى العاملة في مجال الصحة من أطباء وممرضين وصيادلة ومختبرات وصيانة في المجال نفسه، أثبتت أن أبناءنا موجودون عميقًا في جهاز الصحة كله وفي كل فروعه.

نحتفي بعشرات آلاف الطلبة في الجامعات الإسرائيلية والأجنبية.

نحتفي بالعاملين في مجال الصناعات الدقيقة الذين يتزايدون عامًا بعد عام.

نحتفي بآلاف الأكاديميين في المجالات كافة.

نحتفي بأصحاب المهن المتقدمة والطبقة العاملة، الذين يشكلون العصب الأهم في سوق الإنتاج الإسرائيلي، كل هذا مع الاحتفاظ بحقنا وتمسكنا بهويتنا الوطنية والقومية.

يوم الأرض صار يعني حقّنا في الوطن كله، وليس فقط بما نملكه من أرض، حقنا في شاطئ البحر، وأن يكون لجسر الزرقاء مثل ما لعتليت ولنهرية وأشدود وغيرها، وأن يكون لصيادي عكا ويافا العرب ما لليهود من حقوق ودعم حكومي.

وهو يعني حقنا بما يسمى أراضي الدولة لبناء مشاريع إسكانية وصناعية وزراعية، ويعني حقنا في العيش واقتناء الأرض أو البيت في أي مكان نجده مناسبًا في وطننا، في العفولة أو نوف هجليل أو عكا وحيفا أو تل أبيب، وفي كل بقعة من بلادنا دون التفريط بهويتنا القومية.

يوم الأرض الأول عام 1976 منح فلسطينيي 48 شعورًا بقوة لم يعرفوها من قبل، وأطلق طاقاتهم وصقل صوت احتجاجهم، هذه القوة منحت أملا، فاكتشفوا وتحسّسوا ذواتهم، بأنهم ليسوا مقطوعين ولا مختلفين عن بقية أبناء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، وبأنهم ليسوا بمعزل عن العالم العربي من حولهم، ولا عن الدائرة الأوسع من حركات التحرر الوطني العالمية، التي أطلقوا عليها في حينه تسمية قوى السلام والحرية، خصوصًا في ما عرف في حينه بالمعسكر الاشتراكي، فقد وصل صدى صرخة يوم الأرض إلى كل الأصقاع.

يوم الأرض، طرح مسألة عرب 48 بقوة على الساحة الفلسطينية والعربية والإسرائيلية وحتى العالمية، الأوروبية بشكل خاص، واستيقظت المؤسسة الإسرائيلية على واقع غير الذي رسمته وخطّطت له منذ نشأتها لتذويب ومحو الشخصية العربية الفلسطينية، انتبهت إلى أن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني يشكل عقدة كأداء في طريق برامجها، وبدلا من التراجع عن مسار الاضطهاد والتمييز العنصري، فقد ازداد توغلا، وذهب نتنياهو أبعد عندما أدخل جزءًا من منطقة المثلث ضمن ما يسمى "صفقة القرن"، وهو ما سنفشله حتمًا بوحدتنا وقوتنا ووعينا.

صادفت ذكرى يوم الأرض هذه المرة مع ورطة الكرة الأرضية عامة، فقد أظهر الفيروس الشرس - كورونا، إلى أي مدى باتت الأمم متعلقة بعضها ببعض، وأظهر أكثر ارتباط مصائر العرب واليهود في هذه البلاد من البحر إلى النهر بعضهم ببعض، الأمر الذي حتمية التعايش السلمي القائم على العدل والمساواة في كل صغيرة وكبيرة بين الشعبين بين البحر والنهر.

ومثلما كان ليوم الأرض ما بعده، وغيّر مفاهيم ومسلّمات، فإن فيروس كوفيد-19 أيضًا، قال إنه آن الأوان لجنوح البشر عامة إلى السلم، والارتقاء إلى مرحلة جديدة من الوعي يكون مركزها الإنسان ورفاهيته، والترفّع عن الجزئيات، فالجميع يحتاج إلى الجميع، وكلنا في مركب كوكب الأرض ذاته، ففي عصر العولمة والتداخل الإنتاجي والتبادل التجاري والصناعي والسياحي والغذائي والصحي والثقافي الهائل، لا يعقل أن يبقى من يتقوقع داخل ذاته، ويفكّر بمنطق القوة والاحتلال والقمع والترحيل والعنصرية، واضطهاد الآخرين ونهب حقوقهم.

التعليقات