16/05/2022 - 20:33

"حلقات استقبال" في ذكرى النكبة

جدتي فطوم الترتير، كانت المرأة الأولى التي روت لي تفاصيل تهجيرها ونزوحها ولجوئها من اللد هي وأمها وشقيقاتها وأشقاءها عندما كانت تبلغ 8 سنوات من العمر. حيث تركوا بيتهم وأرضهم واللد بلدهم قسرا، ليتهجروا مشيًا على الأقدام إلى مخيم الأمعري

جدتي فطوم الترتير، كانت المرأة الأولى التي روت لي تفاصيل تهجيرها ونزوحها ولجوئها من اللد هي وأمها وشقيقاتها وأشقاءها عندما كانت تبلغ 8 سنوات من العمر. حيث تركوا بيتهم وأرضهم واللد بلدهم قسرا، ليتهجروا مشيًا على الأقدام إلى مخيم الأمعري في رام الله، نزحوا من اللد إلى مكان آخر واعتقدوا أن والدهم قد استشهد. كنت أجلس بجوارها بشكل دائم مطالبة منها أن تروي كيف تم تهجيرهم، وكيف نجحوا في العودة إلى اللد، وكيف وجدوا بيتهم وكان قد سُرق وصودر منهم، وكيف وجدت والدها وكيف عاشت في اللد حتى آخر يوم في حياتها في العام 2013.

كان يهمني دائمًا أن أسمع من النساء عن تجربتهن منذ النكبة وحتى اليوم، يهمني أن ألتقي بنساء فلسطين من كل مكان، وأن تروي لي النساء بنفسها عن احتلال فلسطين ونكبة شعبنا المستمرة، وعن نضالنا الفلسطيني، وعن نضالهن بالتحديد.

ويهمني أن تكبر بناتنا وأبناؤنا واعين ومدركين للرواية والقصة، وأن نقوم نحن بتوثيقها لتبقى الرواية حاضرة وموجودة ولنبقى شاهدات جيل بعد جيل حتى تحرير فلسطين وعودة كل اللاجئات واللاجئين.

أقمت وأسست مشروع "حلقات استقبال" في نهاية العام 2017، بعد أن عرفت وسمعت عن عادة خاصة للنساء الفلسطينيات ما قبل النكبة تُدعى "حلقات استقبال". حظيت بأن أعرف ذلك في العام 2016 خلال دورة شاركت بها لجمعية "ذاكرات (زوخروت)" وكان عنوانها "نساء فلسطينيات: تاريخ وذاكرة" قدمت في إطارها نساء باحثات ومحاضرات مهمات في التاريخ الفلسطيني أبحاثهن حول حياة النساء في فترة ما قبل النكبة، وعُرضت شهادات لنساء من أماكن مختلفة في فلسطين. من بين الشهادات كانت وجود عادة تُسمى "حلقات استقبال" وجدتها في بحث د. منار حسن عن "النساء في المدينة الفلسطينية".

(ما قبل النكبة "حلقات استقبال" كانت عادة للنساء الفلسطينيات ما قبل النكبة وتمت إعادتها في نهاية العام 2017. في فترة ما قبل النكبة اعتادت النساء في لقاء بعضهن البعض أسبوعيًا أو شهريًا وتم الاستقبال في بيت إحداهن، وذلك لخلق مساحة خاصة بهن. في إطار هذه المساحة تبادلت النساء بينهن الخبرات والمعلومات، ناقشت قضايا ومقالات سياسية واجتماعية، عزفن الموسيقى وتبادلن مواهب ومهن أخرى مثل التطريز).

عند احتلال فلسطين تم تهجير وتشريد شعب كامل، وحلقات استقبال دُمرت ولم تعد قائمة كما عادات ثانية أخرى، كما نُهب ودُمر الأرشيف.

لفترات ومراحل مختلفة في حياتي سمعت من النساء عن حياة شعبنا وحياتهن قبل النكبة وما كانت تعمل وتقوم به حتى الاحتلال، وشعرت في الحسرة والغصة لتفاصيل كثيرة لم أعرفها ولحياة كاملة عاشها شعبي وتم "اغتيالها".

ولهذا قررت أن أعيد "حلقات استقبال"، لتكون وتبقى حاضرة وألا تكون تاريخا وذاكرة وحسب، وذلك لنعيد ما كانت تقوم به نساؤنا الفلسطينيات وشعبنا الفلسطيني أجمع. لنتواجد في كل فلسطين، ولنسمع الرواية من النساء اللاتي ما زالت معنا، منذ النكبة وحتى اليوم، ولنوثق الرواية من منظور النساء، ولنعزز التواصل بيننا ولنستعيد الحيز العام ونتواجد به. ولتبقى هذه الرواية للجيل الذي سيكمل هو المسيرة، ولنكمل نحن اليوم عادات وتفاصيل وحياة شعب يعيش النكبة والنزوح كل يوم. ولأشعر بأنني نجحت في إعادة ما قامت به نساء شعبي العظيم رغم وجود الاحتلال وتهجير وتشريد وقتل جيل آخر من أماكن مختلفة في فلسطين.

لشعب سرُق ونُهب ودُمر أرشيفه لمحو قصته ووجوده وتاريخه، قام مشروع "حلقات استقبال" لنحفر في وعي كل واحدة وواحد منا، الرواية الفلسطينية من خلال توثيق نسوي سياسي وطني فلسطيني.

منذ تأسيس "حلقات استقبال" في 17.11.2017 وحتى اليوم نقوم في تنظيم جولات نسوية سياسة في مدن وقرى فلسطينية لتوثيق الرواية الفلسطينية من منظور النساء، كما ننظم أياما تطوعية في البلدات التي تستقبلنا، وندوات وحواريات.

أدعوكن للمشاركة معنا في ذكرى النكبة المستمرة، وفي الذكرى الأولى لهبة الكرامة واستشهاد موسى حسونة من اللد ومحمد كيوان من أم الفحم، للمشاركة معنا في جولتنا لأم الفحم في يوم 21 أيار/مايو لنلتقي مع نساء فلسطينيات من أجيال وتجارب مختلفة، لنتعلم منهن الرواية الفلسطينية ونضالات شعبنا في أم الفحم، ونضالهن كنساء بشكل خاص.

التعليقات