30/04/2022 - 15:29

عن أوهام الكُتّاب والكِتابة...

يحتاج الكاتب الجديد إلى ملاحظات تساعده في تلافي الأخطاء الفنية، مثل الحذف أو الإضافة، هذا يفعله الكتّاب الكبار ولا يخجلون منه، وكثيرًا ما نرى شكرًا منهم لأولئك الذين قدَّموا لهم ملاحظات قبل النشر.  

عن أوهام الكُتّاب والكِتابة...

توضيحية (Getty Images)

يعيش الكثير من كُتّابنا حالات من الوهم، يبنونها حول أنفسهم، ثم يصدِّقونها، هذا يؤدي بهم إلى الوقوع في أخطاء كبيرة.

أحد المطبَّات التي يقعون فيها هو الكتاب الأول، فهنالك رغبة قوية جدًا لدى الكاتب بإصدار إنتاجه الأول، فلا يعود إلى رأي ناقد أو قارئ محترف أو حتى إلى مدققٍ لغوي، فيسرع في نشر كتابه، وكأنها أمنيته الأخيرة قبل نفاد سنين عمره، علمًا بأنه قد يكون في العشرينات من عمرع، فيصدر كتابه الأوّل، مع كثير من الأخطاء القواعدية والإملائية التي كان بالإمكان تجنّبها، ناهيك عن القصص أو الأشعار أو الحشو الذي كان أولى بالحذف.

يستشير بعض الكتّاب من سبقوهم في هذا المجال، ولكنهم لا يمهلون "المستشارين" وقتًا كافيًا للمراجعة، فهم يريدون من المستشار أن يتفرَّغ فورًا لكتابهم، وقبل أن يتلقُّوا أي ملاحظة يحوِّلون الكتاب إلى المطبعة، ثم يكتشفون تسرُّعهم متأخِّرين.

يحتاج الكاتب الجديد إلى ملاحظات تساعده في تلافي الأخطاء الفنية، مثل الحذف أو الإضافة، هذا يفعله الكتّاب الكبار ولا يخجلون منه، وكثيرًا ما نرى شكرًا منهم لأولئك الذين قدَّموا لهم ملاحظات قبل النشر.

لا يمرُّ شهر إلا ويصلني كتاب: أريد رأيك بصراحة، أرجوك لا تجاملني! أعرف أنك لن تغشّني، ولهذا توجَّهت إليك! تسعدني هذه المسؤولية، ولكن فلنأخذ الملاحظات بجدِّية، وإذا كنت مقتنعًا بوجهة نظرك فناقشها على الأقل!

البعض يتقبَّل النصيحة، والبعض لا يلقي لها بالاً ويتسرَّع في النشر.

وصلني كتاب قبل عام من كاتب غير معروف بتاتًا، طبعه على حسابه، في مجموعته قصص أستطيع القول إنَّ بعضها جيّد جدًا بالنسبة إلى كاتب في العشرين، أراهن على إبداعه، ولكنَّ المؤسف بالفعل، أنه لم يعط كتابَه لأحدٍ للمراجعة، فوقع في كثير من الأخطاء الإملائية والقواعدية التي كان يمكن تلافيها، إضافة إلى بعض الحشو في بعض القصص الذي يضعفها.

بعد إصدار عددٍ من الكُتب، يهدأ الكاتب، ويدرك أن التسرُّع في الإصدار، قد يسيء إليه أكثر مما يفيده، وأن تأخير عام، أفضل من إصدار ضعيف أو متوسِّط المستوى.

يهتم بعض الكتّاب بطول الرواية، ولكن قيمة الرواية ليست في عدد صفحاتها، فالرِّواية التي أشهرت الروائي المميَّز يحيى يخلف "نجران تحت الصفر" لا تتجاوز المئة صفحة من الحجم الصغير، ومثلها "تلك المرأة الوردة" و"تفاح المجانين" للروائي نفسه، كذلك "الشيخ والبحر" لآرنست همنغواي، و"الأجنحة المتكسِّرة" لجبران خليل جبران، قصيرة نسبيًا.

روايات غسان كنفاني متوسطة أو أقل من متوسطة الحجم، "رجال في الشمس و"عائد إلى حيفا" ولكنها خالدة.

نرجسية الكتّاب معروفة وليست جديدة، وهذا طبيعي، فالكتابة في الأساس، لها دوافعها النفسية، مثل الفنون الأخرى كالرَّسم والموسيقى والرغبة في التميّز، وقد تكون نوعًا من الحفاظ على التوازن النفسي، أي أنها كتابة علاجية للكاتب نفسه.

أحد كتابنا الراحلين تُرجمت قصة قصيرة له إلى الروسية في زمن الحقبة الشيوعية، وحدث أن شارك في وفد من بلادنا إلى الاتحاد السوفييتي، فطاف باحثا في المكتبات العامة، ظنًا منه أن القراء في موسكو واقفون في الدور لاقتناء قصته، ثم أظهر دهشته واحتجاجه لزملائه الكتّاب، لعدم توفر قصته في المكتبات.

أطرف ما حدث لي مع أحد كتّاب قصص الأطفال المحليين، أن أبديت له بعض ملاحظاتي عن تسرُّعِه في نشر بعضها، وبدلاً من تقبُّل النقد، همس لي بأنَّ قصصه مطلوبة جدًا في اليمن!

- في اليمن؟!رددتُ مستغربًا.

- نعم في اليمن!

- يا ويلك من الله على هالحكي!

بعض كتابنا يدفعون ثمن الكتاب والطباعة كاملاً لدور نشر في مصر أو في الأردن، ظنًا منهم أن طباعة كتاب في دولة عربية، تعني أنهم سيقفزون إلى الشُهرة، ثم يكتشفون الحقيقة، بأنهم خُدعوا ودفعوا نقودهم دون أيِّ مردود معنوي حقيقي، لأنَّ بعض دور النشر لا تهتم بالنوعية ما دمت تدفع ثمن كتابك وأكثر!

أحد هؤلاء الكتَّاب عمل "كبسية" على دار النشر، وبحث عن كتابه، فلم يجده بين المعروضات، ثم اكتشف أن ما طُبع منه 10% من الكمية المتفّق عليها، وهذه في المخزن يعلوها الغبار.

لا أنزِّه نفسي، فبعض ما نشرته خصوصًا في البدايات، كان ممكنًا أن أحسِّنه لو لم أتسرّع في نشره. قيل في المثل، الشاطر يتعلم من كيس غيره، بينما يتعلّم الأحمق من كيسه.

التعليقات