01/10/2020 - 19:00

محاولات تقزيم الهبة.. تخدم من؟

لم نتخيل أن نخوض مثل هذا النقاش حول المسميات والرموز بعد عشرين عامًا، ومع من يتربع اليوم على رأس الهرم السياسي في الداخل، ولا أن يتم اقتلاع تلك المسميات التي ترمز إلى هكذا أحداث عظيمة بهذا الشكل التعسفي.

محاولات تقزيم الهبة.. تخدم من؟

هي ليست يومًا يتيمًا يدعى "يوم" القدس والأقصى كما سماها أيمن عودة، ولا مجرد "مظاهرات" القدس والأقصى مثلما سماها مركز "مساواة"، بل هي عشرة أيام هزت إسرائيل وهبة زلزلت كيانها، وزعزت أركانها، ونزعت الطمأنينة والشعور بالأمان الداخلي الذي كان يكتنفها، وأعاد إلى أذهان قادتها الصراع على وجودها.

لا غضاضة في أن نعيد ونكرر ذلك مجددًا في وجه محاولات التشويه والتقزيم التي تتعرض لها هبة القدس والأقصى بوصفها "حدثا مفصليا"، ومحطة هامة في تاريخ جماهيرنا بعد محطة يوم الأرض العظيم.

وقد عكست في السابق التسميات المختلفة لما جرى في العشرة أيام الأولى من تشرين الأول/ أكتوبر 2000، والتي تراوحت بين "أحداث أكتوبر" و"هبة أكتوبر" و"هبة الأقصى" و"هبة القدس والأقصى"، اجتهادات متباينة وتوجهات سياسية مختلفة لفهم طبيعة هذا الحدث وكيفية التعامل معه، وخيرًا فعلت لجنة المتابعة عندما وحدت التسمية الوطنية لهذه الأحداث تحت عنوان "هبة القدس والأقصى"، وهي تسمية التزمت بها إلى اليوم أو حتى الأمس القريب، جميع القوى السياسية ومؤسسات العمل الأهلي الوطنية.

وإن اختلفنا كأحزاب وجمعيات ومؤسسات وطنية، في حينه، حول الشق الثاني من التسمية "أكتوبر" أو "الأقصى" أو "القدس والأقصى"، فقد توحدنا جميعًا بالشق الأول حول المسمى "هبة" ضد تسمية السلطة التي أسمتها "أحداث"، إذ أصبح الخط الفاصل بين تسميتنا وتسمية السلطة هو "أحداث أكتوبر" أو "هبة أكتوبر" و"هبة الأقصى" أو "هبة القدس والأقصى" وغيرها من التسميات التي تلتزم بتعريف "هبة" كحد أدنى.

ورغم أن الأحداث المذكورة وقعت خلال الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى، ولم تختلف مسبباتها المباشرة عن المسببات المباشرة للأحداث التي عمت الضفة الغربية وقطاع غزة في حينه وبالتزامن، ونقصد اقتحام أريئيل شارون الاستفزازي، زعيم المعارضة في حينه، للمسجد الأقصى المبارك وصورة استشهاد الطفل محمد الدرة؛ بالرغم من ذلك، فإن الاختلاف بالتسمية بين هبة وانتفاضة مرده ليس فقط منح خصوصية للحدث بل إعطاؤه التسمية التي تتناسب مع حجمه ومفعوله ومدته الزمنية دون مبالغة، وكلنا يعرف أن الانتفاضة هي فعل يمتد على حيز زمني أوسع، في حين أن الهبة طارئة ومؤقتة رغم سعة انتشارها الجغرافي وقوة ضرباتها التي من الممكن أن تكون مزلزلة.

القوى السياسية التي انقسمت، في حينه، بين من تحفظ على الطابع الإسلامي لتسمية "الأقصى"، فأضاف لها القدس أو استبدلها بـ"أكتوبر" جريًا على ما درجت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبين من سماها هبة الأقصى انسجاما مع تسمية انتفاضة الأقصى، التي شكلت جزءًا منها. هذه القوى لم تتخيل يومًا يأتي فيه من يدعي، ومهما بلغ، أن هذه الهبة التي زلزلت، كما أسلفنا، على مدى عشرة أيام متواصلة كيان إسرائيل، ما هي سوى "يوم القدس والأقصى" وأن شهداءها هم شهداء "يوم القدس والأقصى" كما كتب أيمن عودة.

لقد سبق ذلك ملصق "مساواة" الذي أسقط "الهبة" وحولها إلى "مظاهرات" يوم القدس والأقصى، وهي مؤسسة مجتمع مدني لها أجندتها وخطابها الحقوقي. قد نفهم أن ملصقها جاء في سياق المطالبة بإعادة فتح ملفات التحقيق ضد أفراد الشرطة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين السلميين، وضمن محاولتها إبراز هذا الجانب، ومع ذلك فإنه خطيئة لا تغتفر إلا بإصلاحها.

أما خطيئة أيمن عودة الذي يعتبر نفسه "القائد السياسي رقم 1 للجماهير العربية"، فلا يوجد ما يبررها، أولًا لأنها صدرت عن قائد سياسي يفترض به أن يحمل ويمثل الخطاب السياسي الوطني الذي يجترح مضمونه من مثل هذه الأحداث العظيمة في مسيرة جماهيرنا وشعبنا، لا من أجندات مؤسسات الدعم وجمعيات التعايش الأميركية – الإسرائيلية.

وثانيًا، لأنها اختزلت عدديًا الأيام العشرة التي سقط خلالها كل يوم شهداء وجرحى في مختلف أرجاء الوطن إلى يوم واحد سماه "يوم القدس والأقصى".

وثالثًا، وهو الأهم، أنه قزم الأحداث التي هزت، بشهادة العدو والصديق أركان الدولة العبرية وزعزت ثقة قادتها بالأمن الداخلي، وحولها من هبة شعبية عارمة إلى مجرد يوم للقدس والأقصى.

لم نتخيل أن نخوض مثل هذا النقاش حول المسميات والرموز بعد عشرين عامًا، ومع من يتربع اليوم على رأس الهرم السياسي في الداخل، ولا أن يتم اقتلاع تلك المسميات التي ترمز إلى هكذا أحداث عظيمة بهذا الشكل التعسفي.

كنا سنقبل أن يأتي، أيٌ كان، ويقول يجب أن نقوم بقراءة مغايرة للأحداث، يخرج بعدها باستنتاجات مختلفة لطبيعتها وآثارها، قد تستوجب تغيير نظرتنا إليها، وبالتالي حتى استبدال مسمياتها، أما أن يتم ذلك من خلال استغلال سطوة ونفوذ، انطلاقًا من اعتبار "أنا القائد والناس ستردد ما أقول"، فهذا لن يمر على شعبنا الذي يحفظ ببؤبؤ العين أيامه ومحطاته الخالدة التي تعمدت بدماء الشهداء والجرحى.

التعليقات