22/02/2023 - 17:50

العدل المناخيّ

حينما تبدأ الدول والمؤسسات المعنية بالنظر إلى أزمة المناخ من خلال نظارة العدالة المناخية، سيتم التعامل مع الأزمة بشكل مغاير، وسيتم منح مكانة لقضية العدالة الاجتماعية، وعدم الفصل بين المجالين.

العدل المناخيّ

من يافا (توضيحية - Getty Images)

حينما نتحدث عن أزمة المناخ لا يمكننا عدم التوقف عند مصطلح العدالة المناخية لأهميته ومركزيّته في سيرورة الجهوزية لمواجهة أزمة المناخ. يعتبر مصطلح العدالة المناخية امتدادًا للعدالة البيئية التي تطرّقت إلى تأثير القضايا البيئية على الفئات المجتمعية الضعيفة، خصوصا الأقليات منها وذوي الدخل المنخفض. تعتمد العدالة المناخية على نفس المبدأ وتتطرّق إلى التقسيم العادل، المُشاركة المنصفة والتوزيع المتساوي للعبء الناجم عن أزمة المناخ، والاحتياجات اللازمة لمواجهته.

يواجه العالم أزمة المناخ التي تُهدّد كافة المرافئ الحياتية الضرورية. إنّ المسبب الرئيسي للتغيّرات المناخية هو انبعاث غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي الناتجة عن النشاط البشري، وبناء طبقة تُغلّف الكرة الأرضية وتمنع أشعة الشمس التي تدخل الغلاف من الخروج منه، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية، وإحداث تغييرات في المناخ.

تؤثر أزمة المناخ على الاستقرار الدولي لما تحمله من تهديد لحقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في شرب مياه عذبة، الحق في القوت، الحق في المسكن، وغيرها من الحقوق. بالإضافة إلى ذلك، تقوم أزمة المناخ بتعميق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، القائمة أصلا، بين مختلف مجتمعات ودول العالم.

تُشير المُعطيات وتؤكّد أن الدول الغنية والمتقدمة هي الأكثر تلويثا ومساهمة في تفاقم أزمة المناخ، بينما الدول الفقيرة والنامية هي التي تدفع الثمن بسبب شح الموارد والآليات المتوفرة لديها، والتي قد تساعدها على حماية شعوبها ومرافئها الأساسية. على سبيل المثال، تميّزت قمّة المناخ في شرم الشيخ المصرية بخطاب تحقيق العدالة المناخية، ومطالبة الدول الغنية بدفع تعويضات عن أضرار ناجمة للدول الفقيرة، وأيضا تمويل الدول الفقيرة لتحسين جهوزيتها لمواجهة التغيرات المناخية.

تتطرّق العدالة المناخية إلى المجتمعات أيضا، إذ أن هنالك فئات مجتمعية هشّة ومستضعفة أكثر من غيرها وبالتالي تأثّرها من أزمة المناخ هو أكبر، فعلى سبيل المثال، مواجهة الأغنياء لأزمة المناخ تختلف عن الفقراء، إذ أن الأغنياء يمتلكون أدوات وإمكانيات تساعدهم على حماية أنفسهم من الضرر، وتساعدهم خلال سيرورة الإشفاء من الضرر في حال نجَم، الأمر المفقود لدى الفئات الضعيفة. تُشير الدراسات إلى أن فئة السود والآسيويين وسكان أميركا الجنوبية المتواجدين في الولايات المتحدة، هم الأكثر ضررا جرّاء الأعاصير (الهوريكان) التي تضرب القارة الشمالية كل بضع سنوات، وذلك مقارنة بالسكان أصحاب البشرة البيضاء. تعود هذه الفوارق إلى نسبة التعليم، ومستوى الدخل، والبنى التحتية للأحياء، وغيرها من المعايير التي تؤثر على هشاشة المجتمعات أمام الظواهر الطبيعية.

يقع المجتمع الفلسطيني في الداخل ضمن خانة المجتمعات المستضعفة، ما يجعله أكثر تأثُّرا وتضررا من أزمة المناخ. تعاني البلدات العربية من مشاكل جديّة تُصعّب عليها عملية الجهوزية والتحضير لمواجهة الأزمة. فعلى سبيل المثال، تتميّز غالبية البلدات العربية بالاكتظاظ السكاني، وضعف البنى التحتية، وعدم وجود مناطق خضراء داخل البلدات كالأشجار والمتنزهات، وضعف في جهاز المواصلات العامة، وعدم وجود تخطيط، وغيرها. كل هذه العوامل تؤثر على قدرتها على التعامل مع موجات حر شديدة وطويلة، أو مع أمطار غزيرة تسبب فيضانات داخل البلدات.

إلى جانب واقع البلدات العربية، هنالك جانب آخر يؤثر على جهوزية المجتمع الفلسطيني ويجعله أكثر عرضة مقارنة بالمجتمع اليهودي، وهو تعامل المؤسسة الإسرائيلية والجهات المختصة في بناء مخطط مواجهة أزمة المناخ مع البلدات العربية. أحد مركبات العدالة المناخية هو العمل على تحصين الفئات والدول الفقيرة والضعيفة، ومساعدتها في عملية تقليل الضرر، وتسريع الاستشفاء منه. ففي سياق المجتمع العربي، تقوم الجهات المختصة ببناء مخطط يحاكي واقع البلدات اليهودية، ولا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وواقع البلدات العربية التي تحتاج إلى تعامل خاص، الأمر الذي يدع المجتمع العربي يواجه أزمة المناخ مع شروط منقوصة، وعدم توفّر موارد كافية وملائمة.

من المهم تذويت مصطلح العدالة المناخية وإدراجه ضمن نضالنا كمجتمع فلسطيني في الداخل ضد أزمة المناخ، إذ أننا نعاني التهميش، والتمييز، وقلة الإمكانيات، والموارد. إن معرفة وفهم تأثير أزمة المناخ غير العادل على المجتمعات، سيساعدنا في تحديد مطالبنا ونضالنا أمام المؤسسات المعنيّة بذلك، كما تُساعدنا على توظيف الموارد والطاقات المحليّة الموجودة لبناء حصانة مجتمعية وتقليل الضرر قدر الإمكان.

حينما تبدأ الدول والمؤسسات المعنية بالنظر إلى أزمة المناخ من خلال نظارة العدالة المناخية، سيتم التعامل مع الأزمة بشكل مغاير، وسيتم منح مكانة لقضية العدالة الاجتماعية، وعدم الفصل بين المجالين. المجتمعات التي تتأثر من أزمة المناخ هي المجتمعات التي تعاني من عدم تحقيق عدالة اجتماعية، هي المجتمعات التي تعاني التهميش والتمييز ومن انعدام تقسيم عادل للموارد.

عندما يتم إدراك هذا الأمر يتم التعامل مع الأزمة من منظور أكثر عدالة وإنصاف. أي أنه بدلا من بناء مخطط يحاكي عامة المجتمع، يجب بناء مخطط يلائم واقع الفئات المجتمعية المختلفة وتحديد نقاط الضعف لديها، والعمل على تقويتها وتحصينها. على سبيل المثال، تُشير الدراسات إلى أن منخفضي الدخل يعيشون في أحياء معرّضة أكثر للضرر من الأحياء الأخرى. بناء على ذلك، يجب بناء مخطط يقوم بتقوية البنية التحتية في تلك الأحياء، ورفع أجورهم لتحسين دخلهم، وإقامة مناطق خضراء مع ضمان عدم رفع قيمة البيوت في تلك الأحياء، ومسح عام للبيوت وتحصينها بحسب الحاجة. يجب أن يتم تقسيم الأموال المخصصة لمواجهة أزمة المناخ بشكل عادل يحاكي احتياجات المجتمعات المختلفة مع منح أولوية للفئات الضعيفة والمستضعفة.


* المنسّقة الإعلامية لجمعية "مواطنون من أجل البيئة".

التعليقات