16/03/2023 - 18:37

كيف أصبحنا في مهب رياح السياسة الإسرائيلية؟

لا يمكن الحديث عن مساواة قومية أو مدنية دون إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان والتوصل لتسوية حول القضية الفلسطينية، لأنه حتى بالمفهوم الإسرائيلي، إذا أردنا أن نتجرد من فلسطينيتنا ونفكر كيساريين إسرائيليين، فأنت تريد الميزانيات وهم يريدونها للمستوطنات.

كيف أصبحنا في مهب رياح السياسة الإسرائيلية؟

على أعتاب الذكرى الـ47 ليوم الأرض الخالد بما يمثله من محطة وطنية هامة في مسيرتنا السياسية، كبقية باقية في الوطن وفي التاريخ السياسي الفلسطيني عموما، وما يحمله من رمزية ودلالات عبرت عن إرادة فلسطينية رافضة لجميع أشكال المحو والطمس والتبديد، وأكدت على التمسك بهويتنا الوطنية الفلسطينية الأصيلة والعمل على ترجمتها سياسيا بإعادة بناء التنظيمات والهيئات والمؤسسات التي تشكل كياننا الوطني.

اليوم عشية هذا الحدث التاريخي يمكن وصف حالتنا كفلسطينيين في حدود 48 وحالتنا الفلسطينية العامة بأنها الأكثر تهميشا وشرذمة ورداءة سياسية منذ يوم الأرض 76، وما محاولات تعزية النفس بتردي الوضع الفلسطيني العام عندما يتعلق الأمر بنا في الداخل وتردي الوضع العربي عندما يتعلق بنا كفلسطينيين عموما، إلا محاولات لتعليق الفشل الذاتي على شماعة الغير، عوضا عن إجراء المراجعة المطلوبة وتقويم المسيرة وتصحيح المسار.

وإذا تمحورنا في ساحة الداخل لغرض المناسبة، نجد أن القيادات التي حلقت بغير جناح في عنان سماء سياسة "التغيير والتأثير" في الساحة الإسرائيلية، بعد أن أوهمتنا أنها تمسك إسرائيل من أكثر الأماكن حساسية، قد سقطت سقوطا حرا فحطمت "أحلامنا" وأحلامها وأعادتنا إلى الهامش المهمش للسياسة الإسرائيلية بعد أن خسرنا وحدتنا وخسرنا تمثيلنا وخسرنا ثوابتنا الوطنية، لأن التحليق بغير جناحين يعني أن تكون ريشة في مهب ريح تذبذبات المجتمع والسياسة الإسرائيلية المتغيرة.

وعندما نتحدث عن جناحين لا يمكن للقوى السياسية في الداخل الفلسطيني التحليق من دونهما، نعني أولا القضية الوطنية الفلسطينية، التي لا يمكن الحديث بدونها عن وجود جماعي وحقوق جماعية لنا حتى كمجموعة قومية لا تربطها علاقة بقضية شعب، كما لا يمكن الحديث عن حقوق مدنية دون حقوق قومية جماعية، لأنك كحزب سياسي في النهاية تمثل الفلسطينيين في إسرائيل بحكم تعريفهم الوطني ذاك، وتطالب بعدم التمييز ضدهم بسبب هذا الانتماء القومي، بمعنى حرمانهم من توزيع الأراضي وعدم الاعتراف بقراهم غير المعترف بها وحتى منعهم من الزواج بمن يرغبون بسبب هذا الانتماء.

لا يمكن تصحيح تمييز قائم على أساس قومي منذ قيام الدولة بتغييب العامل القومي، مثلما لا يمكن تحقيق المساواة المدنية دون الاعتراف بالمساواة بين القوميات القائمة في الدولة، إذا صح التعبير، وعدم تفضيل أي منها على الأخرى، مع الفوقية اليهودية التي يجري ترسيخها من خلال "قانون القومية" و"قانون المواطنة" وغيرها من القوانين التي تكرس يهودية الدولة دستوريا، عوضا عن التحلل منها.

كذلك لا يمكن الحديث عن مساواة قومية أو مدنية دون إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان والتوصل لتسوية حول القضية الفلسطينية، لأنه حتى بالمفهوم الإسرائيلي، إذا أردنا أن نتجرد من فلسطينيتنا ونفكر كيساريين إسرائيليين، فأنت تريد الميزانيات للقرى العربية وأحياء الفقر وهم يريدونها للمستوطنات والحرب.

وعليه فإن شعاري السلام والمساواة اللذان نقشتهما الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على رايتها وذيلت بهما اسمها، وحذا حذوها أحزاب عربية أخرى، لم يولدا من العبث، ومن وجهة نظري فإن آباء الحزب الشيوعي (الجبهة) الذين أرسوا برنامج التعايش في إسرائيل ومع إسرائيل، تنازلوا إلى الحد الأقصى الذي يمكن لحزب عربي فلسطيني داخل إسرائيل أو خارجها أن يصل إليه بالتنازل ويبقى في الصف الوطني، وهو بذلك حدد سقف التنازل الذي يمكن لأي حزب أو قوة فلسطينية.

من هنا، أعتبر دخول منصور عباس للائتلاف الحكومي الإسرائيلي بعد مقايضة القضية الوطنية بالقضية المدنية سقوطا مدويا، كما اعتبرت التوصية على غانتس ومن ثم على لبيد ومناورات أيمن عودة وأحمد طيبي ونهج "التغيير والتأثير" انحرافا حتى عن هذا النهج التقليدي الذي وإن قبلناه على مضض ألا أنه حافظ على الأقل، على جناحي السلام والمساواة، وإن كان لم يحلق عاليا إلا أنه لم يسقط سقوطا مدويا.

أما المشكلة في من يعتقد أنه وحيد زمانه وقادر على الإتيان بما لم يأت به الأوائل، هو أنه سقط من الناحية الأخرى للركوبة واكتشف بعد فوات الأوان أنه ليس جزءا من النقاش والنزاع والصراع الإسرائيلي الداخلي الذي يجري تحت راية العلم الإسرائيلي، وذلك بعد أن تخلى عن برنامجه الذي كان يفاخر حتى قبل فترة وجيزة بأنه تحول إلى حجر الزاوية، وانساق وراء من لا طعم ولا لون له.

التعليقات