23/05/2022 - 11:02

إما نهضة وطنيّة وإما انتكاسة

تشهد المرحلة الراهنة على وجه التحديد انتكاسةً خطيرةً للغاية في هيبة العمل السياسي العربي الفلسطيني في الداخل. المطلوب مشروع إنقاذ وطني حقيقي ومتفق عليه بين القوى المعنية بالعمل البرلماني وغير المعنية به، وعدم اقتصار ذلك على الأحزاب والحركات السياسية المنظّمة،

إما نهضة وطنيّة وإما انتكاسة

غيداء ريناوي زعبي ورؤساء سلطات محلية عربية بعد لقائهم بلابيد

تشهد المرحلة الراهنة على وجه التحديد انتكاسةً خطيرةً للغاية في هيبة العمل السياسي العربي الفلسطيني في الداخل.

والهيبة هي شأن مهم، لأن الوزن المعنوي للسلوك السياسي هو مركّب ضروري وأساسي في المواجهة مع دولة تسعى بكل منظوماتها إلى تخريب وعينا، وإلى هدم ما راكمته جماهير شعبنا من إنجازات في طريقها الكفاحي على مدار سبعة عقود ونصف، وإلى إعادة هندسة "العربي الجيد" والمَرْضيّ عنه صهيونيًا، بحلّة تلائم العام 2022. كل ذلك لخدمة مخططات هذه الدولة العدائية تجاه شعب فلسطين.

لا أمتلك العصا السحرية، كما لا يمتلكها أحد، بل تمتلكها فقط جماهير الشعب مجتمعة، وقد أعادت الاعتبار لإرادتها الكفاحية؛ وكي تتمكن من ذلك، فإنّ الطريق ليس سهلًا لكنه ممكن، وهو بالأساس حراكي تنظيمي وخارج فقاعات العالم الافتراضي مثل "فيسبوك،" التي باتت مساحات واسعة منها تشكّل منصّة للإحباط ووضع كل القوى السياسية في خانة واحدة. وقد سمعنا عدة أصوات وطنية تهلل لخطوة عضو الكنيست غيداء ريناوي - زعبي في أيامها الأولى، ولا تراجع موقفها بعد أن انكشفت فجاجة اللعبة لمن لم يرِد أن يراها منذ بدايتها.

لو كانت الحالة الوطنية مشرقة، ما كان من المعقول أن تنشغل جماهير شعبنا بقرار عضو كنيست عربية فلسطينية في حزب "ميرتس" الصهيوني بأن تخرج عن ائتلاف بينيت الصهيوني، ثم تتراجع كما كان متوقعًا منذ لحظة إعلانها الأولى. وليس مفروغًا ضمنًا أن يمتلك الائتلاف الصهيوني الحكومي وحلفاؤه (العرب الفلسطينيون) السهولة في تجنيد رؤساء بلديات وسلطات محلية عربية ينتفضون لحماية الائتلاف الإسرائيلي الحاكم. إننا بصدد مشهد تبخيس وضعيتنا كفلسطينيين، وتبخيس أخلاقيات السياسة المتوخاه من جماهير شعب تواجه منظومة عنصرية استعمارية تهويدية الأكثر عدوانية.

لقد باتت الحركة الوطنية بمجمل تياراتها مهدَّدة، وفي وضع حرج وخطير، وتتحمل تياراتها الرئيسية وبالذات المعنية بالعمل البرلماني، مسؤولية جوهرية عن التدهور الحاصل، لكن لا مكان لليأس، بل الحاجة حقيقية إلى تحرّك للإنقاذ الوطني. ومهما كانت الانتقادات على الأحزاب والحركات الوطنية، وحصريًا على القائمة المشتركة ونوابها، صحيحة وجديرة وضرورية، إلا أننا لم نصل إلى وضع نساوي فيه بين التيارات الوطنية وبين من اختار طريق الاندماج ضمن الائتلاف الصهيوني الحاكم وعلى هامشه.

فمن الغبن أن نساوي بين من تواجدوا مع أهالي الشيخ جراح في معركة الصمود، وبين من غابوا ولم يواجهوا ائتلافهم الحاكم؛ أو بين من وقف مع الأقصى وبين من قام بلعبة "تجميد" عضويته في الائتلاف ليتراجع عنها بسرعة البرق فيما الزحف الصهيوني الاحتلالي على الأقصى يتصاعد بوتيرة غير مسبوقة؛ أو بين من شارك في مسيرة الشهيدة، شيرين أبو عاقلة، وساند الأهل والشعب وواجه الرأي العام الإسرائيلي العنصري الدموي، وبين من اعتبر استشهادها "وفاتها المؤسفة". والقائمة طويلة ولا تنتهي، فليس الأمرين سيّين.

للأسف، فإن التيارات الوطنية المركزية لا تتعامل مع المأزق بجدية كافية، وقد نكون بلغنا حالة بأنها لم تعد قادرة على مراجعة ذاتها، أو أن تكون مرجعية. تستطيع التيارات الوطنية الممثلة في الكنيست أن تسلك طريق النعامة وتغطّ رأسها في الرمل، سعيًا إلى توخّي ركود العاصفة وهدوئها؛ لكنها إذا فعلت ذلك، فسوف تستفيق وقد فات الأوان لتجد أن التطورات قد تجاوزتها، وقد تكون أقرب إلى الانتحار السياسي.

ليس المطلوب من القائمة المشتركة أن تجاري القائمة الموحدة وعرب الحزبين الصهيونيين "ميرتس" و"العمل" في نهجهم؛ فالجميع يدرك أن أي إنجاز حققته جماهير الشعب الفلسطيني في تاريخها لم يحصل إلا بقدر ما ناضلت من أجله ميدانيا وشعبيًا. وإن أرادت المشتركة أن تكون متميزة، فالتميّز السياسي الأخلاقي والمعنوي هو الأساس.

وبقدر ما تكون قوية شعبيًا، وبرلمانيًا أيضًا، فإن تأثيرها يزداد وليس بقدر قربها للائتلاف الصهيوني الحاكم، لا لرئيس حكومتهم ولا للرئيس البديل ولا لرئيس المعارضة. في المقابل، فإن التيارات المناهضة للعمل البرلماني تعيش أزمتها هي الأخرى، ولا تطرح بدورها أي مشروع حقيقي وتنفيذي يفيد باتجاه إحداث نهضة وطنية والتخلص من المأزق المسيطر على مجمل الثقافة السياسية في الداخل حصرًا، والفلسطينية بوجه عام، حتى ما كان ذات يوم من مساع واجتهادات لإعادة بناء لجنة المتابعة والانتخاب المباشر وتعريف العلاقة مع حركة شعبنا للتحرر الوطني، قد صمتت.

وإلى الذين يلوّحون بفزّاعة عودة نتنياهو للحكم ولتحالفه مع الحزب الفاشي "عوتسما يهوديت" برئاسة بن غفير؛ فأولًا، بن غفير لا يخيف شعبنا، بل أن بينيت ولبيد وغانتس ونتنياهو جميعهم أقوى منه، وأكثر عدوانية منه، وأكثر خطورة منه. ثانيًا، أن عودة الليكود للحكم لا يمكن أن تكون من خلال بن غفير، بل تحتاج إلى مركبات في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم اليوم بمن فيهم "الموحّدة" وأحزاب "اليسار" الصهيوني وعربها.

فتعود إلينا حكمة العرب القديمة "ومن يهُن يسهل الهوانُ عليه..."، ومن يدخل هذا الائتلاف الصهيوني يسهل عليه الانضمام إلى ائتلاف صهيوني آخر أيًّا كان.

باعتقادي أن المطلوب وطنيًّا اليوم هو وبخطوط عريضة:

- مشروع إنقاذ وطني حقيقي ومتفق عليه بين القوى المعنية بالعمل البرلماني وغير المعنية به، وعدم اقتصار ذلك على الأحزاب والحركات السياسية المنظّمة، بل ومن معظم الاجتهادات والحَراكات المعنية.

- ولو استنهضت القوى الوطنية حالتها وبلورت مشروعًا نهضويًا، فسوف تتوفر الشروط لكي لا يكون أي نائب عربي في حزب صهيوني، وأن لا ينضم أي حزب عربي إلى أي ائتلاف صهيوني حاكم. وفي حال توفرت الشروط لقيام حركات جديدة لتدفع بهذا الاتجاه، فليكن!

الكرة في ملعب القوى الوطنية المنظمة وغير المنظمة، وفقط في ملعبها.

اقرأ/ي أيضًا | عن مصيَدة التحقيق

التعليقات