29/06/2020 - 09:16

عن محاولات توحيد مجموعات الدولة الواحدة

لذا، ورغم التباينات حول شكل الدولة النهائي ومحدداتها القانونية، إلا أننا قادرون على صياغة أهداف جامعة توحد الجهود النضالية من أجل النجاح في إنجاز المرحلتين الأولى والثانية

عن محاولات توحيد مجموعات الدولة الواحدة

(أ ب أ)

يكثر الحديث عن ضرورة توحد أو اندماج المجموعات الفلسطينية التي تتبنى خيار الدولة الواحدة، نتيجة تسارع الأحداث السلبية تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين عمومًا، أو تجاه بعض التجمعات الفلسطينية على الأقل، ونتيجة القناعة المتزايدة في لدى الفلسطينيين بانهيار حل الدولتين واستحالة تطبيقه في ظل الإجراءات والممارسات الميدانية التي فرضها الاحتلال، مدعومًا من المجتمع الدولي ولا سيما من الولايات المتحدة الأميركية. كما يدفع لذلك تمسك الجسم السياسي الفلسطيني الرسمي بحل الدولتين، ورفضه الإصغاء لصوت الشارع الفلسطيني، وقمعه وكبته للصوت الفلسطيني داخل وخارج فلسطين.

فقد أظهر استبيان أجراه "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي"، بدايةَ العام الحالي، تبني أكثر من 60% من الفلسطينيين خيار استعادة كل فلسطين التاريخية، مقابل تأييد 10% من العينة المستطلعة آراؤهم لحل دولة واحدة "ثنائية القومية" تضم العرب واليهود معا بحقوق متساوية، وذلك يعود إلى تعدّد أوجه وطروحات حل الدولة الواحدة، والتي يصل ببعضها الحال إلى تسويق حل أسوأ من حل الدولتين، وخصوصا ممّن يدعو لدولة واحدة من منطلقات استسلامية وكأنهم يحاكون حل الدولتين بصيغة جديدة تتمثل في النظام الكونفدرالي على سبيل المثال، لذا فهم يدينون الحق بالمقاومة، ويتبنون النضال السياسي وعلى رأسه المفاوضات كسبيل شبه وحيد لإقامة الدولة الواحدة. أي يعتبرون الاحتلال واقعا مفروضا ودائما علينا تقبله والتعامل معه كحقيقية نهائية، لذلك فهم يحصرون النضال الراهن في جزئية سياسية وثقافية ترمي إلى إصلاح المؤسسات الصهيونية كي تتكيف أو تتقبل الوجود الفلسطيني وتقر بحق الفلسطينيين في العودة والأرض. وعليه، أجدُ أنّهم مجموعات يصعب ولا يصح التحالف أو التعاون معها حول مشروع فلسطيني تحرري نتيجة طروحاتهم الاستسلامية، وضبابية موقفهم السياسي.

لكن، وعلى الضفة الأخرى، هناك مجموعات تتبنى خيار دولة فلسطين الواحدة على أنقاض الكيان الصهيوني، وبعد تفكيك جميع مؤسساته الإجرامية والعنصرية، عبر مختلف أشكال النضال وفق ما تمليه علينا الحاجة والإمكانية والظرف، وهي المجموعات المطالبة بالسعي الجدي لتشكيل جسم موحد ينظم نضالاتها ويوحدها. إذ يمكنها التلاقي داخل جسم موحد يجمع نضالاتها ويحدد أهدافها المشتركة، استنادا إلى تقاربها السياسي بشأن هزيمة وتفكيك الكيان الصهيوني، وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية الواحدة، ويأخذون بعين الاعتبار ضرورة التحكم بخلافاتهم في الرؤى والأفكار حول بنية النظام السياسي المستقبلي. حيث يضمن هذا الجسم الموحد حق كل مجموعة في نشر أفكارها وبرنامجها حول دولة فلسطين المنشودة، بشرط عدم تناقض ذلك مع الأهداف المؤتلف حولها، أو التي بني التحالف حولها. وهو ما سوف يتيح المجال أمام نمو نضال (حوار) حضاري فكري وثقافي وسياسي بناء، بشكل موازٍ للنضال المشترك حول القضايا الأساسية المتمثلة في تحرير الأرض وبناء الدولة الفلسطينيّة.

فالصراع من أجل فلسطين الواحدة طويل ومتعدد المراحل والخطوات، يبدأ بمرحلة أولى تتطلب العمل على تحقيق امتداد شعبي له، يستند إلى إبراز التمايز عن الأصوات الداعية لدولة الاحتلال الواحدة، ويتطلب تهيئة الجسم السياسي الفلسطيني بما يتناسب مع حل دولة فلسطين الواحدة، من حيث البنية والهيكلية السياسية، ومن حيث تمثيل جميع التجمعات الفلسطينية بوسائل ديمقراطية كاملة. وتتبعه مرحلة ثانية تعبّر عن النضال من أجل هزيمة المشروع الصهيوني الرامي إلى محو الدولة والشعب والوجود الفلسطيني عبر تفكيك جميع مؤسسات الصهيونية وهياكلها وإقامة دولة فلسطين الواحدة على كامل التراب الفلسطيني، باستخدام الوسائل الأنجع والأمثل والأقل تكلفة بشرية ولوجستية، وبما يضمن الحق الفلسطيني في الدفاع عن النفس والأرض. ثم ننتقل إلى مرحلة ثالثة تمثل النضال من أجل بنية وشكل وطبيعة النظام السياسي القادر على حل جميع التناقضات التي فرضتها سنوات الصراع والمتغيرات الحاصلة في البنية الفلسطينية وفي بنية فلسطين الجغرافية والديمغرافية، تلبي آمالنا وتطلعاتنا بالحياة العادلة والأمنة وبالرخاء والتطور الاقتصادي والاجتماعي، والتي أجدها في مشروع دولة فلسطين العلمانية الديمقراطية الواحدة، ويجدها آخرون في رؤى ومشاريع مختلفة.

لذا، ورغم التباينات حول شكل الدولة النهائي ومحدداتها القانونية، إلا أننا قادرون على صياغة أهداف جامعة توحد الجهود النضالية من أجل النجاح في إنجاز المرحلتين الأولى والثانية، وبما يفتح الباب لحوار ثقافي وسياسي حضاري وديمقراطي حول طبيعة وشكل الدولة النهائي، وهو ما يعزز القيم الديمقراطية داخل الجسم الموحد ويشرك الشعب الفلسطيني وشركاءه في النضال التحرري والتقدمي بالحوارات والنقاشات الجارية حوله، ويؤسس لبنية تنظيمية ومجتمعية ديمقراطية وتقدمية حضارية قادرة على إدارة المرحلة الثالثة من النضال وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، بشكل عملي تفرضه الممارسة النضالية اليومية المشتركة في المرحلتين الأولى والثانية. وعليه نقترح الالتقاء حول أهداف نضالية يتبناها جسم موحد لمجمل أو غالبية مجموعات دولة فلسطين الواحدة، ولو بالحد الأدنى، تعبر عن جوهر القضية الفلسطينية، والذي يمكن إيجازه بالنقاط الأربعة التي اقترحتها بعض هذه المجموعات مؤخرًا:

  1. النضال بمختلف الأشكال من أجل بناء دولة فلسطين الديموقراطية الواحدة على أنقاض المشروع والمؤسسات الصهيونية، بصفتها دولة مواطنة لجميع سكانها الحاليين واللاجئين بعد عودتهم إلى أرض فلسطين التاريخية.
  2. النضال من أجل حق العودة لجميع اللاجئين ونسلهم فهو حق لا يسقط بالتقادم، وعلى اعتباره حقا فرديا وجماعيا وغير قابل للتفويض لأي جهة كانت.
  3. النضال من أجل الحق بالتعويض عن الممتلكات المنهوبة، وعن جميع الأضرار المتأتية عن سياسات التطهير العرقي ومعاناة سنوات التشرد، وذلك بما هو حق مكملٌ لحق العودة وليس بديلًا عنه.
  4. النضال ضد القمع والقوانين التمييزية والممارسات العنصرية والإجرامية تجاه جميع التجمعات الفلسطينية، وخصوصا تجاه اللاجئين المتواجدين في دول الطوق (سورية، لبنان، العراق، مصر)، والنضال من أجل تحصيل حقوقهم المدنية حتى يوم عودتهم.

نرجو أن تلقى هذه الدعوة صداها في الوسط السياسي والثقافي الفلسطيني، ولاسيما في وسط مجموعات دولة فلسطين الواحدة، ونأمل أن تنجح في تحقيق الغايات التي صيغت من أجلها، فقد آن الأوان كي نبدأ عمليا في تصحيح أخطاء الماضي عبر التأسيس لمشروع وطني جامع وجذري يمثل غالبية الفلسطينيين ويضمن استعادة حقوقهم المستلبة، ويقدم حلا عادلا وإنسانيا لسكان فلسطين الحاليين المتحررين من الفكر الصهيوني الإجرامي والعنصري.

التعليقات