09/03/2022 - 20:34

جدليّة تمثيل النساء بين التمثيل "الصوريّ" والتمثيل "الجوهريّ"

ذا القصور هو نِتاج السياسات العربية الداخلية للأحزاب التي لا تُخصّص أماكن كافية للنساء، ومن ناحية أخرى؛ لهذا الوضع علاقة وثيقة ومباشرة في المبنى السياسي لدولة إسرائيل التي تعتبر المواطنين العرب وعلى رأسهم ممثلوهم السياسيون، درجة ثانية

جدليّة تمثيل النساء بين التمثيل

خلال تظاهرة لحراك نسويّ في حيفا

جدلية تمثيل النساء سياسيًا ليست بالحديثة، وإنما هي طاعنة في قدم الجدليات السياسية القائمة. لا يخفى على أحد أن هذا الجدل القديم - الحديث، قد أثمر عن تقدُّم كبير في تمثيل النساء سياسيًا على مستوى العالم، إذ تم تأكيد هذا الحق السياسي للنساء من خلال سن قوانين في عدة دول تجبر الأحزاب والأطر السياسية على دمجهن قانونيا.

"الكوتا" (محاصصة نسائية) هي أحد الحلول التي وضعت لحلّ هذا المسّ من جذوره، حيث يتم تخصيص مساحة مسبَقة للنساء فقط، ولا يتنافس عليها الرجال. هذه الرحلة الشاقة للنساء، استغرقت الكثير من الوقت، وقد تم جني ثمارها، ولكنها ليست بالكافية بعد. (حلو، 2018).

تمثيل النساء هو أمر ضروري في النظام الديمقراطي. الديمقراطية في مفهومها الأساسي تعني "حكم الشعب"، أي أن الشعب هو من يحكم وترجع له الأمور عن طريق اختيار ممثلين عنه في النظام القائم، هذا الأساس لن يكون فعّالًا إذا تم إقصاء غالبية الشعب أو نصفه على الأقل عن إمكانية اتخاذ القرارات.

النساء يشكّلن النصف في أغلب المجتمعات، وعدم تمثيلهنّ يعني مسًّا صارخا في أهم أسس الديمقراطية، وهناك بُعد آخر لهذا التمثيل؛ ألا وهو تمثيل مصالح هذا النصف، فبدون تمثيل النساء يتمّ تغييب مصالحهنّ ومشاكلهنّ بشكل كامل، وبذلك لا يمكن أن تُصلَح الأمم، فالرجال في السياسة لا يتطرقون للمواضيع التي تخص النساء والعائلة بالشكل المطلوب. ولكن لا بُدّ هنا من طرح سؤال مهم هو: هل وصول المرأة إلى منصب سياسي يجعلها بالضرورة تصبّ في مصلحة النساء وحقوقهنّ؟

للإجابة عن هذا السؤال يجب التمييز بين بُعديْن مختلفيْن لعملية التمثيل السياسيّ؛ البُعد الأول يسمّى "التمثيل الوصفي (descriptive representation)"، أو "التمثيل الحضوري"، فيما يُسمّى البُعد الثاني "التمثيل الجوهريّ (substantive representation)".

التمثيل بحسب البُعد الأول، يعتمد على الهوية الاجتماعية للممثلين، ويكفي أن يكون هناك حضور يمثّل فئة معيّنة، وفي أغلب الأحيان هذا الحضور هو عدديّ ليس إلا. التمثيل بحسب البُعد الثاني يعتمد على المهنية في اختيار ممثلين مدركين لمصالح الفئة المُمَثَّلة، حيث يتمّ العمل على المحافظة على مصالح هذه الفئة وتقدّمها.

من هنا يمكن أن نستخلص أن التمثيل الوصفيّ أو العدديّ للنساء ليس بكاف لحلّ مشاكلهنّ، أو للتعبير عن وضعهنّ العام، فهو صوريّ بدون قدرات أو رغبات حقيقية للتغيير. لا بد من الانتقال للتمثيل الجوهري إذا ما أردنا تمثيلًا سياسيًّا ناجعا للنساء. مجرد إدراج النساء سياسيًّا "للحضور"؛ لا يعني شيئًا إن لم تكُن النساء بالمهنية والوعي المطلوبان لدفع مصالح النساء وبطريقة تحقيقها، ولا بُدّ أيضا أن تُعطى لهنّ الصلاحيات والاستقلالية في دفع هذه المصالح.

مجرّد الاكتفاء بالتمثيل العددي يضرّ جدًا بالنساء، إذ أنّ وضع نساء في مناصب سياسية بدون صلاحيات، أو بدون المهنية المطلوبة؛ يخلق صورة خاطئة عن تمثيل النساء حيث يعيد تصوريهنّ على أنهنّ غير مهنيات أو غير قادرات على التغيير، فلذلك لا "يصلُحنَ" لمناصب كهذه، وهذا يعيد بناء الدونية والتمييز ضد النساء في المجتمعات المختلفة. وعليه لا بُدّ من تمثيل مهني مع صلاحيات واسعة لجعل التمثيل السياسي النسائي فعال وناجع.

إذا ما نظرنا عن قُرْب لتمثيل النساء من الأقليّة العربيّة في البرلمان الاسرائيليّ (الكنيست)، فإنه لا يخفى على أحد عدم توفُّر الحدّ الأدنى من التمثيل السياسيّ المناسب لهنّ، فلا من ناحية صورية الأمر يعبّر حقًّا عن نسبة النساء في المجتمع العربيّ، ولا من ناحية جوهرية تُتاح لهنّ فعلا الصلاحيات اللازمة للمساهمة في تحسين وضع النساء العربيات. هذا القصور هو نِتاج السياسات العربية الداخلية للأحزاب التي لا تُخصّص أماكن كافية للنساء، ومن ناحية أخرى؛ لهذا الوضع علاقة وثيقة ومباشرة في المبنى السياسي لدولة إسرائيل التي تعتبر المواطنين العرب وعلى رأسهم ممثلوهم السياسيون، درجة ثانية لأنهم لا يتبعون للأغلبية القومية اليهودية، فلا صلاحيات فعلية لديهم لتغيير سياسات الدولة التي تفضّل اليهوديّ، وتعطيه امتيازات كثيرة مقارَنة بالمواطن العربي.


* الكاتبة؛ طالبة دكتوراه، في قسم السياسة والحُكم بجامعة بئر السبع.

التعليقات