03/12/2021 - 17:26

حين يفرض الحضور الشعبي هيبته

هل بات الوضع الداخلي، عندنا، عصيًا على الفهم، وهل كل ما يُبذل من جهود، عديم الجدوى وفاقد المعنى، أم أننا لا نعرف أين نضع الإصبع، ونفضّل اعتماد الطرق الأسهل، التي لا تكلفنا كثيرا، مشقةً ووقتًا ومالًا؟

حين يفرض الحضور الشعبي هيبته

حرق منزل في أم الفحم

هل بات الوضع الداخلي، عندنا، عصيًا على الفهم، وهل كل ما يُبذل من جهود، عديم الجدوى وفاقد المعنى، أم أننا لا نعرف أين نضع الإصبع، ونفضّل اعتماد الطرق الأسهل، التي لا تكلفنا كثيرا، مشقةً ووقتًا ومالًا؟

تبدو الأسابيع الأخيرة وكأننا على عتبة موجة عنف داخلي أشدُّ رعبًا وأكثر تدميرًا. خاصّة وأنّها تأخذ شكل الحروب الأهلية الموضعية المحلية الصغيرة بين عائلات في داخل بلداتنا ومدننا الفلسطينية، التي باتت أشبه بالغيتوهات المحاصرة والمحتجز تطورها الطبيعي بفعل السياسات الاستعمارية المتراكمة.

فظاهرة الإجرام المُنظّم البشعة، التي تتصاعد منذ عشرين عامًا دون رادع، وخطفت أرواحًا غالية كثيرة، من أبنائنا وبناتنا، محصورةٌ في فئاتٍ محدودة، ويُمكن بعمل شرطوي جدي احتواؤها، غير أن دولة الأبرتهايد تركت الحبل على غاربه، بعد أن أرست مخططها التهويدي والإفقاري، ليقتل الفلسطينيون بعضهم بعضا، فننشغل بالظاهرة نفسها، وبالأمن الشخصي، على حساب العمل الجماعي وقضيتنا السياسية. وشكلا العنف، الفردي والجماعي، بالحجم الذي نشهده، تعود جذورهما إلى المخطط الشرّير الذي يعرفه كل فلسطيني. والمرعب هو أننا نظهر وكأننا غير قادرين على وقف العنف، ونظهر عاجزين عن إيجاد القوة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي من شأنها أن تواجه الظاهرة بطريقة جذرية، وأن اليأس بدأ يتسرب إلى المزيد من الناس، وقوى المجتمع، من إمكانية فرملتها، وفتح أفقٍ نحو الانفراج ومن ثم الخلاص.

وربما، بل أكيد، يسأل أو يتساءل، العديد من أهلنا، وخاصةً من أخذتهم، بِطيبةٍ، فكرة انخراط الحركة الإسلامية الجنوبية في حكومة الأبرتهايد الإجرامية؛ ولسان حالهم يقول، كيف يعقل أن كل هذه الميزانيات "الضخمة" وكل ما تدّعيه شرطة نظام الأبرتهايد من زيادة عدد أفراد الشرطة، وفتح مراكز شرطة جديدة في البلدات العربية، ومع ذلك تتغول الظاهرة، وتصبح أكثر اتساعا؟ وتجدهم تائهين، ومحبطين، وخائبين، بل باتوا أكثر خوفًا، مثلنا جميعًا، وأشدّ قلقًا من قبل. ولكن، ومن أجل أن نساعد أنفسنا في فهم الواقع وإيجاد المخرج، لماذا لا نسأل؛ كيف أن العنف يكاد يتوقف أو يتراجع بصورة كبيرة، عندما تشهد بعض البلدات، حراكات شبابية أو شعبية واسعة ومستمرة، كما حصل مثلًا في مدينة أم الفحم، العام الماضي، عندما تمكن الحراك الشبابي من اختراق الشارع واستقطابه إلى العمل الشعبي الأسبوعي، لعدة أشهر، لم تشهد المدينة خلالها أيّ عملية قتل. ولماذا توقف القتل تمامًا خلال هبة أيار المجيدة ("هبة الأمل والكرامة") وهي الهبة التي أطلقها طلائع الجيل الفلسطيني الجديد. أليس لأن الوجود الشعبي المكثف والحضور في الميادين يُرهب القتلة وأدوات القتل وتتعثر خيوط التواصل بين سلطة الأبرتهايد ومنظمات الإجرام، ومن ناحية أخرى تفرض الحراكات أو الهبة الشعبية هيبتها بفضل قوّتها وسطوتها الأخلاقية وأدائها التضحوي الجماعي، الذي يجعل الإنسان العادي المتورط في خلاف تافه مع جاره أو أخيه يشعر بالخجل من نفسه أمام هذا الاستعداد لنكران الذات الجماعي.

لكن حين تتوقف الهبة، لأسباب تتعلق بالقمع الخارجي، أو التجاهل أو العجز أو إنكار العجز أو غياب الاحتضان الحقيقي من جانب الهيئات التمثيلية الوطنية، تنبعث ظاهرة الإجرام مجدّدا، ويعود المختلفون إلى خلافاتهم.

باختصار، نحن نفتقر لمشروع سياسي وطني، يقوم على فهم علمي لواقعنا المركب، ولرؤية تنظيمية لهذا المشروع، ولأدوات النضال الناجعة ونفتقر للإرادة الحقيقية، بعد أن اجتاحت الفردانية شرائح واسعة من المجتمع.

إذًا، تعالوا نتأمل في هذه المعطيات، ونعيد قراءتها من جديد، ونعمل على تفكيكها بروية، ونبادر للوصول إلى قناعة بأنّ بمقدورنا فرملة العنف واستعادة الأمل، ومن ثم العمل معًا على استئناف الحراكات الشبابية والشعبية، على أساس مراجعة التجربة السابقة، ونعيد اكتشاف نقاط قوتها، وكذلك قصوراتها.

وبما أنّ نظام الأبرتهايد تمكّن من تشتيت القوة السياسية الوطنية، داخل الخط الأخضر، كما فعل في المنطقة الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧، تحديدًا في الضفة الغربية، وتحويل بعضها إلى جزء من نظام القمع والاستعمار، يقع العبء على طلائع الجيل الشاب، ومنظماته الشبابية والنسوية، والأهلية، والمدنية، وفئات المثقفين والأكاديميين، التي للأسف، لم تبذل الجهد الكافي، أو ربما تفتقر للجاهزية، لخلق مستوى عالٍ من التشبيك والتنسيق، ولحسم أمر تشكيل جسم شعبي واسع عابر للمدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وليكون جاهزًا وطنيًا وفكريًا ونفسيًا للتواصل مع أقرانهم في ما وراء الخط الأخضر، مع شعبنا في كل مكان.

لقد بات لدى هذه الأطر الكثير من التجربة والمعرفة، والممارسة، التي تؤهلها للقيام بهذا الدور، ما يبقى هو توفر الإرادة.

التعليقات