11/02/2021 - 12:07

بشأن إغراق مجتمع فلسطينيي الـ48 بالجريمة والعنف

من يتابع الضجة المجتمعية، في فلسطين 48، بما يخص تصاعد وتيرة جرائم القتل، يدرك بشكل مباشر المعركة التي يخوضها المجتمع الفلسطيني منذ عقود طويلة مع مستعمر أرضهِ وثقافتهِ وتاريخهِ

بشأن إغراق مجتمع فلسطينيي الـ48 بالجريمة والعنف

لا شيء يستدعي عملية إنقاذ سريعة، كما هي الحاجة الملحّة لمواجهة تفشّي جرائم القتل المنفلتة في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر في فلسطين 48. فبالكاد يمر أسبوع دون وقوع ضحية أو اثنتين في القرى والبلدات العربية، وهي ظاهرة خطيرة ومرعبة تُهدّد مجتمع أصحاب البلاد لما حصدته من أرواح مئات الشباب والشابات ولأثرها السيّئ والمفجع عليهم. جرائم مختلفة تقضّ مَضجع المجتمع الفلسطيني في الداخل، منها ما هو متّصل بالجريمة المنظمة والمشبوهة، وبعضها ما عرف بجرائم بـ"الشرف"، كانت ضحيتها عشرات النساء.

وسيلة لإبعاد الفلسطيني عن قضيته

التأثير الكبير للجريمة على مجتمع فلسطين عام 48، الذي هو بالأساس ضحية جريمةٍ كبرى للنكبة والسطو والتهويد والأسرلة، يدفع للتأكيد على أنّ السخط الشعبي العارم ضد عمليات القتل وانفلات الجرائم، لمواجهة سلب أصحاب الأرض من الجوهر الإنساني الحضاري الذي مثّله تعاقب الأجيال فوق أرضها بصمودهم، ومحاولات سبغهِ بنمطية الدعاية الصهيونية عن المجتمع المتخلّف العاجز والمُشَتَّت والعنيف ضد نفسه وضد المرأة، هو ما دعا لرفع الأصوات بعد كل جريمة، وتوجيه الاتهام للمؤسسة الصهيونية التي تمارس تغذية الجرائم بطرق مباشرة وغير مباشرة بشكل منظّم، في إطار ضرب البنية الاجتماعية لفلسطيني الـ48، وكما تشير التقارير إلى أنّ معظم السلاح المستخدم في ارتكاب الجرائم مصدره الجيش والمخابرات الصهيونية والعصابات المرتبطة بهم.

فلسفة التعاطي الصهيوني مع الجرائم داخل مجتمع تقوم بالسيطرة الأمنية عليه، تمثل انعكاسا لمفاهيم غارقة في دوامة التعريفات السطحية لقيمة الإنسان الفلسطيني والعربي، فالمؤسسة الإسرائيلية لا تتعامل مع الأوضاع السياسية التي تهمّ المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، كمطالب المواطنة ومكافحة عنصرية المؤسسة الصهيونية ومحاولات تذويب الهوية وأسرلتها، ولا تجيب عن أسئلتهم المتكرّرة على واقع التهميش المستمر للقرى والبلدات العربية في الجليل والمثلث والنقب، ولا الرد على أسئلة وإجراءات التغاضي عن الجرائم إذا كانت تستهدف سكان البلاد الأصليين، لأنها بذلك تعمل على تغذية انكفاء المجتمع على ذاته، بآفات وجرائم أمام سلطة تمارس كل أشكال القمع والتهميش بالتغطية على الجرائم، وحماية العصابات التي تتبع مخابرات الاحتلال.

تقديم مجتمع "أجوف" فارغ من أي معانٍ متصلةٍ بمقاومته لكل أشكال طمس هويته وانتمائه هو هدف الجرائم، أمّا "سيادة القانون" التي يتذرع بها المشرع الإسرائيلي حول الجرائم لا علاقة لها "بمبدئية وشفافية" إن كانت الضحية عربية، بقدر ما هي تحقيق لتوازن طرح النفاق الممارس من المؤسسة الصهيونية، إذا تعلق الأمر ببعض المطالب الحياتية واستمالة بعض الأصوات الانتخابية التي تتردّد باحترام التزاماتها الاجتماعية لصالح الأنانية الحزبية، لتبقى القضايا السياسية والحقوق الوطنية معرضة للتهميش.

ضجّة مجتمعية أم سياسية؟

من يتابع الضجة المجتمعية، في فلسطين 48، بما يخص تصاعد وتيرة جرائم القتل، يدرك بشكل مباشر المعركة التي يخوضها المجتمع الفلسطيني منذ عقود طويلة مع مستعمر أرضهِ وثقافتهِ وتاريخهِ، وتبلور فيها خطاب الهوية والحقوق بما يتعدى انتقاد المشروع الصهيوني، كانت عملية بتر المجتمع الفلسطيني مع جذوره ومحيطه هي الشغل الشاغل له. فالشعور بالإحباط والمرارة من تراخي المؤسسة الصهيونية تجاه الجرائم، لا يردعها ولا يخفّف منها، والهروب نحو تعميمات شكلية ونظرية، تزيد الأعباء على مجتمع أصحاب البلاد. فقضية الجريمة والعنف هي سياسية واجتماعية في آن واحد، والتعاطي معها تم وفق منطق استعماري مارسته الصهيونية ضد وجود الفلسطينيين فوق أرضهم، وعملية التهميش للمدن العربية وأحيائها وبلدياتها، وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وملاحقة الناشطين والأحزاب، هي جرائم سعت لتغطيتها بأخرى. تجويف المواجهة لهذه السياسة بحاجة لأدوات إشغال المجتمع من الداخل وإضعافه. الجريمة والمخدرات والأسرلة أسلحة تُستخدم لهذا الغرض لإغراق المجتمع بفجائع مركبة، يصبح فيها التقوقع والانكفاء هدف ينتظر تحقيقه الصهيوني.

مطلوب جبهة تربوية وثقافية وسياسية

التعاطي الاسرائيلي مع كل الملفات التي تخص عرب الـ48، وتعاطي البعض معها باستعارة اللسان الصهيوني لتشخيص الواقع وانعدام المسؤولية، بغيابٍ مقصودٍ عن الواقع المعاش للسكان الأصليين، خلق أزماتٍ عدًةً نبهَ الفلسطينيون منها داخل الخط الأخضر، ورفعوا أصواتهم وغضبهم بشأنها، لكن تبقى عملية صون وحماية المجتمع الفلسطيني فوق أرضه مسؤولية لا تخص المؤسسة الصهيونية، بقدر ما تخصهم وحدهم وهويتهم المستهدفة بجرائم مختلفة، وهم بحاجة لفتح جبهة أخلاقية وقانونية وسياسية مع المستعمر، وبحاجة لنقاش مجتمعي داخلي يعري هذه الظواهر ويحاصرها، وقادرة على صون المجتمع الفلسطيني، والتصدي لسياسات تشويهه بنمطية الخضوع والعجز والدونية، بالتعاطي مع مسألة حقوق المرأة والعلاقات المجتمعية التي ُيحدث منها المستعمر ثغرات تغلل جرائمه والجرائم التي تخدمه، لسلب المنكوبين تأصيلهم المدني والحضاري والإنساني لتأكيد حقهم فوق أرضهم.

التعليقات