07/11/2020 - 17:13

الإعلام الأميركيّ يُنحي الرئيس!

سيكون على الرئيس في حال كان جديدا الكثير مما يصلحه داخليا وخارجيا في علاقة الولايات المتحدة مع نفسها ومع العالم، وعلى ما يبدو بدأ الإعلام الذي يملك القوّة، بالمهمّة.

الإعلام الأميركيّ يُنحي الرئيس!

(أ ب)

قال دونالد ترامب مرّة إنّه وفر على نفسه ملياريّ دولار، لأنه يدير دفة الإعلام في أميركا ويديره بدون عناء، الأمر احتاج منه فقط حسابًا على موقع تويتر. أدار الرئيس في ولايته الأولى دفة الإعلام والسياسة، لكن على ما يبدو، ليس بعد الآن.

كان على الإعلام منذ العام 2016 مجاراة رئيس أقوى دولة في العالم، إذ إنه - وكما جرت العادة – يؤثّر ثقل الكلمة التي يقولها على مصائر دول وشعوب. وعليه، جعلت كل وسيلة إعلامية لنفسها مراقبا على تويتر يرصد تغريدات الرئيس الذي كان يدعم دولة ضد أخرى على تويتر، يفرض العقوبات، وحتى أنّه وفي (13 آذار/مارس 2018) أقال وزير الخارجية، ريكس تيلرسون. كما أعلن عن تعيين مدير الاستخبارات، مايك بومبيو، خلفا له، أيضًا عبر تويتر. اليوم، وفي أسبوع الانتخابات هذا، فرزت كل مؤسسة مدقّقًا يقتصر عمله على مراجعة صحة تصريحات الرئيس!

يصف البعض التوجه الجديد للإعلام الأميركيّ بالصحوة لحمايته المجال العام من تصريحات الرئيس التي لا أساس يدعمها، حتى أنّ قادة في الحزب الجمهوري، مثل حاكم ولاية ميريلاند، لاري هوغان، طالبوا ترامب بضرورة إظهار مصادر تثبت أن هنالك تزويرًا في الانتخابات كما يدّعي.

مساء الخميس، أي بعد الانتخابات بيومين، قاطعت كبريات القنوات الإخبارية الأميركيّة خطاب رئيس الولايات المتحدة، مثل "سي إن بي سي" و"إيه بي سي" و"إم إس إن بي سي"، أمّا مذيع "إن بي سي نيوز"، ليستر هولت، فقال مذيعها على الهواء مباشرة، "يجب علينا قطع الخطاب هنا، لأنّ الرئيس أدلى بتصريحات زائفة" وهذا حدث استثنائي، منذ ذلك الحين وحتى كتابة هذه الكلمات، لم يخرج الرئيس ترامب إلى الإعلام مرّة أخرى، حتى أنّ تسريبات وصلت من البيت الأبيض تقول إن الرئيس في عزلة.

ومع تجمّد الرقم الذي حصل عليه من المجمع الانتخابي عند 213، بات ترامب يغرّد ويهاجم من خلال تويتر، المنصة الرقمية التي لعبت دورا في هذه المعركة، من خلال وسم بعض تغريداته واعتبارها مضللة للجمهور، يرافق هذا زيادة منسوب اللون الأزرق على الخارطة.

الإعلام ينحّي رئيس أقوى دولة في العالم

الآن، وفي ظلّ انتخاباتٍ هي الأكثر استقطابا بين اليمين واليسار، إذ يندفع كل منهما باتّجاه نفسه، وفي ظل الانقسام الحاصل بين الناس (البيض والأعراق الأخرى)، والذي نلمسه حتى نحن الغرباء على الأرض، أخذ الإعلام الأميركيّ دورًا جديدًا أوسع من نقل معلومة بحيادية وموضوعية فقط، وإنّما التدقيق في نقل المعلومة أكثر فأكثر وعدم بثها بطريقةٍ تزيد من استقطاب القطبين، وإنما بحرص شديد لسببين: الأوّل هو لأنّ الإعلامَ عليه أن يختار بين مصداقيته - والتي هي سبب وجودي بالنسبة له - وبين ترديد ما يقوله رئيس الولايات المتحدة كما جرت العادة، وهذا ما أدركته جيّدًا شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية، التي ناصرت ترامب طوال فترته الرئاسية. تصرّ هذه القناة اليوم، دون غيرها، على اتخاذ ولاية أريزونا سدًّا منيعًا أمام من يشكّك بمصداقية القناة، واحتساب أصواتها لبايدن حتى وإنْ لم ينتهِ العدّ فيها بعد. وبالمناسبة، كانت "فوكس نيوز" السبّاقة إلى إعلان أريزونا ولايةً للحزب الديموقراطي في هذه الانتخابات، الأهميّة في ذلك تكمن أنّ هذا من شأنه أن يوجّه دفّة الرأي العام الذي يتابع القناة، وهم من مؤيدي الرئيس ترامب، وتحديدًا من الطائفة الأنجليكانيّة، إذ كانوا يتخذون "فوكس نيوز" منبرا لهم.

أمّا السبب الثاني بالنسبة للإعلام الأميركيّ، فيكمن بأن هذا وقت المسؤولية القومية وإعادة اللُّحمة، ليس فقط من خلال مقاطعة خطابات وتصريحات ترامب، بل وقطع الطريق عليه وعلى من تأهب في الشارع الأميركيّ من كلا الطرفين لمهاجمة الآخر، والتحفّظ على نشر النتائج أو إعلان الرئيس الجديد، قبل حكّام الولايات على الرغم من أنّه، ومنذ اليوم الثالث الذي تلا الانتخابات، كان المرشح الديموقراطي، جو بايدن، يتقدم بأربع ولايات هي جورجيا، أريزونا، نيفادا، ومفتاح الحل، ولاية بنسلفينيا.

أحد الأشخاص الذين التقيت بهم وهو من أصول عربية يسكن في لوس أنجليس في ولاية كاليفورنيا، ديموقراطية الهوى تاريخيا، قال لي إنّ الإعلام في الفترة التي سبقت الانتخابات لعب دورًا في تفرقة الناس، إذ إنّ أطفاله الذين كبروا في حارة غالبيتها من الجمهوريين، وكانوا يلعبون مع أطفال الجيران ويتبادلون الزيارات، يواجهون في الأشهر الأخيرة مقاطعة شديدة منهم، لدرجة أنّ الموضوع وصل حد حمل السلاح من كلا الطرفين.

سيكون على الرئيس في حال كان جديدا الكثير مما يصلحه داخليا وخارجيا في علاقة الولايات المتحدة مع نفسها ومع العالم، وعلى ما يبدو بدأ الإعلام الذي يملك القوّة، بالمهمة.

التعليقات