22/01/2022 - 16:03

لماذا كل هذه الوحشية رغم "انتصاراتها"؟!

من المهم أن يدركَ الفلسطينيون، الدوافع العميقة الكامنة وراء الوحشية المستمرة، والمتصاعدة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ومقاومته لأفعالها الإجرامية، حتى حين تتسم هذه المقاومة بالطابع الشعبي المدني، كما هو حاصل في الشيخ جراح والنقب

لماذا كل هذه الوحشية رغم

قمع الاحتجاجات في النقب (أ ب)

ارتفاع منسوب الوحشية والنزعة العدوانية الإسرائيلية في العقدين الماضيين، بات معطى ثابتًا وخطيرًا في مشهد الصراع في فلسطين، ومحط دراسة، وتوسع في الدراسات. واللافت أكثر في هذه النزعة المتفاقمة والسافرة، أنها تستهدف "مواطني إسرائيل من العرب"، الذين من المفروض أن يكون التعامل معهم مختلفا وفق ما يتخيله كثيرون.

من المهم أن يدركَ الفلسطينيون، والكثير منهم يدركون، الدوافع العميقة الكامنة وراء الوحشية المستمرة، والمتصاعدة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ومقاومته لأفعالها الإجرامية، حتى حين تتسم هذه المقاومة بالطابع الشعبي المدني، كما هو حاصل في الشيخ جراح والنقب الفلسطيني، وفي كافة أرجاء الوطن. لأن امتلاك الفهم الصحيح لجذور العنف الصهيوني، التقليدي، والمستجدّ، يُساهم في التخلّص من اليأس والتيئيس، وفي التسلح بروح المقاومة والرفض للجريمة غير المتوقفة، وتُعزز الأمل بطريق التحرر والانعتاق .

لا تدخل وتيرة الممارسات الاستعمارية الأخيرة في خانة التنافس الداخلي بين جناحي القبيلة العبرية، اليمينية، سواء ذلك الذي في الحكم وذلك الذي في المعارضة، بل أساسا في سياق السعي الحثيث إلى ترسيخ شرعية المشروع الاستعماري وحسم الصراع نهائيًا، وإسدال الستار على قضية فلسطين، وبالتالي إنجاز حالة التطبيع الكامل غير المتشكك، سواء على المستوى العالمي أو على مستوى الأنظمة العربية، المتعاونة.

ولا يُغير من هذه الحقيقة ما يقوله مراقبون إسرائيليون حول إن نتنياهو يواصل الحكم بصورة غير مباشرة، أي أن الحكومة الحالية، والتي هي أكثر يمينية واستيطانية، لا تريد أن تَظهر أنها أقل حزما وصرامة في التعامل مع الفلسطينيين، بما فيهم الذين يحملون المواطنة الكولونيالية، لذلك هي ترفع من منسوب القمع والتوحش على سبيل المزايدة!

ومن المهم أن ندرك أنه في الوقت الذي يُصاب بعضنا بالذهول من هذه الوحشية ويكاد اليأس من جدوى المقاومة في وجه مستعمر شديد القسوة، يثنيه عن الفعل، أو يجعله يسقط في مهاوى الاستسلام كما هو حاصل مع سلطة أوسلو والحركة الإسلامية الجنوبية، أو أنظمة عربية عميلة، وأتباعهم الذين يروجون لهذا السقوط، فإن إسرائيل ودوائرها السياسية والأمنية تتساءل أيضا كيف أنها أخفقت في كيّ وعي الشعب الفلسطيني، الذي يواصل ويجدد مقاومته السياسية والشعبية، رغم ما حققته من تمدد لمشروعها الاستعماري، وما تحققه من اختراقات كبيرة في الوطن العربي.

إنها تتساءل كيف لا تنجح في قمع تطلعاته وفي دب اليأس في صفوفه، وكيف لا يلتهمه اليأس. كما أنها ترقب بشعور من الإحباط وخيبات الأمل، توسع عملية تفكيك الكولونيالية عن كيانها، النظرية والمعنوية، أي إعادة تعريفها كنظام أبرتهايد كولونيالي، وهي عملية جارية بثبات في أوساط المجتمع المدني العالمي خاصة في العالم الغربي، رغم توسع وتوطد علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع حكومات العالم، بما فيها دول كبرى كروسيا والصين.

عنف إسرائيل ليس طارئًا، ولا هو ردّ فعل، إنه بنيويّ. وبدون أن تتوقع، تواجه هذه الحقيقة اليوم، من أوساط أكاديمية غربية نقدية، التي أعادت إسرائيل إلى جذورها وواقعها الاستعماري الإحلالي، كما رآها الفلسطينيون وأحرار العالم منذ البداية. وفي صلب هذه الدراسات أو النظرية الكولونيالية، أن عنف المستعمر ليس حدثًا، بل بنيةً. لكن المعضلة التي واجهها الفلسطينيون هي أن هذا المستعمر تكرّس كدولة من خلال اعتراف العالم به رسميا عام 1948. والمقصود بالقوى العالمية الكبرى، المهيمنة، لأسباب تتعلق بمصالحهم الجيو-إستراتيجية، وبالنظرة الاستشراقية العنصرية. والمعضلة الراهنة الأصعب، هي مواصلة طرف فلسطيني أساسي ممارسة أحط أنواع التطبيع مع المستعمر، من خلال التنسيق الأمني معه.

ولكن ليس هذا كل القصة. فالعالم، أو جزء منه، أو قوانين الأمم المتحدة، وإن منحت الشرعية لدولة إسرائيل، فإنها لا تشرعن أنظمة عنصرية، وتطهيرية، وقد أصدرت قرارا يطالب إسرائيل بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، قرار 194. كذلك طالبت إسرائيل بالتعامل مع جميع مواطنيها بمساواة، وكان هذا شرطا للاعتراف بها. كما أن قوانين الأمم المتحدة لا تعترف بما نفذته إسرائيل من جرائم حرب في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، من قتل وسرقة، واستيطان، وحصار، وتمييز .

كل هذه الانتهاكات الفظيعة والجرائم المروعة، من جهة، والمقاومة الفلسطينية المتجددة لهذه الانتهاكات والجرائم، تعيد إسرائيل، في الذهن الشعبي العالمي، كما هي في الأصل، أي كيان استعماري تطهيري ونظام فصل عنصري، وموضعته في السياق التاريخي لأنظمة الإبادة العرقية، والفصل العنصري. وعلى خلفية هذه المعطيات صدرت التقارير من منظمات حقوق إنسان دولية وإسرائيلية، تُصنف إسرائيل على هذا النحو، وتعيد تأطير الصراع كصراع شعب أصلي ضد نظام فصل عنصري ، واستعمار كولونيالي.

وعلى خلاف فريق سلطة أوسلو، وعلى الرغم منها، أدركت المنظمات المدنية الفلسطينية، باكرًا، هذه الحقيقة، وأطلقت حملتها عام 2004، لتحقق فتحًا هامًا في الحصار السياسي المفروض، ذاتيًا وخارجيًا، على الشعب الفلسطيني. وليست الهستيريا التي تَسمُ سلوك إسرائيل تجاه نشاط حملة المقاطعة، إلا كونها تحقق نجاحات في نزع الشرعية التاريخية والأخلاقية عن نظامها الإجرامي.

استنادًا إلى هذه المعطيات الهامة، يُعاد استرداد الرواية الفلسطينية، وعليها يعاد تأسيس وبناء المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، الوطني والإنساني؛ مقاومة شعبية داخل الوطن، ومقاومة مدنية معولمة على مستوى العالم، ورؤيه تحررية لفلسطين الكاملة.

التعليقات