14/11/2022 - 12:39

قانون القومية ومخطط الضم.. سياسات وانتخابات إسرائيلية

ليس مخطّط الضمّ سرًا مكنونًا، فهذا هو البرنامج السياسيّ المعلن لأحزاب يمينيّة استيطانيّة.

قانون القومية ومخطط الضم.. سياسات وانتخابات إسرائيلية

توضيحية (Getty Images)

شكّل قانون القوميّة مرحلة سياسية جديدة وهامة. يمكننا النظر إلى قانون القوميّة من زاوية "المواطنة"، وتشخيص تبعاته الخطيرة، فعلاً، على حقوق فلسطينيي الداخل، من حيث تكرّيسه الدستوري الطابع لكلّ السياسات التهويدية القائمة في مجال توزيع الموارد والتخطيط والسكن واللغة، وترسيخ التراتبيّة العرقية، وتضييق هامش المناورة القضائي، دون أدنى التزام، ولو كضريبة كلامية، بِقِيَم مثل المساواة وحقوق الإنسان. وهذا كلّه صحيح، لكن بنفس الوقت هذا منظور لقانون القومية يرى فيه، بالأساس، "شأنًا داخليًا"، حتى لو أضيفت إلى نداءات وبيانات التنديد مقولات حول تأثير هذا القانون الاستعماري وإنكاره لحق تقرير المصير للشّعب الفلسطينيّ في وطنه.

المهم النظر إلى القانون من زاوية مخطّط الحكومة الإسرائيلية لضمّ مناطق ج في الضّفة الغربيّة لإسرائيل، وفرض حلّ الكونفدرالية مع الأردن. كخطوة تشريعية تمكّن هذه الحكومة، التي يلعب قادة المستوطنون فيها، من الأحزاب اليمينية، دورًا مركزيًا من التقدّم بخطوات أسرع في هذا الاتجاه.

هناك من تساءل ما هي حاجة إسرائيل لسنّ مثل هذا القانون وهي تمارسه فعليًا في سياساتها الداخلية، وما الجديد في القانون؟ الإجابة الأساسية هي شرعنة تنفيذ مخطّط الضمّ. هذا هو السبب في أنّ البند الأول من القانون يتحدّث عن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، الأرض وليس الدولة، وفي أنّ القانون خصّص بندًا كاملاً للتأكيد أنّه "تعتبر الدولة تطوير استيطان يهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته".

تسعى إسرائيل إلى ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، من خلال توسيع وتثبيت الاستيطان على الأرض، وفرض أمر واقع يؤدّي لانتزاع السيادة والملكية التاريخية الفلسطينية. وقد تصاعدت هذه المساعي في ظل وجود إدارة أميركية حاضنة لحكومة يقف على رأس مؤسساتها نخبة يمينية استيطانية، مخطّط الضّم جزء أساسي من برنامجها السياسي.

وفي ذات الإطار، كانت لجنة حكومية إسرائيلية، تترأسها في حينها أييليت شاكيد (وزيرة القضاء والداخلية سابقا) والتي بدورها حملت رؤية مخطّط الضّم ضمن برنامجها السياسي، قد وافقت على مشروع قانون يهدف إلى توسيع نطاق اختصاص المحاكم المركزية الإسرائيلية على جزء من الضفة الغربية تود أن تضمه إلى اسرائيل. وفي حال أصبح هذا التشريع قانونًا سيمنع السلطة الفلسطينية من تقديم التماس إلى المحكمة العليا الرئيسية حول النزاعات على الأراضي مع المستوطنات وهذا سيضعف الدور الفلسطيني وقضيته ويعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض تمامًا.

ليس مخطّط الضمّ سرًا مكنونًا، فهذا هو البرنامج السياسيّ المعلن لأحزاب يمينيّة استيطانيّة.

المناطق ج، التي تسعى إسرائيل إلى ضمّها، وللدقة نهبها، عبر قانون القوميّة والسياسات الاستعماريّة، معتمدة على أنّ "العالم سيعتاد كما اعتادوا على ضمّ أجزاء من القدس والجولان" (نفتالي بينيت - رئيس الحكومة السابق)، ليست هذه المناطق تلة صغيرة قرب الحدود، بل هي 61٪ من مساحة الضفة الغربية المحتلة عام 1967، واقعة للآن تحت السيطرة الإسرائيليّة الكاملة، تمارس فيها إسرائيل التطهير العرقيّ والاستيطان وهدم البيوت وقلع الأشجار ومصادرة الأراضي، هي مناطق ذات أهمية إستراتيجيّة كبيرة جدًا، مناطق غنية بالموارد الطبيعية فيها الزراعة والماء واحتياطات الأراضي للبناء والتنمية، ومن دونها لن تكون دولة فلسطينية.

من هذه الزاوية، يأتي قانون القومية ضمن خطة إسرائيلية - أميركية لتصفية القضية الفلسطينية: لا قدس، لا عودة، لا سيادة، لا دولة. في أحسن الأحوال، تحمل المقترحات الأميركيّة - الإسرائيلية أن يكون تكون المناطق أ و ب في الضفة الغربية، دون القدس، جزءًا من كونفدرالية مع الأردن، بحيث تكون الحدود تحت الرعاية الأمنية الأردنية، ودون قطاع غزّة الذي سينتقل إلى الرعاية الأمنية المصرية.

الاستسهال في الطرح الأميركي والثقة الإسرائيلية لتداول مخططات سياسية أمنية جوهرية لمستقبل إسرائيل يعود إلى الوضع الإقليمي العربي الرسمي المطبّع والذي لم يعد يشكّل عائق أمام عنجهية الساسة في أميركا وهوس إسرائيل في السيطرة والتلاعب في حق تقرير الشعب الفلسطيني على أرضه.

تأتي تصريحات الأحزاب اليمينيّة الاستيطانية في حملاتها الانتخابية ضمن المسعى الإسرائيلي في تثبيت سياسات الضمّ وفرض السيطرة على الأراضي الفلسطينيّة، وبالتالي سياقها الانتخابي لا يعني أنها أقلّ خطورة وأن إسرائيل لا تسعى إلى تطبيقها، بل على العكس، نتائج الانتخابات دليل قاطع على هذا المسعى الكبير خصوصا أن أحد الأحزاب الصهيونية الدينية "يهدوت هتوراة" تطرح قضيّة مناطق ج والتضييق على البناء والنّيل من التوسّع الفلسطيني شرطا أساسيًّا في التفاوض مع نتنياهو.

منذ الانتخابات السابقة تحدّث نتنياهو عن شرق غور الأردن في مناطق ج لأن بدونها لا يمكن أن تتحكم إسرائيل أمنيا وعسكريا في الضفة الغربية وفي محاولة أيضا لخلق ما تسمى "فك الكماشة" والارتباط التام، وعزلها عن الأردن وفرض سيادة إسرائيلية كاملة، وعزل غربيّ الضفّة من خلال الجدار العازل الاحتلالي.

وحينها قادت شاكيد تيارا سياسيا يحمل مخطّط الضّم كمشروع سياسي تحت عنوان تثبيت الاستيطان وفرض "السّيادة الإسرائيلية". وهي بدروها أسّست لمرحلة مختلفة في التعاطي مع قضيّة مناطق ج على المستوى السياسي الإستراتيجي للدّولة. ونتنياهو يعلم رغم وجود السيطرة في مناطق ج إلا أنه أراد مخاطبة جمهور كامل يدرك المعنى السياسي لمخطط الضم في ظل قانون القومية وسيطرة الأحزاب اليمينية الصهيونية الدينية على الحكومة ومؤسساتها.

ما أفرزته نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة هو تثبيت للأحزاب اليمينيّة، يأتي ذلك بعد انزياح ملحوظ للمجتمع الإسرائيلي نحو يمين اليمين وهو تعبير عن التمسّك بالدّولة اليهوديّة. رافق الانتخابات نقاشا سياسيّا جادًّا حول هُويّة الدّولة وشكلها وما هو التّمثيل السّياسي الذي تريده إسرائيل وما أبرز سياساتها. في السنوات الأخيرة كانت إسرائيل متناغمة تماما مع كونها نظام أبرتهايد وقد برزت فيه سياسات تثبيت الاستيطان ومخطّط الضّم الزاحف وتهويد القدس وتعميق الاحتلال وفرض السّيطرة. وقد أصبح بدوره المشهد السّياسي الإسرائيلي يمثّل فكرا صهيونيا دينيًّا يتمركز على الفوقية القوميّة والهُويّة الصهيونيّة الوطنيّة والدينيّة.

إنّ هذا المخطط من أخطر المخططات التي تستهدف السّيادة والملكية التاريخية الفلسطينية على الأرض، علمًا بأننا نتحدث عن مناطق ج التي تشمل أكثر من 61% من الضفة. وكذلك حول تداعيات مخطّط الضّم على مستوى السياسة الإسرائيلية، من قانون "تسوية الاستيطان"، وقانون القومية، وفي ظل صفقة القرن وواقع العربي الرسمي المطبّع، وهو نسف كامل لإقامة الدولة الفلسطينية، وهو معادٍ لكل المواثيق الدولية.

على هذا الأساس، يجب أن يتحوّل النضال ضد مخطّط الضمّ إلى مدخلا رئيسي لمناهضة قانون القومية الإسرائيلي، ولكل الخطوات السياسية النضالية الفلسطينية، الشعبية والمدنية والدبلوماسية، المناهضة للاحتلال، والخطوات الدوليّة المناصرة للحقوق الفلسطينية، وأن تكون هناك مساعٍ جادّة لاستباق تشريعات أخرى تسرق هذا الجزء من الوطن الفلسطينيّ.

والسّؤال هنا بأي مشروع سياسي يمكن مواجهة هذه المنظومة الإسرائيلية التي تطرح فكرا وسياسات تخبر بنكبة جديدة.

قد تكون تسمية ج أو س تسميات عدمية باردة، لا تحمل ما تحمله القدس، مثلاً، في وجداننا من معنى، لكنها على أرض الواقع قرى تصاغ الآن معانيها في الوجدان: خان الأحمر والولجة ودوز وكفر قدوم والأغوار، فلنستبق نكبتها.

التعليقات