28/05/2020 - 16:42

"الغيتو العربي" وما تخفيه الوثائق

أسرار "الغيتو" وفظائع النكبة وفترة الحكم العسكري الطويلة، وبينها ملفات مجزرتي دير ياسين وكفر قاسم، ما زالت مدفونة في الأرشيفات العسكرية التي ترفض دولة إسرائيل الإفراج عنها، رغم مرور 72 عاما

"غيتو العرب" هو التجمع الذي قامت إسرائيل بتركيز ما تبقى من سكان المدينة الفلسطينية في يافا وحيفا واللد والرملة وغيرها بعد احتلال فلسطين وإقامة كيانها على أنقاضها، حيث جرى تجميعهم في أحد أحياء المدينة بعد إحاطته بالأسلاك الشائكة ومنع الدخول والخروج منه إلا بإذن الجيش الإسرائيلي.

تسمية "الغيتو"، رغم ما تحمله من دلالات عميقة لدى اليهودي، انتقلت من تعبير شائع على لسان الجنود الصهاينة الذين حرسوا بوابات ومداخل معسكرات الاعتقال، إلى "المداولات والدوائر الرسمية"، حيث أبرز بعض المؤرخين استعمال مصطلح "غيتو"، الذي ظهر على أغلفة ملفات "معسكرات اعتقال العرب" الموجودة في أرشيف دولة إسرائيل، وقد وضع بين قوسين إلى جانب تعبير "منطقة أمنية" في إشارة إلى هذه الغيتوات.

وأشار المؤرخ آدم راز، الذي تناول هذا الموضوع في مقال نشرته "هآرتس"، تحت عنوان "عندما احتجز عرب إسرائيل في غيتوات"، إلى "غيتو وادي النسناس" و"غيتو وادي الصليب" في حيفا و"غيتو العجمي" في يافا، ونقل على لسان الفلسطيني إسماعيل أبو شحادة قوله، إنه "تمت إحاطة الحي بالأسلاك الشائكة وتركوا ثلاث بوابات، وكنا نخرج فقط للعمل في إحدى البيارات بعد الحصول على تصريح من المشغل".

الأهالي، وخاصة النساء والأطفال والشيوخ، علما أن الرجال قد جرى اقتيادهم إلى معسكرات اعتقال خاصة، مكثوا شهورا طويلة بين أسلاك "الغيتو" الشائكة، حيث تشير تقارير يوردها راز في مقاله إلى أن ما كانت تسمى وزارة الأقليات عملت أمام السلطات العسكرية في شباط 1949 على الحصول على تصاريح لخروج المواطنين العرب من "الغيتوات".

كذلك يورد راز كيف تم إيقاف النساء والشيوخ والأطفال في الرملة لمدة ثماني ساعات متتالية تحت أشعة الشمس الحارقة، بدون ماء وغذاء، فقط من أجل إهانتهم والتنكيل بهم، وكيف أن الأسلاك الشائكة المحيطة بـ "الغيتو العربي" في اللد بقيت على حالها حتى بعد السماح بحرية الحركة.

إلا أن أسرار "الغيتو" وفظائع النكبة وفترة الحكم العسكري الطويلة، وبينها ملفات مجزرتي دير ياسين وكفر قاسم، ما زالت مدفونة في الأرشيفات العسكرية التي ترفض دولة إسرائيل الإفراج عنها، رغم مرور 72 عاما، بينما يستدل المؤرخون إلى "الأعظم" فيما خفي من هذا التاريخ من ما يصطدمون به من محاولات ممارسة الرقابة وحذف بعض التعابير والتفوهات التي تصم الآذان في الشهادات والوثائق التي رفع عنها الحظر.

وفي هذا السياق، يشير راز إلى تصريح مدير "وزارة الأقليات"، غاد ماخنيس، الذي قال إنه "من غير المبرر استمرار احتجاز العرب في معسكرات اعتقال محاطة بأسلاك شائكة"، والتي شطبت من بروتوكول جلسة اللجنة الوزارية لشؤون "الأموال المتروكة" التي عقدت كانون أول/ديسمبر 1948، وبحثت تجميع ما تبقى من سكان اللد العرب في أحياء معينة بغية إسكان بيوت سائر أحياء المدينة بالمهاجرين اليهود.

عن "الغيتو العربي" في اللد، كتب إلياس خوري في روايته "أولاد الغيتو"، أنه لم يكونوا يعرفون أن اسم حيهم، الذي بناه الجيش الإسرائيلي المنتصر داخل السياج المحيط بالمسجد والكتدرائية والمستشفى هو "الغيتو". وكل ما كانوا يعرفونه أنهم بقوا أحياء وأنهم آخر من تبقى من سكان المدينة بعد الطرد الكبير. كانوا خليطا غريبا من البشر، أطباء وممرضين وممرضات، أصحاب دكاكين وفلاحين ولاجئين من القرى المجاورة، جمعتهم صدفة الخوف، وجعلتهم يختبئون في المستشفى وحولها هربا من الرصاص الذي تطاير فوق رؤوس الناس، ودفع سكان المدينة الى الخروج من مدينتهم الى اللا مكان.

التعليقات