21/03/2023 - 10:10

الاحتجاجات الإسرائيليّة: ملاحظات في فهم اللحظة والسياق

باتت الحدود الاجتماعيّة - الطبقيّة بين المعسكرات المتصارعة أكثر سماكة وحدّة نتيجة تحوّلات اجتماعيّة وديمغرافيّة وسياسيّة، ضربت في عمق النخبة الإسرائيليّة الحاكمة والمجتمع الإسرائيليّ

الاحتجاجات الإسرائيليّة: ملاحظات في فهم اللحظة والسياق

(Getty)

"أنا من أتيت بوالديك إلى هنا... يا العار"؛ بهذه الكلمات المباشرة، وبّخ الجنرال أمير هسكيل الشرطيّة الإسرائيليّة ذات الأصول الإثيوبيّة الّتي حاولت اعتقاله في أثناء مشاركته في المظاهرات الاحتجاجات ضدّ مخطّط حكومة نتنياهو القضائيّ الجديد. كانت تلك صرخة جنرال احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيليّ وأحد قيادات الاحتجاجات الحاليّة، أبلغ ما يمكن أن تفصح عنه الاحتجاجات الإسرائيليّة وعن دوافعها، وبعدها الهويّاتي وبنيتها التحتيّة الاجتماعيّة، بوصفها صراعًا على الهيمنة يجري بين معسكرين اجتماعيّين حول شكل الترتيب الاجتماعيّ داخل البيت الصهيونيّ وتحت سقف النظام الاستعماريّ.

يخوض اليمين بحلّته الجديدة صراعًا ينتقل فيه من مرحلة السيطرة إلى الهيمنة، من الانتصار في الصندوق إلى الهيمنة في مؤسّسات الدولة العميقة وتطويعها لناحية أجنداته وتصوّراته، ويعبّر بهذا سياسيًّا عن هواجس اجتماعيّة لكتلة تاريخيّة بقيادة الليكود تبلورت خلال العقد الأخير تضمّ الحريديّين والمتديّنين الشرقيّين والصهيونيّة الدينيّة. تعبر هذه القماشة السياسيّة عن قواعد اجتماعيّة واسعة من الجمهور الإسرائيليّ، تتألّف بصورة أساسيّة من شرائح دينيّة – محافظة – شرقيّة - حريديّة أرثوذكسيّة تقيم في الطبقات الوسطى وما دونها في السلّم الاقتصاديّ.

في مقابلها تتمرّس كتلة غير مبلورة سياسيًّا - جوهريًّا، أفلست في طرح البديل السياسيّ الحقيقيّ، وتعاني أزمة قيادة سياسيّة، تشترك في كثير من المواقف السياسيّة مع الكتلة الحاكمة، لكنّها تعبّر عن هواجس اجتماعيّة لقواعد شعبيّة مختلفة، من خلال ترحيل هذه الهواجس الاجتماعيّة إلى مفردات سياسيّة حول الموقف من المؤسّسة القضائيّة ومؤسّسات الدولة عمومًا، وهو ما يجعل البعض يطلق عليه تسمية "معسكر دولاني" (بمعنى موقفه المدافع عن استقلاليّة مؤسّسات الدولة). تضمّ الكتلة طيفًا سياسيًّا غير متجانس من اليمين الصهيونيّ التنقيحيّ - العلمانيّ، وبقايا من المسمّى زورا "يسار - وسط صهيونيّ".

تحوّلت علاقة المعسكر المناوئ لنتنياهو بالانتخابات والحكم إلى شكل الحبّ المستحيل على ضوء التحوّلات الديمغرافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة في المجتمع الإسرائيليّ، والذي استرخت فيه العنصريّة واليمينة الفاشيّة إلى أبعاد غير مسبوقة. ترى هذه الكتلة بمؤسّسات الدولة العميقة، أي مؤسّسات الدولة القضائيّة وأجهزتها البيروقراطيّة والإداريّة، معقلها الأخير الذي يعبّر عن هواجسها الاجتماعيّة والثقافيّة. يستميت هذا المعسكر في الدفاع عن هذه المؤسّسات بوصفها حصنًا أخيرًا يجب أن يتمنّع أمام محاولات اختراق كتلة نتنياهو لها. من هذا المنظور، يتّصل هذا المعسكر بشبكة قواعد اجتماعيّة تأتي بغالبيّتها من الفئات الأشكنازيّة – العلمانيّة - تقيم في المقعد الأوسط - ما فوق في الهرم الطبقيّ الاقتصاديّ.

يخطئ من يعتقد أنّ إصرار هذه الكتلة المناهضة لنتنياهو تكثيف الأعلام الإسرائيليّة في سماء مظاهرتها مردّه إلى حرصهم في التأكيد على صهيونيّة الحراك، فأحد لم يشكّك في صهيونيّة حراكهم، بل يتكثّف حضور العلم الإسرائيليّ للتعبير عن مقولة اجتماعيّة - تاريخيّة مفادها بأنّهم "أسياد هذا البيت... أبوه وأمّه لا المعسكر المقابل". كان هذا السبب الذي جعل أحد المتظاهرين يطارد عضو الكنيست الحريديّ - المتديّن بالعلم الإسرائيليّ ملوّحًا به في وجهه.

عن الحقيقة والوهم فيه سياق الترسيم الجديد للحدود

يطرح اليمين مخطّطه القضائيّ في سياق مخاض يعيشه في العقد والنصف الأخير، وسيرورة من إعادة إنتاج الذات وترسيم الحدود من جديد لناحية تسميك الأبعاد الفاشيّة السياسيّة والاجتماعيّة المحافظة والأرثوذكسيّة الدينيّة فيه، ومأسستها في مؤسّسات الدولة العميقة. وهو مخاض يتقاطع بسياق أوسع من تحوّلات في السيرورة الصهيونيّة تعيد فيه الصهيونيّة تسميك أبعادها الدينيّة والاستيطانيّة الاستعماريّة، بعد أن تطابقت هذه الأبعاد خلال العقود الأخيرة، حيث باتت الصهيونيّة أكثر دينيّة واليهوديّة أكثر صهيونيّة، وهي سيرورة من التحوّل الداخليّ يعود خيطها الأوّل إلى ما بعد احتلال عام 1967. لكنّها سيرورة وصلت إلى مفترق يفرض ضرورة في الحسم الجديد للمعنى العمليّ للجوهر اليهوديّ والصهيونيّ للدولة والعلاقة بين المؤسّسات، وذلك في خضمّ التحوّلات الاجتماعيّة والديمغرافيّة التي ضربت بالمجتمع والقماشة الحاكمة خلال العقدين الأخيرين، وهي أسئلة تجري داخل اليمين ذاته ولها تداعياتها على إعادة رسم حدوده وطبقاته.

يسيطر اليمين على المؤسّسات التشريعيّة والتنفيذيّة منذ عقدين من دون منافس، لكنّه في مرحلة يرى أنّ نجاح معركته في الهيمنة وتنفيذ الأجندة الاجتماعيّة والسياسيّة تستدعي أن تتجاوز مخالبه جدران المؤسّسات التشريعيّة والتنفيذيّة، وتتسلّل إلى مؤسّسات الدولة العميقة لتسترخي بها، وتقضم هوامشها ومنظومة كوابحها، أي مؤسّسات القضاء، الجهاز البيروقراطيّ من مستشارين قضائيّين ونيابة، المؤسّسات الأمنيّة والاقتصاديّة، الإعلام والأكاديميّا.

لا تخوض كتلة الرفض لنتنياهو صراعًا حول الديمقراطيّة، فالديمقراطيّة التي يزعم متظاهرو تل أبيب الدفاع عنها هي ديمقراطيّة الفوقيّة اليهوديّة في إطار نظام الأبرتهايد - الكولونياليّ الصهيونيّ، حيث إنّ الصراع هو داخل الصهيونيّة لا عليها. ينسى البعض أنّ جزءًا من قيادة هذه الاحتجاجات هم أنفسهم من بادروا ونصّوا قانون القوميّة الذي لم ينشف مداده بعد.

لا ينمّ تمسّك المتظاهرين بمؤسّسات الدولة العميقة عن انحياز لقيم الديمقراطيّة الجوهريّة وضرورة كبح تسلّط الأغلبيّة، بل ليقينهم بأنّ هذه المؤسّسات هي آخر ما يعبّر عن هواجسهم الاجتماعيّة وتصوّراتهم وهوامش حرّيّاتهم. هذه المؤسّسات التي يطالب المتظاهرون بالحفاظ على استقلاليّتها هي ذاتها التي أمعنت في قمع الشعب الفلسطينيّ لعقود. جهاز القضاء ذاته شكّل سدًّا حاميًا لمجرمي الحرب والضامن لتملّصهم من المحاكم الدوليّة، وكانت أعلى هيئاته أي "محكمة العدل العليا" من أخلص المتعاونين مع السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في تشريع وتسويغ الاستيطان والاعتقالات الإداريّة، ومنح الضوء الأخضر لجهاز الشاباك لممارسة التعذيب. ليس مفاجئًا إذًا أن يتصدّر منصّات الاحتجاج رؤساء سابقين للأجهزة الأمنيّة، وأن يتحوّل اللقاء التلفزيونيّ لرئيس الشاباك السابق، ندّاف أرغمان، الذي مارس الشاباك في عهد شتّى أنواع التعذيب بحقّ معتقلي هبة الكرامة، إلى أكثر موادّ الحركة الاحتجاجيّة رواجًا.

كما وليست الاحتجاجات تعبيرًا عن فرز سياسيّ حقيقيّ بين يسار- لم يستلق يومًا في رحم الصهيونيّة، وبين يمين، خاصّة بعد أن استقرّ خلال العقد والنصف الأخير حسمًا صهيونيًّا في الموقف الجوهريّ من المسألة الفلسطينيّة على الاحتفاظ بالكتل الاستيطانيّة، مقاومة حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطينيّ بدولة مستقلّة، واعتبار الأغوار الحدّ الشرقيّ للنظام الإسرائيليّ. يلتفّ نحو 90% من أعضاء الكنيست الحاليّين حول هذه المواقف، بالتالي فحدود المعسكرات الحاليّة لا ترسم على حدود الخلاف في هذه المسائل، وإنّما تحت سقف الإجماع عليها. أيّ صراع داخل معسكرات تجمع على القضايا الجوهريّة، لكنّها تعاني فرزًا حول الترتيب الاجتماعيّ داخلها.

الصراع بين النخب: التعبير السياسيّ عن الهاجس الاجتماعيّ

من هذا المنظور تعبر اللحظة الإسرائيليّة عن فرز اجتماعيّ يتسلّل إلى السياسة، ويأخذ شكل التعبير السياسيّ، ويجري ترحيله سياسيًّا إلى الموقف من المؤسّسة القضائيّة وتصوّر علاقات الكبح بين المؤسّسات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة وبيروقراطيّة الدولة. لا يعني ذلك أنّ الخلاف حول الموقف من علاقات المؤسّسات الحاكمة ببعضها لا يعكس بالضرورة تصوّرات سياسيّة مختلفة، خصوصًا أنّها قضايا ذات أبعاد جوهريّة يخوضها العالم أجمع في ظلّ صعود اليمين الشعبويّ العالميّ، وإعادة تحديد مفهوم الديمقراطيّة الجوهريّة وعلاقتها بالليبراليّة، وما يترتّب عنه من تصوّرت متنوّعة حول علاقات المؤسّسات المنتخبة بالأخرى غير المنتخبة.

ولا شكّ أنّ الفرز الصهيونيّ الحاليّ يعبّر بجزء منه عن خلاف بين هذه التصوّرات، لكنّه التعبير الضامر في المشهد. أمّا البعد العميق والضمين، فيتّصل بتحوّل صراع النخب الصهيونيّة على الهيمنة إلى ناحية صراع الحدود الاجتماعيّة -الطبقيّة - الدينيّة التي باتت أوضح من السابق. وكان تعبير خبير الهايتك د. غيورا يارون بالغا عن ذلك حين قال إنّ "الصراع اليوم هو بين دولة يهودًا مقابل دولة تل أبيب، وقد طفح الكيل لدى دولة تل أبيب".

باتت كتلة اليمين الجديدة بقيادة نتنياهو كتلة اجتماعيّة - سياسيّة تاريخيّة (بتعابير غرامشي) واضحة المعالم منذ عام 2009 بتحالف الصهيونيّة الدينيّة والشرقيّين والأرثوذكسيّة الأشكنازيّة والليكود الذي تغيّرت قماشته خلال العقد الأخيرة. تحيط هذه الكتلة نفسها بشبكة من المؤسّسات والمنظّمات الإعلاميّة والبحثيّة بوصفها نخبة ترسم حدود تحالفاتها وروافدها.

ربّما يمكننا الإمساك بخيط التعبير السياسيّ الأوّل لهذا التلاقح في عام 1977، عندما بادر مناحم بغين إلى إنشاء "المعسكر القوميّ"، بعد أن أدرك أنّ درب اليمين للسلطة ستمرّ عبر جسر من التحالف لكتلة "قومجيّة – استيطانيّة - محافظة" برئاسة الليكود، في مواجهة هيمنة نخبة "ماباي" التقليديّة. أعاد بغين حينها تعريف شكل الصراع داخل الصهيونيّة ليس بوصفه صراعًا بين معسكر يسار سياسيّ - اقتصاديّ تقليديّ مقابل معسكر يمينيّ سياسيّ - اقتصاديّ، إنّما فرزًا حول سؤال الهويّة اليهوديّة -الصهيونيّة وشكل حضورها في الدولة، أي مفهوم الجوهر اليهوديّ - الصهيونيّ للدولة. وهو ما دعاه إلى إقامة "المعسكر القوميّ" الذي جمع أحزابًا كانت على النقيض قبل احتلال العام 1967، ضمّت كلّ من اليمين القومجيّ، الصهيونيّة الدينيّة والمستوطنين والأحزاب المتديّنة. جرت مياه كثيرة في النظام والمجتمع الإسرائيليّ من وقتها، وتغيّر شكل وجوهر الكتلة السابقة على إثره، فالكتلة الحاليّة مختلفة الطابع، كما يستأنف الليكود الحاليّ على كثير من طروحات بغين، وليست المقالة الحاليّة مجالًا لمناقشتها.

ليس صراع النخب صراعًا جديدًا في إسرائيل، خصوصًا بعد التوجّه نحو النيوليبراليّة منذ الثمانينيّات وانتشار سياسات الهويّة "وسياسات الاعتراف" (بتعابير نانسي فريزر)، وصعود قوّة جديدة، خصوصًا الاستيطانيّة والدينيّة وتوسّع مدى سيطرتها في المجتمع والنظام، إلّا أنّ الصراع يجري في سياق من تسميك العلاقة بين اليهوديّة والصهيونيّة، وفي مرحلة إعادة تعريف مفهوم النظام الصهيونيّ لذاته، متأثّرًا من هذه التحوّلات الأخيرة، لا سيّما الديمغرافيّة منها.

باتت الحدود الاجتماعيّة - الطبقيّة بين المعسكرات المتصارعة أكثر سماكة وحدّة نتيجة تحوّلات اجتماعيّة وديمغرافيّة وسياسيّة، ضربت في عمق النخبة الإسرائيليّة الحاكمة والمجتمع الإسرائيليّ. وقد استطاع نتنياهو استقدام سياسات الهويّة لاستمالة شرائح مجتمعيّة رابطًا هواجسهم الاجتماعيّة والدينيّة باصطفاف سياسيّ معه، خصوصًا في أعقاب ملفّاته القضائيّة، حتّى وإن كان مختلفًا اجتماعيًّا عنهم.

لا يعني ذلك صحّة نظريّة الهويّة التقليديّة في تفسير أنماط التصويت والاصطفاف، التي تتطرّف حين تدّعي أنّ الجماهير تصوّت لمن يشبهها بالضرورة، وفي هذا تبسيط جارف ومجاف للواقع المركّب. يعلم الحريديّون أنّ نتنياهو لا يشبههم بشيء من علمانيّته، ويدرك الشرقيّون أنّ والدي نتنياهو لم يهاجرا من اليمن أو دول المغرب، لكنّهم في المقابل يحملون تصوّرًا ذاتيًّا يرى بأنّ الدولة العميقة قد شنّت حربًا على نتنياهو بسبب اصطفافه معهم، أي أنّ حرب الدولة العميقة مع نتنياهو هي الحرب عليهم من خلال نتنياهو.

بكلمات أخرى، لقد استقرّ في وعي هذه الكتلة وقواعدها الاجتماعيّة أنّ نتنياهو هو التعبير السياسيّ عن هواجسهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة. كما استرخى في وعيها أنّ المسار الوحيد المتاح لحراكهم السياسيّ في هرم النظام الإسرائيليّ، وفرض إزاحات فيه للتقدّم بين مواقعه لن يتحقّق لهم إلّا من خلال مخطّط ليفين القضائيّ المطروح.

في المقابل، يعلم المتظاهرون في تل أبيب من مهندسين وأطبّاء وأكاديميّين وروّاد هايتك، أنّ نتنياهو هو أكثر من يشبههم من حيث الخلفيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة وحتّى المواقف السياسيّة العامّة، كما قال لي صديق. لكنّهم يخوضون صراعًا على ما يعتبرونه الضامن لموقعهم الاجتماعيّ - الاقتصاديّ في الترتيب الهرميّ السياسيّ في النظام، من خلال حربهم مع نتنياهو الذي يصطفّ سياسيًّا مع القواعد الاجتماعيّة الأخرى، بالتالي، هم يدركون أنّ معركتهم الاجتماعيّة في الحفاظ على الترتيب الاجتماعيّ القائم لا بدّ أن تمرّ عبر معركة سياسيّة (لا جوهريّة) مع نتنياهو.

وفي هذه المعركة تشهر نخبة تل أبيب كلّ السيوف بصورة مفاجئة ومفارقة وداعية للسخرية أحيانًا. بصورة مفاجئة، بات إغلاق الشوارع ضرورة، والتصعيد الاحتجاجيّ إبداعًا، ورفض التجنيد العسكريّ "أخلاقًا"، ومقاطعة حكومة إسرائيل شرعيًّا، وهي جميعها أدوات جرم وقمع الفلسطينيّون والتقدّميّون من استخدامها على يد المؤسّسات ذات التي يتظاهر عشرات الألوف دفاعًا عن استقلاليّتها. لكنّ "السلّم الأخلاقيّ" للنخبة المناوئة لنتنياهو باتت ترى ذلك شرعيًّا طالما المسألة مسّت امتيازاتهم داخل الترتيب الاجتماعيّ الداخليّ الصهيونيّ.

نحن والاحتجاج

يطول الحديث، ويعرض حول الموقف الفلسطينيّ من هذا الاحتجاج وهو ما يحتاج ربّما لمساحة أخرى، لكن من المضحك والمثير للشفقة في هذا المشهد أن نجد قيادات سياسيّة لا تزال تتحدّث إلى جماهيرها بمفردات ولّت من الزمن الإسرائيليّ، وتذوّت الهامشيّة إلى درجة اختصار عملها السياسيّ بالبحث عن فرص بين المعسكرات، دون أن يعوا حقيقة الفرز السياسيّ. يدّعون الجماهير للانضمام إلى عرس لم ندع عليه أساسًا، واحتجاج يعتبر الدفاع عن المؤسّسات القمعيّة وجهاز الشاباك والمخابرات والأمن أحد أهمّ أهدافه. وحراك يتصدّر الجنرلات وخرّيجي الأمن منصّات الخطباء فيه.

حري بالقيادة في ظروف كهذه أن توسّع من مخيالها السياسيّ لا أن تقيم في وهمها السياسيّ، وتمعن في نشره بين الناس، تخاطب الناس حول حقيقة الفرز الإسرائيليّ القائم بشفافيّة وصلابة، لكن بحكمة ودون التعالي في المقابل على مخاوف الناس من التغييرات القادمة أو بالتهكّم ممّا قد تحمله علينا السنوات القادمة، والتي سيكون فيها مخرز الفاشيّة مسنّنًا وأكثر حادًّا في وجوهنا. لن يواجه هذا المخرز الصيهونيّ إلّا من خلال تنظيم الناس وبناء شبكات ومساحات من الأمان والنضال معًا، برفع ثقة الجماهير بإرادتهم السياسيّة وتشكيل بنى تحتيّة من مقوّمات الصمود لشعبنا أمام مرحلة تشدّ فيها الصهيونيّة من قوس فاشيّتها إلى نهايته، ونحن أوّل من سيكون في مرمى أهداف سهامها.

التعليقات