09/06/2022 - 16:10

"فشل التجربة"

القائمة الموحدة ربّما لم تدرك، أو هي أدركت بتفاوت بين أعضائها، أن إسقاط القضيّة الوطنيّة، أو مقايضتها ببضع ملايين أو حتى مليارات على الورق، يعني إسقاط الكرامة الوطنيّة والشخصيّة، وتحويل أعضائها إلى مجرّد أرقام تُعدّ وأصابع تُرفع لتمرير قوانين الفصل

(geety images)

هناك حاجة لقدر كبير من الوقاحة، للتوقُّع من أعضاء الكنيست العرب بالذات، أن يدعموا قوانين تكرّس الأبرتهايد في الأراضي المحتلّة، وتشرعِن دونيّة وضعيّة إخوانهم الفلسطينيين في نظام الدكتاتوريّة العسكريّة الإسرائيليّة، وتنظيم امتيازات المحتلّين المدنيين.

في المقابل، هناك حاجة لقدر كبير من الذلّة من قِبل أعضاء كنيست عرب، للاستعداد لدعم هذا المطلب الوقح ومطالب وقحة أخرى، على غرار قانون المواطنة وقانون الأبرتهايد في التعليم، وغيرها من قوانين الفصل العنصريّ، التي حوّلها انضمام القائمة الموحدة إلى الائتلاف الحكوميّ لدولة الاحتلال إلى مجرّد "التزامات ائتلافيّة"، أصبح معها دعم مجمل الأنظمة والقوانين والقرارات التي تنظِّم سياسة الاحتلال والاستيطان والعدوان والمصادرة وهدم البيوت، ضدّ شعبنا على جانبَيّ الخطّ الأخضر؛ مسألة إجرائيّة ترتبط بتنفيذ الاتفاق الائتلافيّ، وعليه فإنّ عضو الكنيست العربيّ، الذي ارتضى بأن يكون في قائمة وقّعت على هذه الاتفاقات الائتلافيّة، ثمّ صوّت ضدّ أحد هذه القوانين لأّن ضميره "نغزه"، يكون قد ارتكب "جُرْمَ" الخروج عن هذه الاتفاقيات، ويجب إعادته إليها.

وإذا كان الخلَل في اتفاق ائتلافيّ وقّعته قائمة عربيّة أسقطت القضيّة الوطنيّة بعناوينها المختلفة؛ من احتلال واستيطان، وهدم بيوت، ومصادرة أرض، وعدوان عسكري، واعتداءات بوليسية على الفلسطينيين أينما كانوا، وهي تدرك أنّ تلك العناوين تقع في صُلْب السياسة الإسرائيليّة، وتعتبر شغلها اليوميّ، وأن أعضاءها في الكنيست سيصطدمون بها في كلّ يوم وكلّ ساعة، وعليهم أن يضعوا ضميرهم ووجدانهم وأحاسيسهم الوطنيّة والإنسانيّة في ثلاجة حفظ الموتى، ليتمكّنوا من رفع أصابعهم كلّ مرّة من جديد، لتمرير أبشع وأحطّ سياسة عرفها العصر الحديث، ضدّ شعب هو شعبهم، وأرض هي أرضهم، ومقدّسات قدسهم وقبلتهم الأولى.

القائمة الموحدة ربّما لم تدرك، أو هي أدركت بتفاوت بين أعضائها، أن إسقاط القضيّة الوطنيّة، أو مقايضتها ببضع ملايين أو حتى مليارات على الورق، يعني إسقاط الكرامة الوطنيّة والشخصيّة، وتحويل أعضائها إلى مجرّد أرقام تُعدّ وأصابع تُرفع لتمرير قوانين الفصل العنصريّ والأبرتهايد، وهو أمر مفروغ منه بالنسبة لعرب الأحزاب الصهيونيّة، أمثال غيداء ريناوي- زعبي، لا يحتاج إلى موافقتهم المسبقة لأنّهم ارتضوا الانضمام إلى حزب صهيونيّ، فقد سبَق أن صوّت بعض هؤلاء في الزمن الغابر مع تمديد وإطالة عُمْر الحكم العسكريّ الذي كان مفروضا علينا حتى عام 1966، بينما خرج بعضهم عن هذا "الناموس"، والتحقوا بصفوف شعبهم الذي كان غفورا رحيما.

عليكَ كعضو كنيست عربيّ قايض على قضيته وكرامته الوطنيّة، أن تصوّت ضدّ شعبك وضدّ قضيتك ذليلا صاغرا، دون "حمد أو شُكْر"، بل ووسط استعلاء وعجرفة شاكيد وساعر، وحتّى "اليساريّ" هوروفيتس، الذين يصرّون على ألّا يحفظوا لك "ماء وجهك" أمام شعبك، ويعاملونك معاملةَ "اخدمني وأنا سيدك"، وكلّ ذلك مقابل بضعة شواكل لن تحصل عليها في نهاية النهار، لأنّ مصافي البيروقراطيّة و"الشفافيّة" و"الإدارة السليمة" و"القانون"، تتوحّد جميعها في خدمة السياسة العنصريّة التي ستحول دوما دون وصول الميزانيّات المستحقَّة للعرب، حتى لو كانت مُغَمَّسة بالذلّ.

لقد "فشلت التجربة" كما لخّص نير أورباخ، مخلِّفة "بطلا تراجيديًّا آخر" هو منصور عباس، الذي سقط على هذا الطريق، ممرّغا بغبار الذلّ والمهانة. سقطت التجربة بقانون الأبرتهايد الذي يعبِّر بصدق عن الواقع السياسيّ القائم على جانبَيّ الخطّ الأخضر، ونظام الفصل العنصريّ القائم على أفضليّة العرق اليهوديّ، والذي لا يشكّل الفلسطينيّ فيه شريكا متساويا حتّى لو سمّى نفسه عربيًّا إسرائيليًّا، ودعَمَ حكومة يرأسها رئيس مجلس الاستيطان السابق، وهو لن يحصل على حقوق مدنيّة متساوية، حتّى لو تنازل عن قضيّته الوطنيّة وحقوقه الجماعيّة، بل سيخسر نفسه وكرامته دون طائل.

أعتقد أنها الضربة القاضية أيضا لنهج "التأثير والتغيير" الذي بدأ مع تشكيل القائمة المشتركة. الضربة التي ستفضي ليس فقط إلى إنهاء حياة منصور عباس السياسيّة فقط، بل جميع من سعوا ودعوا وقادوا هذا النهج الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، وهي تشكّل نقطة بداية الانسحاب من الكنيست كميدان للعمل السياسيّ، والتفتيش عن بدائل أخرى يقع في صلبها بناء مؤسساتنا الوطنيّة، وتشكيل برلمان عربيّ.

التعليقات