27/11/2020 - 20:46

مخيم اليرموك ويوم التضامن مع فلسطين

هل تستطيع حركة تحرّر الدفاع عن قضية عادلة دون الدفاع عن أصحابها من القتل والتحطيم والتهجير والتعفيش والسطو؟ لينجح امتحان التضامن مع الطغاة والمحتلين وتُهزم حركة التضامن مع الإنسان وينتصر التضامن مع الجلاد في "فرع فلسطين".

مخيم اليرموك ويوم التضامن مع فلسطين

مخيّم اليرموك (أ ب)

في زمن مضى من أزمنة المخيم، كانت القاعات والصالونات السياسية تزدحم بكثرة الفعاليات المتعددة بإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من تشرين ثانٍ/نوفمبر كل عام، احتفاءً بشهداء فلسطين التي كانت جُدران المخيم تُزين صورهم وتحمل أسماءهم مع المدن والقرى لفلسطينية المُهجرة، فيما تحتضن مقبرتا الشهداء رُفات آلاف الشهداء المتبعثرة عظامهم من براميل طائرات الأسد.

المخيم المعتقل في فرعه

في اليرموك تتذكّر مناسبات "الانطلاقة الثورية" وأحداث فلسطين المزدحمة كانت تُلهب مشاعر اليرامكة. نال المخيّم ألقابًا كثيرة: عاصمة الشتات، وخزّان الثورة، وذاكرة اللاجئين عن كل رابية وكوشان أرض، وتلّة وخربة، وعنوان لحقّ العودة، وأرشيف اللاجئين. جُمعت الأسماء والوثائق في ذاكرة أهله ومنها تناسل توريث الحق من جيل لجيل، وحمل وحفظ كل قامة نضالية وثقافية بين شوارعه وزواريبه ومكتباته، والحديث عن مخيم اليرموك، تكثيف لحديث عن معاناة كل المخيمات الفلسطينية في سورية، وعن فلسطين المختزلة في فرعها السوري، والمقيمة بمفرزة أمنية على مدخله وصولًا إلى سراديب الفرع وزنازينه التي أضحت مسالخ بشرية.

يُحيي مناصرو قضية فلسطين حول العالم يومَ التضامن معها في غياب أهم ملمح من ملامح التضامن الذي يستحضره في إسقاط نزلاء "فرع فلسطين" من التضامن والتعاطف، وتحديدًا اللاجئون من مخيم اليرموك. حت الآن هناك 110 من نساء فلسطين مجهولات المصير في معتقلات الأسد، وهناك العشرات من نساء المخيم لم تحصر معاناتهم خوفًا من بطش النظام بأهاليهنّ، وهناك أعداد غير نهائية عن خمسة آلاف معتقل من فلسطينيّي سورية في المعتقلات، لا الحالة السياسية للمنظمة والسلطة والفصائل لديها شجاعة السؤال عنهم وعن مصيرهم، أسوة بأشقائهم في معتقلات العدو الإسرائيلي.

التضامن مع حارس "فرع فلسطين"

بعد عشرة أعوام على مذابح السوريين ومذبحة اليرموك المسكوت عنها، لصالح عملية نفاق وتدليس، تناوَبَ ممثلو النضال الفلسطيني وحركة التحرر على تبرئة نظام الأسد من جريمته بحق شعبهم، الذي أخذ نصيبه من نعوت مختلفة التوصيف من الفصائل وأعضاء المنظمة والسلطة وهم في ضيافة بلاط الأسد، لسماع روايته "المُحقة" في إنكار سلخ أجساد المئات من أبناء فلسطين أرقام وتعداد الضحايا محفوظة في زنازين لا يجرؤ الاقتراب منها فصيحو ثقافة الطبطبة والعض على الشفاه ومنظر السياسة مع نخب فلسطينية تُحب تظليل "فرع فلسطين" بشعارات تتبادلها مع قتلة أبناء اليرموك.

رحلة تدمير المخيم وهجرة بعض أبنائه وتهجير من تبقّى يتم الحديث عنها اليوم باستفاضة من قبل ممثلي حركة تحرر وطني تستمع لتقارير أمنية من نظام الأسد، عن قرب عودة سكان المخيم إلى بعض ما تبقى من حطامه الذي يتعرض حتى هذه اللحظات، لعملية إكمال السطو على ما تبقى من حديد وخشب المنازل التي تحملها شاحنة الفرع المسؤول عن المخيم وعن فلسطين، المنتظرين خارج المخيم من أصحاب البيوت الباقي نصفها مع الأسقف المترنحة، لا يسمح بدخولهم إلّا بموافقة "فرع فلسطين" المحتضن أجساد بضعة آلاف من أبناء المخيم مجهولة المصير، وفي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، يجد أبناء القدس ويافا وحيفا وغزة ونابلس والخليل، وكل مدن فلسطين من يتضامن معها برفض السياسة الاستعمارية والاستيطانية ويرفع الصوت عاليًا لإيصال رسالته، بينما لا يجد فلسطينيو سورية ومخيم اليرموك من يتضامن معهم في "فرع فلسطين" السوري. على العكس، وجد الفلسطينيون في اليرموك وبقية المخيمات أنّ التضامن القوي الذي خرج من بيانات فلسطينية رسمية، ومن نخب سياسية ثقافية وحزبية تتضامن مع جلادهم وتُنكر وجودهم أصلًا. وللأسف، هذا التيار له جذور في فلسطين التاريخية. تعرّض اليرموك لأكبر حالة خذلان وطعنات قاتلة عبّدت الطريق مع سياسات أخرى عربية وفلسطينية لصفقات التطبيع والتخلي عن القضية الفلسطينية.

شفاه متبرمة من المعرفة

فكلّما واجهت بعض النخب الفلسطينية، سواءً في المنظمة أو في الفصائل والسلطة، سؤالًا حول "فرع فلسطين" أو عن جيش التعفيش الوطني في مجالسها المغلقة يتم "العضّ" على الشفاه والتبرّم من هذه الأسئلة ومن مطلقيها ونعتهم بألقاب وأوصاف لن تتوقف عند "الأفغان" أو المرتبطين بمؤامرات الإمبريالية بل لهم قائمة طويلة من أوصاف حفظتها الأدبيات الثورية عن ظهر قلب دون استخدامها على أرض الواقع الذي صُدم به اللاجئون في مخيم اليرموك بمآلات وضعهم الكارثي، والبعض الثوري بمقدوره فتح نقاش عن قضيته وتعداد مصطلحات وأدبيات متصلة بالنضال التحرري ولديه إحاطة بالثورات الفرنسية والكوبية والفيتنامية والجزائرية.. إلخ، وعند وصوله لسماع اسم "فرع فلسطين" أو مسؤولية نظام الأسد عن كارثة شعبه في سورية، ينزع كل المعرفة وتتلبسه حالة مغايرة تمامًا للمعرفة التي تسقط لصالح بطولة الأسد ومعرفته التي فاقت ما يعتز به المثقف والنخبوي والسياسي، ويصبح الإنكار الدرع الواقي للعقل وللمعرفة المستبدلة بتبرم الشفاه.

التضامن المرجو مع الشعب الفلسطيني وقضيته، والتذكير بالقرارات الدولية وحفظ أرقامها وبنودها دون حفظ أسماء معتقلي "فرع فلسطين" وأسماء الآلاف التي سقطت على أيدي نظام الأسد، ودون المطالبة بمحاكمته عن سلخ أجساد أبناء فلسطين والمطالبة بجثثهم لتكريم دفنهم، بدون ذلك لا يعود ألق ووهج التضامن لسابق عهده الذي خبا على أيدي عصابات الأسد وحلف الممانعة، وصمت وتواطؤ المنظمة والسلطة والفصائل، التي تشكو تقصير الاهتمام بالقضية وتراجع مكانتها دون الأخذ بأهم الأسباب التي قدمت للعدو والمؤسسة الصهيونية جرأة التحطيم الشامل والتعفيش الكامل لكل ذكريات وتاريخ اللاجئين في اليرموك.

كيف ينتصر التضامن المحلي والدولي؟

أما استحضار بضاعة "فرع فلسطين" وشعاراته للتغطية على الجرائم، ومدّ جسور التطبيع مع الأسد ومع المؤسسة الأمنية الصهيونية ومع حلفائها في المقلب العربي، والصمت والتجابن عن إذلال الفلسطينيين وإذلال أشقائهم وعمقهم في شوارع ومدن عربية، وفي سجون ابن الأسد وابن زايد وابن سلمان والسيسي واستخدام عبارات فارغة عن "خصوصية العلاقة" التي أفضت إلى تواطؤ زاد من جرأة المحتل والطاغية العربي على الإنسان الفلسطيني وعلى قضيته، وأضعف كل تعاطف ينادي لمقاطعة الطاغية والمحتل

لا نصر لحركة تحرر وطني تحفظ نخبها وثوارها أدبيات الثورات الكونية، وتسقط من برامجها وأدبياتها جرائم ضد شعبها والتي فاقت في بعض محاورها جرائم المحتل وكانت ساترًا كما التجابن المؤدي لتراكم الحطام والجثث في اليرموك، و"فرع فلسطين" الذي تتضامن معه سلطة وفصائل ونخب كانت أفضل لوبي لحماية جلاد "فرع فلسطين"، ليبقى سؤال اللاجئين من مخيم اليرموك الذي تمكن بعضهم في رحلة لجوئه من زيارة مسقط رأسه في فلسطين، ولم يتمكن أهله من الحصول على موافقة "فرع فلسطين"، لتفقد حطام بيته في المخيم: هل تستطيع حركة تحرّر الدفاع عن قضية عادلة دون الدفاع عن أصحابها من القتل والتحطيم والتهجير والتعفيش والسطو؟ لينجح امتحان التضامن مع الطغاة والمحتلين وتُهزم حركة التضامن مع الإنسان وينتصر التضامن مع الجلاد في "فرع فلسطين".

التعليقات