09/03/2023 - 15:32

الظاهر من أرشيفات الحكم العسكري: حصار واقتلاع وإحلال

نحن أمام أمام نفس الأساليب التي ما زال "الحكم المدني" الإسرائيلي يستعملها تجاهنا اليوم في مختلف المجالات؛ يقتلعون "أم الحيران" ويقيمون مستوطنة "حيران" على أرضها، ما زالوا يمنعون العرب من دخول أسواق عمل معينة؛ ويوفرون الحماية للمجرمين المتعاونين.

الظاهر من أرشيفات الحكم العسكري: حصار واقتلاع وإحلال

الجيش الإسرائيليي يعبث بحطام الطائرة الليبية بعد إسقاطها وقتل ركابها، 24 شباط 1973 (Getty Images)

يصادف هذه الأيام مرور 50 عاما على قيام إسرائيل بإسقاط الطائرة المدنية الليبية وقتل ركابها البالغين 108 ركاب، بعد أن ادعت أن الطائرة دخلت المجال الجوي الإسرائيلي (شبه جزيرة سيناء المحتلة)، ورفضت الانصياع لتعليمات سلاح الجو بالهبوط في أحد المطارات العسكرية الإسرائيلية.

وكعادته بعد مرور مثل هذه المدة، أفرج ما يسمى بـ"أرشيف الدولة" عن بعض الوثائق المرتبطة بالحدث، بينها سجل مداولات الحكومة الإسرائيلية التي جرت ليلة وقوع الجريمة وبعد فتح الصناديق السوداء التابعة للطائرة، والتي يستدل منها، كما أورد المدير السابق لـ"أرشيف الدولة"، د. يعقوب لزوبيك، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أن الوزراء لم يهتموا بهويات وأعمار الضحايا الذين قتلتهم إسرائيل وعوالمهم التي خربت، ورفضوا تحميل إسرائيل وجيشها أي مسؤولية، وأجمعوا على إلقاء المسؤولية على قائد الطائرة رغم أن إسقاط الطائرة قد تم وهي في طريق خروجها من "الأجواء الإسرائيلية".

وفي سياق الحديث عن أرشيفهم الأسود الذي يتم الإفراج عن بعض منه بعد 50 عاما، ويحكم على البعض الآخر بعدم النشر مدى الحياة لدواع أمنية، فقد تم مؤخرا بناء على طلب معهد "عكفوت" لدراسة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، الإفراج عن بعض الصفحات من سجل الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على أهالي الجليل والمثلث والنقب حتى عام 1966، إلا أن الرقابة أغفلت شطب المقاطع التي أمر مكتب رئيس الحكومة بشطبها قبل النشر، الأمر الذي سمح بالكشف عن مواقف تتعلق بالنكبة وبكيفية اقتلاع العرب من أرضهم ومنع لقمة العيش عنهم والأساليب غير الأخلاقية التي تم بواسطتها تجنيد العملاء.

ويستدل الصحافي عوفر أديرت من مطالعة الصفحات التي نشرت خطأً، أنها لا تشكل أي خطر على "أمن الدولة" كما يدعون، وإن منطلقات شطبها تنبع من عدم رغبة في الكشف عن الأساليب "الإشكالية" في التعامل مع العرب والتي من شأنها أن تسبب الإحراج للدولة ومؤسساتها، ويورد على سبيل المثال اعتراف الحاكم العسكري لمنطقة المثلث، زلمان مارت، بأن تهجير المواطنين العرب من الأراضي التي قطنوا فيها قبل "الحرب" كان هدفه إخلاء الأرض لغرض إقامة المستوطنات اليهودية، التي أقيمت لدواع أمنية في منطقة الحدود مع الأردن.

الحاكم العسكري يعطي أمثلة عينية بهذا الخصوص، حيث يشير إلى اخلاء سكان "خربة خريش" العرب من بيوتهم ونقلهم إلى جلجولية عام 1951 لغرض إقامة كيبوتس "حورشيم" الذي يسميه "استيطان أمني يهودي" مكانها، وكذلك نقل سكان قرية الجلمة الفلسطينية إلى باقة الغربية وإقامة كيبوتس "لهفوت حبيبة" على أرضها، وهو يشير إلى أن عملية تهجير العرب من الأرض وحمايتها وتسليمها للمستوطنات اليهودية تمت على أيدي الحكم العسكري، وذلك بواسطة إغلاق المنطقة ومنع العرب الذين سكنوا هذه القرى من العودة إليها.

قضية أخرى يوردها أديرت على لسان الحاكم العسكري المذكور وتشير إلى المهمات التي كانت منوطة بالحكم العسكري الذي فرض على العرب، هي منع العمال العرب من "احتلال" أماكن العمل التي خصصت للمهاجرين اليهود، وهو يعترف في هذا السياق بأن العامل العربي من المثلث لديه طاقة إنتاجية أفضل من المهاجر الجديد من البلدان الشرقية أو الغربية، لأنه معتاد على ظروف المناخ وطبيعة العمل وهو بالمقابل لا يشترط الحصول على شروط اجتماعية مثل التأمين وغيره، ما يجعله مطلوبا ومفضلا من قبل أصحاب العمل إذا لم يتم ضبط ذلك.

وللمفارقة، فإننا أمام نفس الأساليب التي ما زال "الحكم المدني" الإسرائيلي يستعملها تجاهنا اليوم في مختلف المجالات، وفي السياق، فإن قضية تجنيد العملاء ودفاع الحكم العسكري عنهم أمام مؤسسات تطبيق القانون بسبب نشاطهم الجنائي تذكرنا بتصريحات قادة الشرطة المتعلقة بحماية "الشاباك" لأفراد عصابات الإجرام العرب لأنهم يتعاونون معه.

وفي هذا الباب يورد تقرير أديرت، على لسان الحاكم العسكري لمنطقة المثلث، قوله: "نحن نوفر لهم الدعم اللازم، وفي حال جرى اعتقالهم من قبل الشرطة نقول بحقهم كلمة طيبة ونخرجهم من السجن... لا نخفي ذلك ونقوم به رغم أنه مخالف للضمير ولكن نفعله بضمير خالص".

وفي رده على وزير الشرطة، باخور شطريت، الذي سأله إذا كان الحصول على معلومات من مواطنين عرب يستوجب التمييز لصالحهم، على حد تعبيره، أجاب مارت، إنه "لا يوجد عربي سيقوم بعمل جاسوسي أو يساعد على الجاسوسية إذا لم يحصل على مقابل شخصي مكشوف وواضح، مثل معاش أو جاه أو أي مقابل آخر، لأن العربي ليس له مصلحة بتقديم مساعدة للسلطات أو للجيش دون الحصول على مقابل".

وما أشبه اليوم بالأمس، فهم يقتلعون اليوم أيضا "أم الحيران" ويقيمون مستوطنة "حيران" على أرضها، كذلك فإنهم وما زالوا يمنعون العرب من دخول أسواق عمل معينة مخصصة لليهود، كما أن "الشاباك" الذي احتل مكان الحكم العسكري ما زال يوفر الحماية لأفراد عصابات الإجرام الذين يزرعون الموت في قرانا ومدننا لأنهم يتعاونون معه.

التعليقات