18/06/2021 - 18:25

حكومة المستوطنين: متروبولين القدس وضم مناطق "ج"

أمّا الاتفاقيات الائتلافية بين يائير لابيد رئيس كتلة "يش عتيد" (حزب هناك مستقبل)، مع أحزاب "تكفاه حدشاه" (أمل جديد) برئاسة غدعون ساعر، و"يمينا" (إلى اليمين) برئاسة نفتالي بينيت، و"يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيغدور ليبرمان، فقد تضمّنت نصا يطالب بتعزيز

حكومة المستوطنين: متروبولين القدس وضم مناطق

من مناطق "ج" (أ ب أ)

نالت حكومة بينيت - لابيد الجديدة ثقة الكنيست يوم الأحد، السادس من حزيران/يونيو 2021، بأغلبية 60 صوتا، ضد 59 عارضوها، وامتنع النائب سعيد الخرومي من القائمة العربية الموحدة التي يرأسها النائب منصور عباس عن التصويت لصالح هذه الحكومة، نظرًا لاستمرار سياسة هدم البيوت ورفض الاعتراف بالقرى الفلسطينية في النقب حيث يقيم. لو صوّت الخرومي ضد الحكومة لما كانت ستنال الثقة.

يشير ما تقدم إلى التوازن الهش الذي تستند إليه هذه الحكومة. لا يعني ذلك أنها لن تصمد، حيث إن ذلك رهن بمتغيرات داخلية وخارجية عديدة، ومنها مدى قدرة الأطراف المشكلة لها على عقد توافقات وصفقات في القضايا التي ستواجهها، ومدى الدعم الأميركي لها وغير ذلك من العوامل. كما أن الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو لا يتمتع بأغلبيّة تمكّنه من تشكيل حكومة في حالة سقوط هذه، وسيكون البديل في تلك الحالة هو التوجه إلى انتخابات خامسة.

حظيت الحكومة منذ تنصيبها بدعم أميركي فوري، حيث اتصل الرئيس الأميركي، جو بايدن، برئيس وزرائها نفتالي بينيت، ليهنّئه بعد ساعتين فقط من نيل الحكومة ثقة الكنيست. هذا الاتصال ليس فقط نكاية بنتنياهو الذي ناكف الإدارات الأميركية الديمقراطية منذ عهد بيل كلينتون في تسعينيّات القرن الماضي، ولكنه تعبير عن توجه مشترك عبر عنه أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي في تصريحات عدّة، ويقضي بأن الوقت غير ملائم لعقد اتفاق سلام فلسطيني - إسرائيلي شامل، ما يتطلّب - والحالة هذه - التوجه إلى ترتيبات عملية مع الفلسطينيين على شاكلة تحقيق تهدئة شاملة مع قطاع غزة تتضمن تقييدات على وصول الأموال ومواد البناء لحركة "حماس"، تضاف إليها ترتيبات عملية للتهدئة في الضفة والسعي لتوقيع اتفاقيات اقتصادية، ولتوسيع التعاون الأمني مع السلطة الوطنية الفلسطينية. نظرًا لهذا التوجه لم توجه الحكومتان الأردنية والمصرية التهاني لرئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت في إسرائيل، فيما قامت بذلك حكومتا الإمارات والبحرين وملك المغرب، رغم معرفتهم بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد هو مستوطن ورئيس سابق "لمجلس المستوطنات الإسرائيلية في يهودا والسامرة وغوش قطيف "، المسمى اختصارًا بمجلس "يشع".

وتفيد دراسة للباحث برهوم جرايسي صدرت عن مركز "مدار" (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية) يوم 15 حزيران/يونيو الجاري أن 30 من أعضاء الكنيست الأخيرة هم مستوطنون، أي ربع عدد أعضاء الكنيست الـ120. كما قدّم تقرير صدر عن نفس المركز في 16 حزيران/يونيو/ ترجمة للخطوط الأساسية لحكومة بينيت - لابيد، وسيرًا ذاتية لأعضاء هذه الحكومة. ويلفت الانتباه بشكل فوري موضوع القدس في الخطوط الأساسية للحكومة، وموضوع مناطق "ج" من الضفة الغربية، التي تمثل ثلثي مساحتها في الاتفاقيات الائتلافية التي وقعها يائير لابيد مع أحزاب "يمينا" و"يسرائيل بيتينو"، و"تكفا حداشا".

أمّا في ما يتعلق بالقدس، فقد ورد في الخطوط الأساسية للحكومة بند 5 ما يلي:

"ستعمل الحكومة من أجل نمو القدس، عاصمة إسرائيل وازدهارها، مع الاستمرار في البناء فيها بحجم كبير ذي أهمية، وتحويلها إلى متروبولين، وعاصمة ديناميكية عصرية. وكجزء من هذا ومن أجل ترسيخ مكانة المدينة كمركز حكومي سيتم في غضون فترة وجيزة بعد بدء عمل الحكومة، تنفيذ قرار الحكومة بنقل جميع وزاراتها ومؤسساتها الوطنية القطرية إلى القدس".

ويتحدّث هذا البند عن إنشاء متروبولين القدس (حاضرة القدس الكبرى)، وهو مشروع أوسع من مشروع القدس الكبرى، أقرّت الحكومة الإسرائيلية البدء بتنفيذه منذ عام 1993، وحيث يتضمن مشروع القدس الكبرى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى المحيطة بالقدس إليها، فإن مشروع المتروبولين يتجاوز ذلك، إذ أنه يصل بالقدس إلى مشارف مدينة الخليل من الجنوب، وإلى البحر الميت من الشرق، ويطوّق مدينة رام الله من الشمال بكتل استيطانية من جميع الجهات، ويشمل المشروع إقامة مطار ضخم ومصانع هايتك، ومناطق سياحية وفنادق ضخمة في نطاق المستوطنات المقامة في منطقة المتروبولين.

كان حزب العمل هو الذي يقود الحكومة الإسرائيلية عندما تم إقرار مشروع متروبولين القدس عام 1993. إذن، لا غرابة أن يوافق حزب العمل عليه ضمن شراكته في الحكومة الحالية، كما لا غرابة بسماح وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، بتسيير مسيرة الأعلام في القدس "عاصمتنا الموحدة والأبدية"، كما سمّاها يوم 15 حزيران/يونيو الجاري، وهي المسيرة التي وازى عدد رجال الشرطة الذين شاركوا في حمايتها عدد المشاركين فيها الألفين، الذين كان جلهم من أطفال المدارس وفد قسم منهم إلى باب العامود من أجل الهتاف بشعارات "الموت للعرب"، فيما سلك آخرون مسارا آخر. وفي نفس يوم هذه المسيرة قامت إسرائيل بتحويل خط الطيران من مطار بن غوريون، كما وضعت "القبة الحديدية" على أهبة الاستعداد لأي طارئ. في ظل هذه الترتيبات التي أعادت احتلال القدس مرة أخرى بعد مرور 64 عاما على احتلال جزئها الشرقي كيف تدعي إسرائيل أن القدس عاصمتها الموحدة الأبدية فيما لا تمتلك السيطرة عليها؟ وإذ لا غرابة في موقف حزب العمل حول التوسع نحو إنشاء متروبولين القدس، فإن السؤال موجه لحركة "ميرتس" لتوضيح موقفها من هذا البند، ونفس السؤال موجه لمنصور عباس والقائمة الموحدة التي يرأسها كونهم جزءا من الائتلاف الحكومي.

أمّا الاتفاقيات الائتلافية بين يائير لابيد رئيس كتلة "يش عتيد" (حزب هناك مستقبل)، مع أحزاب "تكفاه حدشاه" (أمل جديد) برئاسة غدعون ساعر، و"يمينا" (إلى اليمين) برئاسة نفتالي بينيت، و"يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيغدور ليبرمان، فقد تضمّنت نصا يطالب بتعزيز المراقبة وتشديد القيود على البناء الفلسطيني غير الشرعي في مناطق "ج". وهذا يعني أن غالبية أطراف الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعتبر هذه المناطق منطقة إسرائيلية سيتم تشريع ضمها إلى إسرائيل عندما تحين الظروف لذلك، كما ورد في برامج تلك الأحزاب. دعما لها سيقوم المستوطنون يوم 21 حزيران/يونيو الجاري بمسيرات في كل أنحاء الضفة لإعلان الاحتجاج على البناء الفلسطيني "غير القانوني" في مناطق "ج"، كما يسمونه.

معنى ما تقدم أن الحكومة الإسرائيليّة الجديدة ستركّز على توسيع القدس إلى متروبولين، وتسريع إجراءات ضم مناطق "ج" إلى إسرائيل، وما تبقّى بعد ذلك هي مواضيع يمكن التفاوض بشأنها مع الجانب الفلسطيني وهي مواضيع لا تتعدّى التوافق على ترتيبات أمنية واقتصادية مع كل من الضفة وغزة. وقد أعلنت دولة فلسطين، على لسان الوزير حسين الشيخ، رفضها التعامل مع هذه المنهجية التي تتجاوز الحل السياسي القائم على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967. مع ذلك، يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة ضغوطا أميركيّة جمّة، وربّما أوروبية ومن بعض الدول العربية على دولة فلسطين للقبول بشكل ما من أشكال التفاوض والحوار مع إسرائيل.

بقت الإشارة إلى قضية التطبيع مع الدول العربية في توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حيث يلاحظ بهذا الاتجاه أمران: الأوّل هو إعلان الإدارة الاميركية الديمقراطية عن توجه لدعم وتعزيز التطبيع العربي مع إسرائيل، وذلك قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة؛ والثاني: هو قيام الحكومة الجديدة بالتأكيد على أهمية التطبيع مع العالم العربي، وفي هذا الإطار، قامت الحكومة بتعيين السيد عيساوي فريج من حركة "ميرتس"، وزيرًا للتعاون الإقليمي، وهنا يثار السؤال عما إذا كان السيد فريج سيبني توجهات وزارته نحو العالم العربي وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام"، أو مبدأ "السلام مقابل السلام"؛ وبالتالي سيكون تعاونه الأساسي مع مصر والأردن لتطبيق المبدأ الأول، أم أنه سيجعل وزارته جسرا لتعميق التطبيع مع دول الخليج وجذب دول عربية إضافية للتطبيع مع إسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية؟ يتطلّب الأمر مساءلة السيد فريج العربي - الفلسطيني حول ذلك كونه ينظر إليه إسرائيليا بوصفه الجسر الذي يمرون من خلاله نحو مزيد من الدول العربية وتعميق ما هو قائم من تطبيع مع بعض دول الخليج والمغرب والسودان.

التعليقات