09/04/2022 - 09:42

رمضان بشروط إسرائيل

فاقت العمليات سقف توقعات الإسرائيليين "أمنيا"، لناحية هويات منفذيها على الأقل، إذ نَفذ كل من عملتيّ النقب والخضيرة فلسطينيون من الداخل، الذين يعتبرون "مواطنين إسرائيليين".

رمضان بشروط إسرائيل

(Getty Images)

ثلاث عمليات نُفذت في الأسبوع الذي سبق حلول شهر رمضان، في النقب والخضيرة وبني براك، خلّفت أحد عشر قتيلا إسرائيليا وعددا من المُصابين، مما اعتبره الإسرائيليون الأسبوع الأكثر "دموية" بالنسبة لهم منذ سنوات. كما فاقت العمليات سقف توقعات الإسرائيليين "أمنيا"، لناحية هويات منفذيها على الأقل، إذ نَفذ كلا من عملتيّ النقب والخضيرة فلسطينيون من الداخل يعتبرون "مواطنين إسرائيليين".

على إثرها، اتهم المجتمع الإسرائيلي أجهزة أمنه، بالفشل الذريع. خصوصا، وأن لكل من منفذي العمليات الثلاث سجل أمني سابق، ومنهم أسرى سابقين، لا بل كانوا جميعا تحت رقابة جهاز الشاباك، بحسب تقارير أمنية ووسائل إعلام إسرائيلية. ومع ذلك، نفذوا عملياتهم قبل أن تتمكن أجهزة الأمن الإسرائيلية من إحباطها.

أدانت بعض الأنظمة العربية، والسلطة الفلسطينية، ومعها أحزاب عربية في الداخل العمليات الثلاث. كما سهّل الإدعاء بالخلفية المرجعية لكل من محمد أبو القيعان منفذ عملية النقب، وأدهم وإبراهيم إغبارية منفذا عملية الخضيرة من مدينة أم الفحم، في الانتماء لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، على قوى وأحزاب عربية ليس إدانة عمليتيهم فقط، إنما بالذهاب وبصوتٍ عالٍ إلى حد التبرؤ المبطن من كل فعل مناهض لإسرائيل يعمل خارج شروط وقواعد معارضتها من على أرضيتها.

الأسبوع الذي شهد تنفيذ هذه العمليات، هو ذاته الذي ضجت فيه وسائل إعلام إسرائيلية بتغطية "قمة النقب"، التي كان يشارك فيها وزراء خارجية دول عربية - مصر والإمارات والبحرين والمغرب - في ضيافة الدولة العبرية على أراض النقب المُحتل. كما شهدت الأيام التي سبقت أسبوع "قمة النقب"، تحركات إسرائيلية مع دول عربية وإقليمية - الأردن وتركيا - ومع قياديين في السلطة الفلسطينية، كان على رأس أجندة هذه التحركات، سؤال احتواء وضبط الحالة الأمنية في رمضان، وتحديدا في القدس.

كل ذلك جاء بعد مرور أقل من عام على هبة أيار/ مايو 2021، حيث اندلعت في حينة مواجهات، بدأت من حي الشيخ جراح، ثم أحداث باب العامود والمسجد الأقصى في القدس، لتتحول إلى هبة شعبية طاولت كامل خريطة التراب الفلسطيني في رمضان. وفي هذا السياق كاملا، جاءت خُلاصة إسرائيل الأمنية، بأن رمضان شهرٌ مُؤهِبٌ لـ"العنف"، مما يستدعي منها التأهب أمنيا، بين سياستي "الانتقام والاحتواء" معا هذه المرة.

الانتقام والاحتواء معا

تتمثل سياسة إسرائيل هذه، من خلال الانتقام العيني بالتصفية أو الاعتقال - الانتقام بوصفه سياسة ممنهجة - والاحتواء، عبر التنفيس الشعبي، بما يعنيه التنفيس من شراء للهدوء، وتحديدا في شهر رمضان. ولطالما لم يعد، بالنسبة لإسرائيل ومطبيعها، أي أرضية سياسية لفعل "العنف" الفلسطيني، إنما هو فعل "إرهابي" كما كثفت إسرائيل في خطابيّها السياسي والإعلامي. فإن ردة فعل إسرائيل، على إثر العمليات الثلاث وتحديدا الأخيرة في بني براك، تمثلت فجر السبت الأول من رمضان 2 نيسان/ أبريل الجاري، بتصفية ثلاثة شبان فلسطينيين، ارتقوا شُهداء بعد اشتباكهم المسلح مع قوات مشتركة من جيش الاحتلال وشرطته، عند دوار عرابة - جنين.

أما على مستوى الداخل في أراضي عام 48، فقد شنت الشرطة الإسرائيلية بالتعاون مع جهاز الأمن العام (الشاباك)، في الأسبوع الماضي، حملة اعتقالات طاولت مجموعة واسعة من الشبان من أم الفحم ومنطقة وادي عارة وسخنين والناصرة والطيبة، بشبهة تأييد تنظيم "داعش". إضافة إلى حملة استدعاء واعتقال إداري لشبان مقدسيين، شنتها قوات أمن الاحتلال الإسرائيلي في القدس على مدار الشهر الماضي.

في المقابل، تسعى الحكومة الإسرائيلية وفق توصيات خبراء عسكريين وأمنيين، إلى اتباع سلسلة إجراءات لاحتواء الفلسطينيين على المستوى الشعبي، في الضفة الغربية والقدس وأراضي الـ48، خلال شهر رمضان. وذلك عبر منح تأشيرات و"تسهيلات" الدخول من أراضي الضفة الغريية إلى القدس والمسجد الأقصى.

أما في القدس، فتتضافر جهود جيش الاحتلال مع بلديته في المدينة، على خلق أجواء رمضانية برعاية إسرائيلية في المراكز الجماهيرية شرقي القدس، منها فعاليات ثقافية وأمسيات رمضانية، فضلا عن تزيين بعض الواجهات والشوارع في المدينة، وإقامة كرنفالات احتفالية للأطفال، وفسح المجال لأصحاب البسطات المقدسيين في نصبها في ساحة باب العامود - على خلاف نهج العام الماضي حين نصبت قوات الأمن الإسرائيلية سواتر حديدية فيه - وتسهيل الحركة التجارية في المدينة؛ مما يُظهر ذلك القدس، كمدينة "إسرائيلية" متعددة الأديان والثقافات. كما سبق ذلك في القدس، قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بتجميد قرار إخلاء أربع عائلات فلسطينية من بيوتها في حي الشيخ جرّاح، في محاولة ذات مسوح أمنية أكثر مما هي قضائية، من أجل نزع فتيل كل ما يمكنه له تثوير الناس في هذا الشهر.

الحكومة بلسانٍ عربي

من على صفحة حسابه الخاص، أطل النائب في الائتلاف الحكومي عن القائمة الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية)، منصور عباس، مخاطبا مجتمعنا العربي في الداخل، مستغلا حلول رمضان، ومستهلا حديثه عن ضرورة التحلي بالمسؤولية والهدوء ونبذ العنف على "كافة أشكاله".

من الطبيعي، ألا يأت عباس على ذكر سياسات حكومة الدولة العبرية، وممارستها تجاه الفلسطينيين، وذلك لأنه ممثلا للحكومة قبل كل شيء. وهذا ما علينا فهمه، في: ماذا يعني أن يكون عربٌ جزءا من ائتلاف حكومي والسلطة التنفيذية في دولة إسرائيل!! لأن الدخول في ائتلاف أي حكومة، يعني التزام ببرنامجها الذي يعمل تحت سقف هوية الدولة ومسلّماتها لا عليها. وفي ظل يهودية دولة إسرائيل وجوهرها الصهيوني، لا يمكن لأي حكومة فيها أن تكون إلا نقيضا لنا ولوجودنا كفلسطينيين في هذه البلاد.

في قوله: "فالأحداث الدامية التي مرت بها البلاد في الأونة الأخيرة أفزعتنا جميعا"، لم يقصد عباس بالفزع ذلك المتصل بالجريمة، التي باتت تفكك وتفتك بمجتمعنا العربي في البلاد، وبإشراف أجهزة أمن حكومات دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة، وآخرها حكومته التي يمثلها؛ إنما يقصد منصور عباس، ذلك العنف الذي طاول هذه المرة "ضحايا يهود". وبالتالي، وجد من واجبه بحكم موقعه الحُكومي، وموقفه المتأسرل، أن يدعو وبلغة دعوية مدرب عليها جيدا بحكم خلفيتة الإسلامية، إلى الهدوء والصُلح ونبذ العنف والتحريض، في محاولة من الواضح أنه دُفع إليها وبشكل مدروس، من أجل شراء الهدوء في ظل شهر رمضان.

تظل سياسة "الاحتواء" تقنية تتقنها دولة إسرائيل على هامش نهجها المُمأسس على العنف والقصر والإحلال في هذه البلاد منذ قيام الدولة على أنقاض مدن وقرى شعبنا. ولأن رمضان، عدا عن كونه شهر الصوم والتعبد، فقد بات في السنوات الأخيرة موسمًا مثوّرًا للفعل المناهض، يستردُ فيه مجتمعنا العربي بعض موارده الاجتماعية - التكافلية، التي تُثابر إسرائيل على نزعها منه، مما يدفع الدولة العبرية، إلى أن تقترح علينا رمضانا يحمل توقيعها.

التعليقات