15/01/2022 - 11:36

اتّساع أزمة الهوية لدى العرب في إسرائيل في الخطة الخمسية "تقدم"

الحقيقية الواضحة هي أن الخطة مبنية على أسس عملية، تشبه التخطيط لبناء منتج في خط تصنيع، فالطالب المندمج في المجتمع الإسرائيلي، وفي سوق العمل والتعليم العالي هو المنتَج، وجهاز التعليم هو خط التصنيع.

اتّساع أزمة الهوية لدى العرب في إسرائيل في الخطة الخمسية

توضيحية من الأرشيف

نُشرت خطة "تقدم" الخمسية – قرار 550 في تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم تحت عنوان: "تطوير اجتماعي واقتصادي للمجتمع العربي في إسرائيل". تهدف الخطة إلى تقليص البَوْن الشاسع المتراكم في جميع المجالات بيننا وبين المجتمع اليهودي - الإسرائيلي. ولكن، بينما نحن نقبع في قاع سلّم "التقدم"، مشغولين ببناء غرف تدريس أو مدِّ شبكة مجارٍ، ومياه، وكهرباء، وتحفيز لتقليص التسرّب الخفيّ المعلَن من جهاز التعليم وغيرها من مشاريع؛ يستمرّ اتساع الفجوة بيننا وبين المجتمع اليهودي، المشغول في التنافُس في مجالات علوم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وغيرها.

الترجمة الفعلية المرجوّة من خطة التطوير الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعنا العربي، هي "بناء مجتمع" معافى، أو في طريقه إلى التعافي، ينهض ويلحق بركب المجتمع المتقدم. مع كل النوايا الحسنة والجهود الجدية والمهنية المبذولة بالتخطيط وضخّ الموارد لسدّ الفجوات، لم تتضمن الخطة إلا بنودا خجولة جدا، تمّ فيها التطرّق إلى الهوية والشعور بالانتماء لدى العرب في جهاز التعليم، إذ لم يتمّ وضع تحديد واضح وصريح لحدود تلك الهوية، أو لإطار الانتماء المرجوّ فيه؛ تطوير الفرد العربي اقتصاديا واجتماعيا داخل المجتمع الإسرائيلي، مع أن هذا الشرط هو الأساس والركيزة لكل خطة تريد أن تبني مجتمعا لأمد طويل، وتحافظ على مخرجات واضحة.

بافتراض أن الخطة ستخرج إلى حيز التنفيذ، ليس سرًّا أن الخوف الأول من هذه الخطة، هو عدم الخروج بنتيجة إيجابية، رغم بذل الميزانيات والجهود في التخطيط. سأحاول في هذه المقالة القصيرة، إلقاء الضوء على الجزء المخصص لتطوير جهاز التعليم في المجتمع العربي ضمن الخطة الخمسية- تقدم، وأبيّن السبب الرئيسي الذي سيؤدي إلى إجهاض الخطة، وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منها، إذا لم يتم تعديلها، وهو كل ما يتعلق بتعريف الهوية وحدودها.

أوّل أخطاء هذه الخطة هو حفاظها على سياسة التقسيمات الطائفية والفئوية. يُقسَّم المجتمع العربي في الخطة إلى ست مجموعات: عرب، وبدو الشمال، وبدو النقب، والدروز، والشركس، ومجموعات جزئية أخرى مثل "التعليم المسيحي" (البند العاشر من الجزء الرابع من القسم المخصص للتعليم).

غالبية بنود قسم التعليم في الجزء المخصص للتطوير الاجتماعي، نَصُّها يحوي توجّها صريحا إلى تقليص الفجوات لدى مجموعتين: التعليم العربي والبدوي. لا شكّ في أن هذا التوجه نابع من التقسيمات المتّبَعة منذ إنشاء الدولة، والتي بحسبها قُسِّم جهاز التعليم إلى قطاعات تفتيش بحسب فئات ومناطق.

التعليم العربي بحسب خطة "تقدم" يعني المدارس التي لا تتبع للتفتيش البدوي (الشمال والنقب) ولا للدرزي والشركسي، ولا للمدارس الخاصة الكنسيّة. وبهذا، فإن البدو والدروز والشركس والمسلمين والمسيحيين في المدارس الكنسية لا يتبعون لتعريف "جهاز التعليم العربي"، وما تحويه بنود الخطة عندما توجِّه أهدافها للتعليم العربي، لا يخصهم تماما.

يمكن أن نفرض أن ما تعانيه المدارس الرسمية العربية والبدوية من احتياجات مادية وتعليمية، لا يسري على باقي القطاعات بالدرجة نفسها، ولكن هذه التقسيمات تبقي الغربة والانعزال بين أفراد المجتمع العربي الواحد، فكما أن الخطة تفتقر إلى أي بند يؤكد لقاء مشتركا عربيا - يهوديا ضمن جهاز التعليم، لا تلتفت أيضا إلى دمج فئات المجتمع العربي المختلفة في أطر مشتركة جامعة واحدة. الفعاليات غير المنهجية مثلا، يمكن أن تكون وسيلة لبناء المجتمع الواحد، ليخرج مجتمع تعددي، بهوية معافاة من رواسب الفئوية الطائفية والطبقية، بفعل اللقاء في أطر تربوية - اجتماعية مشتركة، هدفها بناء مشترك للمجتمع.

الحقيقية الواضحة هي أن الخطة مبنية على أسس عملية، تشبه التخطيط لبناء منتَج في خطّ تصنيع، فالطالب المندمِج في المجتمع الإسرائيلي، وفي سوق العمل والتعليم العالي هو المنتَج، وجهاز التعليم هو خط التصنيع. البند ج/1 من قسم التعليم ينصّ على أنّ "نظام التعليم سيزود خريجيه بالمعرفة والقيم والمهارات المعرفية والعاطفية والاجتماعية والبدنية المطلوبة في القرن الحادي والعشرين، لغرض الاندماج الأمثل في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام، والأوساط الأكاديمية وفي التوظيف والعمل بشكل خاص".

هذه أهداف إيجابية، لا شائبة فيها، ونصُّها مدروس بعناية تامة، وكنت أعوّل على قدرتها على تحقيق نواياها لو أنها لم تترك جزء الهوية فضفاضا شاحب الملامح، فالبند ج/3 من القسم ذاته، ينصّ على أن خط التصنيع -ألا وهو جهاز التعليم العربي- سوف يُنتج "خريجا من المجتمع العربي يمتلك القدرات والأدوات للتعامل مع هويته ومواقفه ومقياس قيمه بطريقة تعزز إحساسه بالدافعية والثقة والانتماء وتسمح له بالاندماج على النحو الأمثل في المجتمع الإسرائيلي".

لم يحدّد النص إلى أي دائرة انتماء يقصد. ولكن مما نفهمه أن المقصود هو الانتماء للمجتمع الإسرائيلي. لم يتم التطرّق أيضا إلى كيفية تعامل الطالب والمعلم مع هويته ومواقفه وقيمه دون أن يعطيه أدوات لذلك، ودون أن يحدد تعريفا لتلك الهوية، وبالتالي للمواقف التي يجب أن يتخذها على أساس تلك الهوية التي تمّ بلورتها في جهاز التعليم، فأيّ موقف سيتخذه أثر أيّ توتر أمنيّ يتعلق بأبناء جلدته وأجهزة الدولة؟ ثم كيف سيطوّر موقفا وهو يفقد أدنى حقوقه في تعلّم تاريخ شعبه وسرديته، فما زال الطالب العربي يتعلم تاريخ الجاهلية وصدر الإسلام وتاريخ أوروبا والحركة الصهيونية، ولا يعرف تاريخه هو، ولا يجد في كتبه أي تعريف واضح لدائرة انتمائه.

أبقت الخطة التعريف ضبابيا، لأن نواياها واضحة؛ الانشغال بما يمكن تحقيقه وإنجازه وعدم الخوض في الإشكاليات الشائكة التي يمكن أن تؤدي إلى أزمة. والسؤال هو: كيف سيدافع طالب عن مواقفه إذا كان "نكرة"، لا تعريف لهويته الجمعية؟

جهاز التعليم الذي يرغب بتنمية هوية مبهَمة للطالب العربي، لا أب ولا أم لها، لا يمكن أن يمنع سَيْل التطبيقات الإلكترونية من ضخّ سوق التسميات المتعلقة بهوية الطالب، مثل "عرب الـ48"، أو "عرب الداخل"، أو "فلسطيني"، أو "عربي- فلسطيني"، أو "عربي- إسرائيلي"، أو "عربي في إسرائيل"، أو "فلسطيني في إسرائيل"، أو "مهجّر"، أو "لاجئ"، وغيرها.

حتى وإن تمّت الطبطبة واتباع أسلوب "التجاهل" والحياد لموضوع الهوية في جهاز التعليم، لا يمكن إلا وأن تتم المواجهة لهذه الهوية في سوق العمل والتعليم العالي. بهكذا صورة، فإن الاندماج المرجو في المجتمع الإسرائيلي سيبقى مشوّها كما هو الآن، لأنه مبنيّ على علاقة غير صحية، فالحصول على التشغيل والتعليم المشروط بـ"تجاهل الهوية"، والنتيجة اندماج مشوه آني، ينتهي مع انتهاء ساعات العمل والتعليم ليرجع بعده كل إلى مجموعته في أحياء وتجمعات سكانية واجتماعية منفصلة.

بحسب الخطة، إن تنمية طالب عربي (وبدوي) مندمج في المجتمع الإسرائيلي وفي سوق العمل والتعليم العالي يحمل في طياته شروطا كثيرة، أولها التمكن من اللغة العبرية، وهو شرط بطبيعة الحال لا يقابله شرط مماثل بالنسبة للغة العربية لدى الطالب اليهودي، ولهذا فالاندماج المشروط هو أحادي الاتجاه، مبني على علاقات تحكم بحسب مبدأ الربح والخسارة وإتاحة الفرص من قِبل المجتمع اليهودي، وليس على مبدأ المساواة والشراكة الكاملة وبناء المجتمع الواحد.

إلى جانب التمكن من اللغة العبرية كشرط للتقدم والاندماج، تزخر الخطة بشروط وتحفيزات لرفع مستوى الطلاب المتقدمين لمستوى الخمس وحدات في الرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم، دون أن تراعي ضرورة بناء مجتمع عربي متكامل، مجتمع يخرج جهاز تعليمه من ثوبه المتآكل، ومن نمطية ما يعرضه جهاز التعليم العالي من أفق وإمكانيات تخصُّص محدودة تبعث اليأس والإحباط.

مجتمع متكامل معافى هو مجتمع يحمل تعريفا واضحا لهويته، مجتمع متعدد التخصصات والقدرات والميول. هنالك حاجة ماسة لتصنيف مبكِّر لمسار الطالب العربي المهني والأكاديمي، وتزويده بأطر تعليمية وتخصصات جاذبة، جديدة ومتجددة على مستوى تقني عالٍ، تخصصات كفيلة بأن تبنيه وتبعث في نفس أفراده فرحا وسعادة، مجتمع تُنشَر قياساته السنوية بحسب مؤشر سعادة أطفاله وشبابه ومسنيه، وليس بمقياس العنف أو الفقر، أو شعوره بالمساواة وعدمها.


* باحثة في IDI وفي الجامعة المفتوحة، وعضو في المجلس التربوي للجنة متابعة التعليم العربيّ.

التعليقات