14/08/2022 - 11:55

سلمان رشدي ورائد صلاح

قام شاب أميركي من أصل لبناني بحسب مصادر أميركية بطعن الكاتب الروائي، سلمان رشدي، خلال مؤتمر صحافي في حفل إشهار جماهيري للكاتب في نيويورك.

سلمان رشدي ورائد صلاح

الكاتب سلمان رشدي (Gettyimages)

قام شاب أميركي من أصل لبناني بحسب مصادر أميركية بطعن الكاتب الروائي، سلمان رشدي، خلال مؤتمر صحافي في حفل إشهار جماهيري للكاتب في نيويورك.

نُقل سلمان رشدي إلى المستشفى للعلاج المكثف، ويحتمل أن يفقد إحدى عينيه.

على الأرجح أن الشاب ابن الثالثة والعشرين عاما الذي طعنه نفَّذ هذا بقرار شخصي وتحت تأثير التحريض الذي تعرض له الكاتب من مختلف التيارات الإسلامية، وكانت أبرزها فتوى آية الله الخميني الذي أهدر دمه قبل ثلاثة عقود، وأعلن عن جائزة بقيمة ثلاثة ملايين دولار لمن يقتله.

إلا أن هذه الفتوى كانت قد ألغيت، وكان رشدي قد أنكر أن يكون قد قصد في كتابه آيات شيطانية شخصية الرسول محمد (صلعم).

لا توجد للرواية ترجمة عربية، فحاولت قراءتها بالعبرية منذ سنوات، ولكنني لم أستطع، فهي مملّة جدًا. النقاش هنا هو حول مبدأ حرية التعبير والإبداع!

أوَّلا، يجب على أي عمل إبداعي أن يبتعد عن المسّ بمشاعر الجماهير المنتمية لأي عقيدة كانت، وبرأيي أن المبدع يستطيع توصيل فكرته مهما كانت في أبعادها من دون المسّ بمشاعر الآخرين ومعتقدهم.

فحرية التعبير لا تعني عدم الاكتراث بمشاعر ملايين الناس، ومن يقرِّر أن يستفز بصورة سافرة، يشبه من يتعرّى من ثيابه في الشارع العام تحت عنوان الحرية الشخصية.

برأيي المتواضع أن سلمان رشدي أخطأ حساباته في طريقة صياغة روايته آيات شيطانية، وأخطأ حتى في عنوانها المستفز، ويبدو لي أنه أخذ بعين الاعتبار هذه المخاطرة، ورجحَت لديه كفة الشُّهرة! ولكن بالتأكيد أنه لم يتوقع فتاوى بالقتل يصدرها زعيم ملايين مثل آية الله خميني.

هل يُفترض بالمبدع أن يأخذ هذه المحاذير بعين الاعتبار؟

أعتقد أن هناك كتابًا ومفكرين أكبر بكثير من سلمان رشدي، ناقشوا معتقدات ومنها الإسلامية وصلب المسيح والتوراة اليهودية وغيرها بصورة أعمق، ولكن بتعقّل ومن دون استفزازات، مثل نجيب محفوظ في رواية "أولاد حارتنا" الذي تعرَّض أيضًا إلى محاولة اغتيال، لكنه لم يكن مستفزًا للجماهير الواسعة، وبقي يتجوّل بحرية في أسواق القاهرة، فالهدف هو توصيل فكرة ما، وليس استفزاز الجماهير.

من ناحية أخرى فإن طعن كاتب أو مفكر أو فنان هو عمل مرفوض من أساسه، ولا مبرِّر له!

برأيي المتواضع أن الأمة الإسلامية وعقيدتها أكبر من استفزازات كاتب أو فنان أو رسام أو سياسي يهاجمها، وبإمكان مفكريها وكتّابها ودعاتها أن يردّوا "بالتي هي أحسن" على أي عمل أدبي أو فنّي بلغة الحوار والإقناع، فالعنف في النهاية يسيء لمن يمارسه، وللجهة التي تحرِّض عليه، ويشوّه الحقيقة البسيطة.

لقد بدا عندما أفتى الخميني فتواه وكأن مليار مسلم في مواجهة شخص فرد بذاته، بينما تبنّى الغرب حمايته وخصص له حراسة خاصة، هذا الغرب نفسه الذي تقوده أميركا، هو الذي لا تستفزه إراقة دماء ملايين الأبرياء، مرة بحجة محاربة الإرهاب ومرة باسم منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومرة باسم الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية ودائمًا في الدفاع عن الاحتلال مهما فعل.

الشاب اللبناني الذي اعتدى على سلمان رشدي، يستحق العقاب مثل أي معتدٍ جنائي، وفي الوقت ذاته يجب على المبدع الحقيقي أن يتجنب استفزاز مشاعر الناس لأي عقيدة كانت، وأن لا يضع نفسه في حرب مع الجماهير، وأن يتجنب التحريض على العنف، وواجبه طرح أفكاره بجمالية دون التدهور إلى استفزاز المشاعر العقائدية لمئات الملايين.

لا ننكر وجود مجموعات تكفيرية تمارس العنف لأتفه الأسباب، ولكنها أقلية في بحر من الجماهير المتسامحة القادرة على التعايش مع مختلف الآراء والأفكار والمذاهب والطوائف والمعتقدات، ومناقشتها أو تركها دون اللجوء إلى العنف.

الشيخ رائد صلاح مرَّة أخرى..

أصدرت وزارة الداخلية بتوقيع الوزيرة أييلت شاكيد أمرًا بمنع الشيخ رائد صلاح من السفر خارج البلاد بحجة خطورته الأمنية. الشيخ رائد مستهدف منذ زمن بعيد، وقد عانى من السِّجن والمنع من السَّفر والإقامات الجبرية، إضافة إلى الاقتحامات المتعددة لبيته ومضايقته وأسرته في حياته الشخصية والتحريض عليه، وجريمة الشيخ رائد الأساسية هي سياسية وليست جنائية ولا أمنية!

فلو كانت هناك دلائل لمخالفات أمنية لقدموها في لوائح اتهام! الحقيقة التي يعرفها الجميع، هي أن ملاحقة الشيخ رائد هي سياسة منهجية، رفضها ويرفضها شعبنا، ويدرك بأنها جزء من الثمن الذي يدفعه أولئك الذين يناضلون ضد العنصرية والاحتلال وسياسة الأمر الواقع.

التعليقات