22/01/2023 - 18:26

الكتابة للمراهقين

إنها مرحلة بالغة الخطورة في حياة المراهق، ويمكن لها أن تتأثر بحدث طارئ لم يكن بالحسبان، وأحيانًا بسبب علاقة حبٍّ سطحية كان يظنَّها أبدية، لدرجة أن أحدهم يظن بأن حياته قد انتهت، بعد تفكُّك علاقة عاطفية لم تكن في الحقيقة

الكتابة للمراهقين

(توضيحية - Getty Images)

يلاحظ المهتمون في الشأن الأدبي، أنّ هناك نقصًا كبيرًا في الرواية أو القصص الموجَّهة إلى المراهقين في الأدب العربي عمومًا، وفي الأدب الفلسطيني بشكل خاص.

هذه السّن الطرية التي تتقلب فيها المشاعر والقلوب، ما بين نيران البراكين وبرود الثلوج، وبين السعادة والفرح والأمل التي تتحول فجأة إلى حزن وبكاء وعوالم تنهار. ويعود هذا كما يبدو إلى التّحولات الجسدية والهرمونات التي تفرزها الأجساد، فتؤثر على التصرفات والمشاعر، هي فترة حرجة من حياة الإنسان يتعلق فيها بالأوهام ويعشق روايات الخيال، وقد يجد البطل أو البطلة التي تشبهه بين صفحات الكتب أو في مسلسل، أو على شاشة إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فيعتبرها نموذجا يسعى إلى تقليده.

إنها مرحلة بالغة الخطورة في حياة المراهق، ويمكن لها أن تتأثر بحدث طارئ لم يكن بالحسبان، وأحيانًا بسبب علاقة حبٍّ سطحية كان يظنَّها أبدية، لدرجة أن أحدهم يظن بأن حياته قد انتهت، بعد تفكُّك علاقة عاطفية لم تكن في الحقيقة سوى وهم وخيال، وفي الواقع لم يتبادل العاشقان سوى بضع كلمات، أو قبلات، ولم يتعرض هذا الحب الخالد لأي امتحان.

ما جعلني أكتب هذه المقدمة هو صدور رواية مؤخّرًا، موجهة إلى المراهقين، بعنوان: "مذكرات مراهقة"، للكاتبة مريم سويدان- مصالحة من قرية دبورية.

للكاتبة عدد من المؤلفات في الشّعر والنثر، ودراسة بحثية في شعر عبد الوهاب البياتي.

تحكي روايتها الجديدة قصة فتاتين؛ سلام وسارة، في مرحلة المراهقة.

جاء في مقدمة الكاتبة لروايتها، أن "هذا الكتاب هو مذكّرات مراهقة، كتبتُه بلسان فتاة مراهقة، وضعت فيه أحداثًا واقعيّة وأخرى خياليّة من وحي الواقع. حاولت من خلال الأحداث إنارة شمعة للمراهقين، تسلّي حلكة الوقت حين يطول". تبدأ القصة ببداية النهار عند فتاة توقظها والدتها للذهاب إلى المدرسة، وأوّل ما تفعله بعد فتح عينيها هو الدخول إلى تطبيق "واتسآب" لتطلع على ما يكتبه أعضاء المجموعة من الطلاب. من خلال هذه المجموعة يتخذ الطلاب قرارات مثل عدم الذهاب إلى المدرسة، أو التأخر، أو التغيّب عن حصة.

القضايا القديمة تعالج من خلال وسائل تواصل حديثة أسرع وأكثر فعالية.

اختلفت وسائل الترفيه، فهذا الجيل يسهر مع الهاتف، متنقّلا من تطبيق "سناب" إلى "تشات" إلى "يوتيوب" وغيرها، على الرغم من ملاحظات الأهل ومواعظ المعلمين عن أهمية النوم مبكرًا لأجل الصحة والنشاط، وتحذيرات الأهالي إلا أن هذه طريقة للتعارف وبناء علاقات.

الرواية على لسان الطالبة سلام التي تواجه واقع وفاة والدتها وزواج والدها من سيدة أخرى، والمخاوف والمشاعر المتناقضة التي تمر بها.

المعلمة تعطي رأيها في كل مشكلة ومشكلة على لسان طالبتها.

بدلا من الكتابة على لسان المعلمة وهي المهنة التي تمارسها الكاتبة، تسكب أفكارها وهواجسها وملاحظاتها في المدرسة وخلال العملية التدريسية، على لسان هذه المراهِقة.

دور المعلمة إيجابي جدًا، فهي واعية جدا لما يجري من حولها لطالباتها،

تزرع الثقة بينها وبين طالباتها، ما يجعلهن يبحن لها بما يواجههن وخصوصا سلام التي فقدت والدتها.

تحدثها عن علاقتها بشابٍ قرّر تركها من بعد علاقة حبّْ ساذجة، وعمل لها حظرًا على حساباتها كي يمنعها من التواصل معه.

الفتاة تصوّرت أنّ عالمها قد انهار. وخصوصًا بعد زواج والدها ودخول امرأة غريبة إلى البيت مكان والدتها. رغم محاولات الوالد تعويض الفتاة عن فقدانها لوالدتها، فهو يفشل في بناء علاقة ثقة، ويراقب هاتفها ولا يحترم خصوصيتها "حرصًا عليها".

تعالج الرواية موضوع الخصوصية الذي يحتاجه المراهق، وخصوصًا الفتاة عندما تعصف بجسدها تغيّرات فيزيولوجية، تحتاج فيها إلى إرشاد ودعم معنوي.

تلجأ فتيات هذه الأيام، إلى الإنترنت للبحث في المواقع الطبية، للتعرف على العلامات التي تظهر على أجسادهن، إضافة إلى قراءتهن لروايات وقصص عاطفية، أو حتى ساخنة.

تأتي هذه الكتابة من تجربة الكاتبة كمدرّسة مع هذا الجيل، وهي رواية تلامس مشاعر الفتيات أكثر من كونها لكل المراهقين، وذلك لشعورها بالمسؤولية تجاههن، وتأثير العلاقات العاطفية عليهن بصورة قد تؤثر على مستقبلهن، بخلاف الشبان الذكور، فالعلاقة الأولى بمثابة تجربة يفخرون بها، فلا تمس حياتهم الاجتماعية، أو مصائرهم.

فالفتاة تتحمل العبء الأكبر من المعاناة، التي تبدأ من محاسبة المحيطين بها من أهل البيت، وقد تتحول إلى فاكهة للحديث ومجالس السَّمر.

نجحت الكاتبة في طرق أكثر من موضوع يواجهه المراهقون، أو بعضهم، بأسلوب رشيق ولغة عربية متينة، وهي إضافة جميلة ونوعية إلى روايات الفتيان الصادرة في اللغة العربية.

الرواية صادرة عن مؤسسة "سهيل عيساوي" للنشر والتوزيع.

اقرأ/ي أيضًا | "نفسي فيه وتفو عليه"

التعليقات