09/10/2022 - 15:22

العنف المُتاح..

من القضايا الحقّة التي يراد بها باطل، ما يأتي في استفتاءات تكون موجّهة أو في دعايات انتخابية، مثل "ما هي القضية الملحّة التي يجب أن يعمل النواب العرب على حلها؟! العُنف، أم الاحتلال والاستيطان، أم العنصرية، أم التخطيط والبناء!

العنف المُتاح..

مظاهرة ضد العنف والجريمة في سخنين (أرشيف - Getty Images)

هنالك كلمة حق، وهنالك كلمة حق يُراد بها باطل.

من القضايا الحقّة التي يراد بها باطل، ما يأتي في استفتاءات تكون موجّهة أو في دعايات انتخابية، مثل "ما هي القضية الملحّة التي يجب أن يعمل النواب العرب على حلها؟! العُنف، أم الاحتلال والاستيطان، أم العنصرية، أم التخطيط والبناء!

طبعًا الإجابة الأولى هي المنطقية، لأنَّ الاحتلال طويل، والله أعلم كم سيستمر، ولكن العنف حالة يومية مُلحّة نريد التّخلص منها، وفي هذا تلميح وكأن من يتعامل مع قضية الاحتلال لا يسعى إلى حل قضية العنف، بينما الذي تجاهل قضية الاحتلال هو الذي سيحل مشكلة العنف.

هكذا يُظهر الاستبيان، وكأنّ الذين يهاجمون الاحتلال وموبقاته ويضعونه في برامجهم الانتخابية، بعيدون عن هم شعبهم الحالي وهو قضية العنف، وطبعًا هذا تشويه غير بريء للحقيقة.

على هذا المنهاج السّطحي الموجِّه ممكن أن نسأل مثلا، هل تفضل حربًا محصورة بين روسيا وأوكرانيا تستمر لسنوات، أم حربًا عالمية نووية تنتهي فيها الحرب خلال ساعات؟!

طبعا سنفضّل حربًا لبضع سنوات على حرب نووية تودي بالبشرية كلها.

هل تفضل العيش في ظل الدكتاتورية، أم العيش في حرب أهلية يروح ضحيتها مليون إنسان من دون نتيجة؟ لأ، خلّينا على الدكتاتورية أحسن!

من الطبيعي أن يحتل العنف والجريمة مكانة أولى في أي استفتاء، ولكنَّ الخيار بين هذا الموضوع والاحتلال، كأنّ كلَّ واحد منهما في واد، هو باطل.

قرأت في صفحة الاختصاصي النّفسي ومدرب المجموعات المهتم بالشأن الجماهيري الأستاذ عوني كريّم من مجد الكروم تحليلاً عن العنف السّائد في مجتمعنا، وأتفق معه تمامًا في هذا، أحبُّ أن أنقل لكم ما كتبه: "جديدة، المكر، أم الفحم، رهط، الناصرة، كلها أسواق مفتوحة أمام الإجرام .العنف موجود لأنه متاح، وهو ليس وليد خلل قيَمي أو أخلاقي، ولا نتيجة ضعف تربوي أو ثقافي. هو موجود لأنه متاح ونقطة ع السطر. كفاكم تحليلات نفسية واجتماعية وسياسية. قالها قبل أيام رئيس وحدة الشرطة سابقا في منطقة المركز. الشرطة وأجهزة الأمن غير معنية بمجتمعنا منذ سنين، وهي تعاقبنا كأقلية. تعاقبنا لأننا قنبلة موقوتة في نظرهم، وكان لا بد من تفكيكنا بشكل منهجي من خلال إغراقنا بالسلاح.

العنف اليومي كثقافة حياتية هو نقاش آخر لا علاقة له بالعنف الممنهج، نعم مجتمعنا يحتاج إلى تنمية وتمكين إنساني وإلى تغيير سلوكي في عدة مستويات، لكن مرّة أخرى، هذا لا علاقة له بالإجرام. الربط السببي بين العنف اليومي والإجرام المنظم لا يوجد له أي أساس علمي. الأبحاث تقول إن المجرم لا يولد ولا يترعرع في بيئة داكنة بقدر ما أنّه نتيجة تفاعل شخصي داخل مجموعة منظّمة. المجرم لا يعتاش لوحده، المجرم يحتاج إلى بيئة اجتماعية مجرمة. هذه البيئة تسمى مجموعات الإجرام. على فكرة، هذه المجموعات لها نظام قِيمي حديدي، فالحديث السّاذج عن فقدان القيم لا يمت إلى الموضوع بصلة. هي مجموعات مع أنظمة وقوانين وقيم خاصة، وهذا هو سرُّ نجاحها واستمرارها. مرة أخرى، الإجرام تحوّل إلى سوق متاح، وبضائعه كثيرة. الحلُّ غير معقد، التعامل النّدي مع الدولة على أساس ما يحصل لنا ستدفعون أنتم ثمنه، طبعا لا أقصد نقل الإجرام إلى ساحاتهم، أقصد عصيانًا مستمرًا، وجرأة سياسية تعمل على تدويل قضايانا بدلا من الانصهار الكُلي في روايتهم لنا" إلى هنا عن صفحة الأستاذ عوني كريّم.

نعم لا نستطيع عزل العنف عن السياسة، بل إنّ فصلها مفتعل أساسًا، وجاء ليخدم السّياسة والعنف معًا، والسُّلطة لن ترحم مجتمعنا، ما دام أنه يتعامل مع ظاهرة العنف بسطحية، ولا يعطيها الوزن السياسي الحقيقي الذي يكمن وراءها ويخطّط لها وينفّذها.

التعليقات