16/04/2022 - 08:58

"حُرِّية العِبادة حقٌ للجميع"...

تدّعي سلطات الاحتلال ائتلافًا ومعارضة، أن قواتها الأمنية تتدخّل لإتاحة حرّية العبادة لجميع أبناء الطوائف، في محاولة لتضليل الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، لتظهرَ سلطات الاحتلال نفسها مدافعة عن حرية العبادة، فهي ليست ضد صلاة المسلمين في المسجد الأقصى

(Getty Images)

تدّعي سلطات الاحتلال ائتلافًا ومعارضة، أن قواتها الأمنية تتدخّل لإتاحة حرّية العبادة لجميع أبناء الطوائف، في محاولة لتضليل الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، لتظهرَ سلطات الاحتلال نفسها مدافعة عن حرية العبادة، فهي ليست ضد صلاة المسلمين في المسجد الأقصى، ولكن في الوقت ذاته فمن واجبها الدفاع عن حق اليهود بأن يصلوا فيه، أي أنّ المسلمين المتعصّبين هم الذين يواجهون الراغبين بالصلاة من اليهود بالرّفض والعنف، وذلك للإيهام بأن القضية ليست قضية احتلال للمدينة، بل إن ما يجري هو خلاف على مبدأ ليبرالي منفتح تمثله إسرائيل التي تسمح بحرية العبادة للجميع، وبين التعصب الإسلامي الرافض لهذه التعدّدية.

الحقيقة التي تحاول تزييفها، هي أن الهدف الأوّل لهذه الاقتحامات ليس الصلاة والعبادة، فصّلاة اليهود متاحة وتقام في الجانب الآخر المسجد على حائط البراق، منذ عام 1967 ولليهود فقط، وإذا كان الهدف الصلاة فلماذا داخل الأقصى نفسه؟

إذًا فالهدف من اقتحامات الأقصى ليس الصّلاة، بل فرض القرار السّياسي في السّيطرة المادية والروحانية على المكان، سواء في القدس أو غيرها من المدن والأرض الفلسطينية، ولو كان ما يزعمونه عن حرّية العبادة صحيحًا، فلماذا لا يُسمح للمسلمين والمسيحيين بإقامة شعائرهم الدينية في عشرات المساجد والكنائس في القُرى المهجّرة والمدن المختلطة، على سبيل المثال لا الحصر في طبرية وصفد والمنشية في عكا ويافا والبصّة ومعلول والطنطورة وغيرها! ولماذا تحوّل بعضها إلى خمارات أو إلى دكاكين ومعارض للفنون؟ في قيسارية وصفد ويافا مثلا؟ أو إلى كنيس مثل مسجد العفولة؟ أو حظيرة أبقار كما في البصّة وفي البروة!

من يدّعون الدفاع عن حرّية العبادة أزالوا مقابر وبنوا فوقها مواقف سيارات مثل مقبرة الطنطورة، أو جرّفوا أجزاءً منها، مثل مقبرة الإسعاف في يافا، واليوسفية ومأمن الله في القدس، وجانب من مقبرة القسّام في بلد الشيخ شرقي حيفا وغيرها الكثير، وأزالوا من الوجود عشرات المقابر في القرى المهجّرة، أو يمنعون زيارتها وحتى تنظيفها.

الهجوم على الأقصى حلقة مهمة من سلسلة السّيطرة على المكان، مثلها مثل طرد السّكان في النقب، والهدف هو إبعاد أصحاب المسجد عنه، من خلال عرقلة وصولهم إليه، واختلاق الصدامات معهم، ومعاقبتهم لمجرد تمسّكهم به، بهدف تقليص أعداد الوافدين إليه، وخصوصًا في شهر رمضان الفضيل، ويبدو أن مشهد مئات الآلاف يؤمّون المسجد، يثير حفيظتهم ذات الليبرالية وتعدّدية حرية العبادة.

أفلام الفيديو تُظهر مدى حقد رجال الشّرطة، وهم ينهالون ببهيمية خالصة بالهراوات على نساء وصحافيين ومسنين لا ذنب لهم، سوى أنهم موجودون في المكان الذي يدور الصراع من حوله، فكل من يزوره مشبوه ومتّهم ويتلقى أوامر من جهات متطرّفة، كذلك تظهر استهتارهم في المكان المقدس، وهم يلقون مئات قنابل الغاز والقنابل الصوتية داخل المسجد، ثم دخوله بأحذيتهم النّجسة، فلا حرية عبادة هي همهم ولا يحزنون، ولا يشغلهم سوى كسر شوكة الشباب الفلسطيني الذي يحضر إلى المسجد، كي لا يبقيه غريبًا ووحيدًا.

جوهر الصِّراع ليس بين الديانات، ولا بين ليبرالي ومتعصّب، ولا بين عنيفين ومسالمين، إنّه الصراع على المكان، والصراع على الأقصى واحدة من أهم حلقات هذا الصراع وأكثرها حساسية.

سوف تستمر محاولات تهويد القدس بكل أحيائها داخل وخارج الأسوار، وسوف تستمر محاولات إخفاء وطمس الملامح ذات الطابع غير اليهودي وحذفها من الوجود، وسوف تستمر الاعتداءات على الأقصى وعلى المصلين فيه.

بعدوانيّتها وأطماعها، دفعت الحركة الصهيونية الصّراع إلى متاهات مظلمة جدًا، وبات من المستحيل الخروج منها أو رؤية الضوء في آخر النفق، فهي لم تترك خيارًا لأي حل سوى مواصلة التنكر لوجود الشّعب الفلسطيني وحقوقه، والسّيطرة على كل مقدراته المادية والروحانية بالدهاء أو بالقوّة السافرة، وبهذا تدفع الشعب الفلسطيني إلى موقع لا خيار له فيه، سوى أن يستمر في المقاومة دفاعًا عن وجوده في وطنه، ومما لا شك فيه، أن الفلسطينيين دفعوا ومستعدّون لأن يدفعوا ثمن وجودهم وبقائهم في وطنهم، مهما طال الصّراع، ومهما بلغت التّضحيات، لأنه ما من خِيار آخر.

نعم، حرية العبادة حقٌ للجميع في كل مكان وزمان، ولكن ليست بالطريقة التي يفرضها الاحتلال.

التعليقات