04/11/2021 - 15:58

التوصية.. نهج قديم بثوب جديد؟

ولمن يبحث عن المقارنة المحسوسة بين التوصية على غانتس ولبيد - بينيت وبين التوصية على بيرس- رابين، عليه رؤية الفرق بين دعم توفيق زياد ودراوشة لحكومة رابين وبين دعم منصور عباس لحكومة بينيت.

التوصية.. نهج قديم بثوب جديد؟

(أ ب)

صرّح أيمن عودة أنّه لم يخترع نهج "المطالب والإنجازات" الذي ترجم بالتوصية على غانتس ثم على لبيد – بينيت، بل "الجبهة" التي ينتمي إليها أوصت على بيرس عام 1981 وعام 1984 وعام 1988، ودعمت حكومة رابين عام 1992، إلى آخر القصة التي انتهت بمكافأة براك لنا بشن حرب شعواء على الشعب الفلسطيني بدأت بقتل 13 من أبنائنا في الداخل والعشرات في الضفة وغزة، وانتهت بإعادة احتلال المدن الفلسطينية وتسميم الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، وترسيخ مقولة عدم وجود شريك فلسطيني لعملية السلام.

هذا التصريح بحاجة إلى التوقف عنده واستجلاء الحقائق التاريخية، حتّى لا يتم التجني على أناس أصبح الكثير منهم غير قادرين في الدفاع عن أنفسهم وعن نهجٍ، وإن كنا قد اختلفنا معه، فقد خبرنا مبدأيته التي تمثلت في عدم التفريط بالقضية الوطنية لصالح قضايا مدنية يومية، واحترمنا كفاحيته المتمثلة بانتزاع الحقوق وليس باستجدائها.

لقد عارضنا، نحن الرافضين لنهج التسوية، هذا النهج الذي قاده تيّار في حركة "فتح" كان متنفّذا في قيادة "منظمة التحرير الفلسطينية"، وروّج وصفّق له "الحزب الشيوعي" و"الجبهة"، اللذان كانا عرّابيّ هذا النهج في الداخل وعلى الساحة الإسرائيلية، كونه يتوافق مع رؤيته التاريخية للحل السياسي في فلسطين، والتي تقوم على مبدأ التقسيم الذي ترجم لاحقا إلى شعار "دولتين لشعبين".

ومنذ إقامة "الجبهة الديمقراطية" عام 1977، نقشت على رايتها وذيّلت اسمها بالسلام والمساواة. وللحقيقة فهي تعاملت مع الشعارين اللذين يمثّلان البعد الوطني والمدني كوحدة لا تنفصم عراها، واعتبرت تحقيق السلام، بما يعني الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الـ67 شرطا أساسيًا لتحقيق المساواة، ورفضت أن تقايضه بتحقيق المساواة المدنية لنا داخل إسرائيل. وهي - بهذا المعنى - ظلّت ملتزمة برؤيتها وبرنامجها السياسي بمركبيه المدني والوطني دون تغليب أحدهما على الآخر.

وبغض النظر عن البعد التاريخي والأيديولوجي في الموضوع، فـ"الحزب الشيوعي" و"الجبهة" وجدا مع حزب "مباي" و"العمل" لاحقًا مساحة التقاء أكثر من "الليكود"، الذي ينتمي تاريخيا إلى "الجناح التنقيحي" في الحركة الصهيونية. التقاء ازداد كلما ازداد الحديث عن تسوية سياسية للقضية الفلسطينية تقترب أو تكاد من حل الدولتين الذي تبناه "الحزب الشيوعي" وجبهته.

وبالقفز عن انتخابات 1981، التي لم نجد أيّ سند تاريخي يؤيد ادّعاء عودة حول توصية "الحزب الشيوعي" على شمعون بيرس خلالها، وأسفرت عن تشكيل حكومة "ليكود" بزعامة مناحيم بيغن، بأغلبية 64 عضو كنيست، وكرّست الانقلاب الذي وقع عام 1977 ودارت رحاها حول الانقسامات الطائفية والإثنية الإسرائيلية الداخلية، شرقيين وأشكنازًا وحريديين وعلمانيين.

وبالقفز عن ذلك، فانتخابات 1984 التي جاءت في وقت كان فيه الجيش الإسرائيلي ما زال داخل العمق اللبناني، بعد حرب لبنان 82 ومجزرة صبرا وشاتيلا وبداية تبلور حركة السلام الإسرائيلية، التي بدأت إرهاصاتها خلال الحرب وتوجت بمظاهرة الـ400 ألف في تل أبيب، إضافة إلى أنّ نتائج الانتخابات تمثّلت بتقدّم حزب العمل بزعامة شمعون بيرس (44 مقعدا) على الليكود بزعامة يتسحاق شمير (41 مقعدا). هذه النتائج وتلك الظروف شجعت "الجبهة" (4 مقاعد) و"القائمة التقدميّة للسلام" (مقعدان) على التوصية على بيرس بهدف تغيير ما سمّوها بـ"حكومة المجازر".

أي أنّ البعد السياسي الوطني هو الذي وقف وراء هذه التوصية، وليس "الإنجازات والمطالب". ولكن رغم توصية "الجبهة" و"التقدمية" لم يحصل بيرس سوى على 60 عضو كنيست، فاختار الذهاب إلى حكومة تناوب مع شمير.

وفي انتخابات 1988، التي جرت في عزّ الانتفاضة الأولى، تقدّم يتسحاق شمير بفارق بسيط على بيرس (40 - 39)، وتعاظمت قوة الأحزاب الحريدية وبرزت حركة "شاس" كلاعب مركزي، فأوصت الأحزاب الحريدية على شمير، الذي كان قادرا على تشكيل حكومة تحظى بدعم 65 عضو كنيست، إلّا أنّه رفض الخضوع لابتزاز الحريديين وآثر تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته، كان فيها بيرس وزيرا للمالية ورابين وزيرا للأمن، استمرت سنة ونصف.

وفي محاولة لمحاكاة التحرك الأميركي - العربي - الفلسطيني، الذي بدأ بعد اعتراف المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر بالقرار 242 الذي يتضمن اعترافا غير مباشر بإسرائيل، وإزاء السد السياسي الذي شكّله شمير أمام أي رياح سياسية لتحريك القضية الفلسطينية، قام بيرس بمحاولة التفاف تمخضت عن إسقاط حكومة شمير، والسعي لتشكيل حكومة برئاسته.

وحظي بيرس فعلًا بتوصية "الجبهة" و"التقدمية" و"الحزب الديمقراطي العربي"، بحيث كان سيحصل بأصواتهم على 61 عضو كنيست، إلّا أنّ حكومة بيرس فشلت بعد تغيب اثنين من أعضاء "أغودات يسرائيل" عن جلسة التصويت بضغط من الراف شاخ والراف ميلوفوفيتش، بادّعاء عدم دعم حكومة تريد التنازل عن أراضٍ محتلة. ثمّ عاد شمير وشكّل حكومة بزعامة "الليكود" مع الأحزاب الدينية.

أمّا دعم حكومة رابين من قبل "الجبهة" بقيادة "فارس يوم الأرض"، توفيق زيّاد، بتعبير أيمن عودة، و"الحزب الديمقراطي العربي" وتشكيل الجسم المانع لتمرير اتفاق أوسلو، فجاء تتويجا لهذه المحاولات، وتأكيدًا على أنّ القضية الوطنية الفلسطينية كانت في محور، بل هي محور، هذا النهج الذي رغم كل ما قد يقال عنه، ظلّ ملتزما بالبعد الوطني، لم يتنازل عنه ولم يقايض عليه مقابل فتات الميزانيات.

كما يجدر التذكير أنّ الحديث كان يدور عن حزب "العمل" بصفته حاضنة لمعسكر السلام الإسرائيلي، وعن نهجٍ بدأ وانتهى بعقد اتفاق سلام مع "منظمة التحرير الفلسطينية" بصفتها ممثلًا شرعيًا وقائدة كفاح الشعب الفلسطيني، وليس بحزب يقف على رأسه أربعة جنرالات، المعتدل فيهم أكثر تطرفا من نتنياهو. بارك زعيمهم غانتس "صفقة القرن" وخطّة الضمّ وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والمقصود غانتس، أو رئيس مجلس المستوطنات الأسبق، نفتالي بينيت، زعيم الصهيونية الدينية وصاحب خطة ضم مناطق "ج" التي تشكل 60% من الضفة الغربية.

ولمن يبحث عن المقارنة المحسوسة بين التوصية على غانتس ولبيد - بينيت وبين التوصية على بيرس - رابين، عليه رؤية الفرق بين دعم توفيق زياد ودراوشة لحكومة رابين وبين دعم منصور عباس لحكومة بينيت.

التعليقات