04/05/2021 - 21:44

دعونا نعيش "زهقنا من السِّياسة"

تظاهرَ نشطاء من العنصريين مساء الأحد الماضي، في بلدة "كفار تافور" في مرج ابن عامر، احتجاجًا على شراء مواطنين من العرب شققًا سكنية وأراضي زراعية في تلك البلدة اليهودية.

دعونا نعيش

جانب من مظاهرة بأم الفحم (أرشيفية - تصوير: أمجد محاميد)

تظاهرَ نشطاء من العنصريين مساء الأحد الماضي، في بلدة "كفار تافور" في مرج ابن عامر، احتجاجًا على شراء مواطنين من العرب شققًا سكنية وأراضي زراعية في تلك البلدة اليهودية.

واعتبر هؤلاء العنصريون أن بيع قطعة أرض أو شقة لمواطنين من العرب، هي خيانة للمشروع الصهيوني، ويجب وقفه فورًا.

على هذا النحو من العنصرية سار من قبلهم رئيس بلدية العفولة، الذي رفع شعار ولواء إنقاذ المدينة من العرب الذين يزورون حديقتها العامة، وقاد حملة التحريض ورفض بيع شقق للعرب في المدينة، والتي وصلت إلى قاعات المحاكم.

على هذا النحو العنصري تتصرف بلدية تل أبيب- يافا والجهات الرسمية في الأحياء العربية في يافا، وتتيح لفرق من المستوطنين التحرش بالناس، في عملية تهويد للأحياء العربية.

وعلى هذا النهج ترفض بلدية "نوف هجليل" أن تقيم مدرسة خاصة لآلاف الطلاب العرب في المدينة، فيضطرون للدراسة في الناصرة والقرى المجاورة، وهي عنصرية مضاعفة، لأنها ليست فصلا عنصريا فقط، بل هي إبعاد قسري عنصري لطلاب المدارس.

وعلى هذا النهج الاقتلاعي يمارسون ما يمارسونه في حي الشيخ جراح خصوصا وفي القدس بشكل عام.

وهكذا فكر العنصريون عندما أطلقوا النار قبل يومين على سيدة في الستين من عمرها على حاجز حوسان، بزعم أنها كانت تنوي تنفيذ عملية طعن، طبعًا كان بإمكانهم السيطرة عليها بدون رصاص موجه إلى الصدر، ولكنه النهج العنصري ذاته.

بالأمس رافقت صديقًا في زيارة إلى أرضه، وهي مؤلفة من حوالي أربعة دونمات تقع في وسط أراض تابعة لكيبوتس "يسعور"، كان قد رزعها بأشجار الزيتون ،ولكن الأشجار يبست بسبب انغمارها بمياه الأمطار لمدة طويلة.

الأرض مملوءة بالأعشاب والأشواك، قلت له احرثها وازرعها أي شيء، مثل ما يفعل سكان الكيبوتس، فقال، هذا لا يمكن أن ينجح بدون مياه ريّ! علمًا أن أنبوب مياه الرّي يمرُّ بمحاذاة أرضه وعلى مسافة أربعة أمتار فقط، ولكنه محروم من الحصول على سهم من مياه الرّي.

صديقي هذا لم يُحرَم لأنه كندي أو أسترالي، وليس لأن الأمر غير قابل للتنفيذ، وليس لأنه غير ناشط أو ناشط في السياسة، وفي الواقع أنه في ظروف بلاد عادية لا عنصرية فيها، يرحِّبون بمن يدفع ثمن سهم مياه ويشارك ليستفيد من أرضه ويفيد غيره،

لكنه حُرم من مياه الرَّي لأنه عربي فلسطيني، لأن منحه المياه يعني أنه سوف يستفيد من أرضه، وبالتالي سوف يرتبط بها، وهذا ليس مطلوبًا، فالمطلوب هو أن لا يستفيد منها، كي يشعر بأنها لا تساوي شيئًا، فيصبح من السهل عليه التنازل عنها وبيعها، فإذا لم يكن هو، فأولاده من بعده.

ومثل هذا الأنبوب من المياه، تمرُّ أنابيب وخطوط شبكات الكهرباء من فوق وتحت الكثير جدًا من الأحياء والبيوت المحرومة منها من الشمال حتى النقب. طبعًا لأنها بيوت وأحياء عربية، وليس لأي سبب تقني آخر.

ورغم كل هذا، نسمع مقولات من طراز كفى، نريد أن نعيش ودعونا من السياسة، السياسة كلها كذب ونصب واحتيال ومصالح شخصية، والسياسة خربت بيتنا.

طبعًا يوهم هؤلاء أنفسهم بأن مجرد كلام العرب عن العنصرية هو السَّبب في التمييز العنصري، ولو أننا لم نتحدث مثلا، لحصلنا على مياه الري والكهرباء وقسائم البناء والمسطّحات، وكانوا قد رحّبوا بنا في كل بلدة ومدينة يهودية كي نسكن ونعيش بسلام.

الواقع هو أن الابتعاد عن السياسة يعني الاستسلام لواقع العنصرية الذي يمارس وفق إستراتيجيات بعيدة المدى يعرفها الجميع، وليس نزوة عابرة من هذا العنصري أوذاك.

عدم تدخلنا في السياسة، يعني منح الآخرين الحق في تقرير مصيرنا دون أي اعتبار لموقفنا أو رأينا، ويعني الخنوع للفاشية ومنحها يدًا طليقة في التعامل معنا.

اللص الذي يدخل بيتا ليسرقه، يريد من صاحب المنزل أن يبقى نائمًا، كي لا يفسد عليه خططه التي أعدها لسرقة البيت.

عدم التدخّل في السياسة يعني ترك اللص بدون أي مضايقة، ويعني التخلي عن المسؤولية تجاه نفسك وبيتك وأبنائك وأحفادك.

السياسة ليست نزوة، وليست للتسلية، ولا للفهلوة، بل هي مسؤولية كبيرة، وتحتاج بالفعل إلى رجال على قدر كبير من المسؤولية والجَلَد والصدق مع الذات ومع الآخرين، وتحتاج إلى توعية مستمرة وخصوصًا للأجيال الشابة لتهيئتها وإعدادها لمواجهة هذه السياسيات الإجرامية، وليس التهرّب منها بحجة الابتعاد عن السياسة.

اقرأ/ي أيضًا | صورة الشاب المقدسيّ

التعليقات