05/12/2022 - 13:08

هيا بنا نحلم بكأس العالم...

إنها تلك اللغة التي تجعل من كل اللهجات العربية المحكية لغة واحدة، هي لغة الحب للعروبة والفخر بالذات.

هيا بنا نحلم بكأس العالم...

جماهير منتخب المغرب (Getty Images)

من المفارقات العجيبة للعبة كرة القدم أنها أعادت الحلم بوحدة الشعوب العربية إلى السّطح، بغض النظر عن الأنظمة بأشكالها المتعددة غير المؤهلة لوحدة عربية سياسية.

جاء المونديال في قطر، كفرصة للشعوب العربية بلا استثناءات، حتى تلك التي عقدت حكوماتها معاهدات سلام مع إسرائيل، لإظهار رغبة دفينة في الوحدة، لتقول إن الدّم ما صار ماءً، أولا من خلال تضامنها المُطلق مع الشعب الفلسطيني المُستضعف والذي تنكل به إسرائيل أمام سمع وبصر العالم، بحيث أصبحت فلسطين أو عادت لتكون في كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج، ثم تضامن الشعوب مع بعضها بعضًا، حتى أصبح ممكنا القول إن المستديرة وحّدت جماهير الأمة العربية، ومنحتها متعة ولذة الشعور بالقوّة والفخر بالعروبة، وبوحدتها في الفرح والغضب والحزن والألم، وهذا أمر هائل وعظيم، وهو أعمق من أي وحدة سياسية، فهو تعبير عن النفس وما يخالجها وعن التفكير وإلى أين تذهب مساربه العميقة.

إنها تلك اللغة التي تجعل من كل اللهجات العربية المحكية لغة واحدة، هي لغة الحب للعروبة والفخر بالذات.

لم يتوقف التضامن على فلسطين، فكل فريق عربي لعب أيّده العرب شعبيًا وبصورة تلقائية، وبعد خروج الدول العربية المشاركة - قطر وتونس والسعودية، تتجه الأنظار والقلوب إلى منتخب المغرب، وتتمنى له نتيجة مشرفة، علما أنه بوصوله إلى هذه المرحلة قدّم أداء مُشرِّفا، يمكن لكل عربي التفاخر فيه.

سوف أبوح بسرٍ الآن، ولكنه لم يعد سرًا، إن بعضنا بدأ يهمس بحلم يراوده، لِم لا يتقدم منتخب المغرب إلى مرحلة أخرى! لم لا يفوز على إسبانيا! هل هذا مستحيل؟ ألم يفُز على فريق بلجيكا القويِّ وفاز على كندا وتعادل مع كرواتيا؟ ألم يقدم أداء جيّدا في كل مبارياته حتى الآن في جميع المراحل؟

إذًا تخيّلوا، وهيا بنا نحلم بأن يصل المغرب إلى المباراة النهائية؟ تخيّلوا ميادين العواصم والمدن العربية كيف ستبث المباراة في الساحات على شاشات كبيرة، وتخيّلوا مئات ملايين العرب إضافة إلى مئات ملايين من شتى بقاع الأرض تتابع المباراة! تخيلوا مشاعر العرب أجمعين وهم يراقبون الكرة وأقدام اللاعبين، والشباك والهتافات من حولها.

ثم تخيلوا للحظات فوز المغرب بكأس العالم؟ نعم لم لا؟ تخيّلوا ما الذي سيجري في شوارع الدّوحة وعلى أرض الملعب، تخيّلوا المدن المغربية، تخيّلوا رام الله وجنين وغزّة والقاهرة وعمّان وعُمان والبحرين والخرطوم وبيروت ومجد الكروم وأم الفحم والناصرة وحيفا وعكا والقدس والمخيّمات! تخيّلوا الجزائر وتونس والرّياض وجدّة وبغداد ومقديشيو ونواكشوط والشارقة وطرابلس الغرب وكل مُدن وقرى العرب، تخيلوا مقاهي دمشق وحارات إدلب والسّويداء، وتخيلوا العرب في المهجر في كل مكان.

هنالك علاقة وثيقة بين نبض الجماهير الكروي مع السّياسي، وذلك أنها اللعبة الأكثر شعبية، فيها القوة والذكاء والفن والرّمزية. كرة القدم الميدان الذي تستطيع الجماهير أن تعبّر فيه عن موقفها العاطفي تجاه قضية ما بصورة جماعية، وعمومًا بدون التعرّض إلى القمع السُّلطوي.

إضافة إلى هذا، فقد استفز الغربُ العربَ في مواقفه المتشدّدة من قضايا عينية حول الحقوق الشخصية، وغامر في علاقات اقتصادية مع قَطر بسبب موقفه من قضية المثليين، بينما يفتقد الحساسية تجاه حقوق الإنسان الفلسطيني خاصة، والعربي بشكل عام!

فلنذهب في الخيال أكثر قليلاً، ونرى منتخب المغرب يهدي كأس العالم إلى فلسطين، تتويجا لهذا المونديال، طبعًا مونديال الشّعوب العربية التي لن تطبّع مع الاحتلال ولا مع محو فلسطين من خارطة المنطقة العربية.

على كل حال، مهما كانت نتيجة المنتخب المغربي في مباراته مع إسبانيا، فإن ما وصله هو فخر لكل عربي، والأهم بكثير، هو تحقيق هذا الالتفاف الشعبي العربي حول فلسطين، وتلك المشاعر المقدّسة التي تقول إن الأمة العربية أمة واحدة، فلغتها واحدة وتاريخها واحد وبلا أدنى شك أن مصيرها واحد، مهما بدا الأمر بعيدًا ومهما سادت أصوات الفُرقة والنزاعات الإقليمية المُفتعلة، فالشعوب العربية قالت كلمتها، وسوف تقولها بصور وأشكال أخرى أقوى وأعمق في المستقبل.

التعليقات