20/01/2022 - 16:47

في إسرائيل فقط يحرشّون الصحراء ويهدمون البيوت

ولا يهم التسبّب بكارثة إنسانية للعرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الذين يعتاشون منها أو التسبب بكارثة بيئية، كما جاء في التماس سلطة حماية الطبيعة للمحكمة العليا، الذي أكّد أنّ عمليات التشجير تمسّ بدفيئات نمو طبيعية مميزة لا يلائمها العيش.

في إسرائيل فقط يحرشّون الصحراء ويهدمون البيوت

من المواجهات الأخيرة (أ ب)

في إسرائيل فقط يحرّشون الصحراء والسهول، لأن هدف التحريش يختلف عن أيّة دولة طبيعية في العالم. فهو يستعمل كوسيلة سهلة للسطو على أراضي العرب الفلسطينيين في النقب وغيره وتهويدها، أو بهدف إخفاء معالم القرى الفلسطينية التي جرى تدميرها بعد تهجير أهلها والسطو على أراضيها، ومحو آثار الجريمة.

وليس من قبيل الصدفة أن تسمى الأحراش بأسماء القرى المهجرة - حرش لوبية وحرش صفورية وغيرها - وأنّ يستظل المشاركين في مسيرة العودة السنوية التي تنظمها لجنة المهجرين بظلال أشجار الـ"كيرن كييت"، التي تغطي أطلال البيوت الفلسطينية التي ما زالت شاهدة على الوجود الفلسطيني.

ويعود سبب ذلك إلى أنّ الـ"كيرن كييمت" (الموكلة بعمليات التحريش حسب تفويض منح لها من الدولة عام 1961) تأسست أساسا منذ عام 1901 لإنقاذ الأرض (من العرب) وإعدادها للاستيطان اليهودي، وبقيت "وفيّة" لهذا الهدف المتمثل بالسيطرة على الأرض وتهويدها بواسطة زرعها بالمستوطنات أو الشجر كوسيلة لانتزاعها من أصحابها العرب ومحاصرة توسع قراهم ومدنهم.

ومن المفارقة أن تترك الـ"كيرن كييمت"، مثلًا، كل أراضي النقب وتختار بضع مئات من الدونمات من أراضي الأطرش الزراعية الخاصة في سعوة لتحريشها، لأنّ هدف التحريش أصلا هو "إنقاذ" الأرض من العرب، أي سرقتها، حتى لو كانت غير معدة للتحريش وفق المخططات الهيكلية الإسرائيلية ذاتها.

ولا يهم التسبّب بكارثة إنسانية للعرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الذين يعتاشون منها أو التسبب بكارثة بيئية، كما جاء في التماس سلطة حماية الطبيعة للمحكمة العليا، الذي أكّد أنّ عمليات التشجير تمسّ بدفيئات نمو طبيعية مميزة لا يلائمها العيش في بيئة حرشية، المهم هو انتزاع الأرض من أصحابها العرب الفلسطينيين والسيطرة عليها من قبل المؤسسات الصهيونية.

إنّها سياسة استعمارية تمتد على كل مساحة فلسطين، لم تتوقف بعد إقامة دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني عام 1948 واحتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967، بل تتواصل على شكل صراع يومي على الأرض في الجليل والضفة والنقب والقدس، حيث يتواصل هناك مخطّط إخلاء حي سلوان وحي الشيخ جراح لضرب حزام استيطاني حول البلدة القديمة و"الحوض المقدس" والاستمرار في تقطيع أوصال المدينة وعبرها فصل شماليّ الضفة عن جنوبيّها.

وجاءت العملية الوحشية التي تم خلالها إخلاء عائلة الصالحية في ما يسمى كرم المفتي في الشيخ جراح، بعد أن قامت جرافات الاحتلال بهدم بيتها خلسة في ليلة باردة وماطرة، إمعانًا في المخطّط المذكور الذي يستهدف عشرات البيوت في الحيّين بالهدم والإخلاء بحجج وذرائع مختلفة.

عملية هدم بيت عائلة الصالحية في الشيخ جراح تنطوي، أيضًا، على كارثة إنسانية بحق العرب الفلسطينيين وعلى كارثة "معمارية" بحق المباني التاريخية الفلسطينية، لأنّ البيت يعتبر مبنى تاريخيًا وتم هدمه بشكل مخالف لقرار اللجنة المحلية للبناء ودون استصدار تصريح بهدمه كما هو مطلوب.

ورغم أنّ بلدية الاحتلال تدّعي أنّ البيت ليس مبنى تاريخيًا، وأنّ العائلة التي تسكنه هي التي بنته، إلّا أنّ مصادر إسرائيلية أكّدت أن البيت يظهر في وثائق تاريخية عمرها أكثر من مئة سنة، فهو يظهر في صور جوية التقطها طيّارون ألمان خلال الحرب العالمية الأولى، وكذلك في خرائط انتدابية من ثلاثينيات القرن الماضي.

المهم في الموضوع أنّ تلك الجرائم الوحشية ترتكب دون أن يهتز جفن لإنسان في المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح متماهيًا بشكل كامل مع سياسات المؤسسة الاستعمارية والمستوطنين ومتماثلا مع مخططاتهم وجرائمهم ضد الفلسطينيين في مناطق 67 وفي مناطق 48، وهو تصرّف يليق بتجمّع استيطاني استعماري ذُوّت في العقود الأخيرة مقولات اليمين بعدم وجود فرق بين تل أبيب ويتسهار وبين عوفرا وهرتسليا، ويسير بخطى حثيثة نحو نظام فصل عنصري - أبرتهايد.

التعليقات