30/03/2023 - 17:09

بشأن كتاب سيمحا روتمان "حزب المحكمة العليا"

الغريب في كتاب روتمان هو استخدام العرب أساسا في التجنيد لموقفه المناهض للمحكمة العليا وما تمثله إسرائيليا، ربما لإدراكه سهولة تجنيد رأي عام إسرائيلي حول المواقف المعادية للعرب، علما بأن العرب يقعون خارج النقاش الجماهيري الدائر في إسرائيل

بشأن كتاب سيمحا روتمان

صورة لروتمان ونتنياهو وليفين خلال الاحتجاجات (Getty Images)

صحيح أن ما يسمّى بـ"الإصلاح القضائي"، أو "الانقلاب القضائي" بلغة معارضيه، يخدم بنيامين نتنياهو في الإفلات من حكم القضاء في الملفات الجنائية التي يجري التداول بها في المحكمة المركزية في القدس، لذلك قام بتحريكه في أول فرصة توفرت له فيها حكومة ذات أغلبية يمينية مطْلَقة، إلا أن "أبطال" هذا الإصلاح "الحقيقيين"، إن جاز التعبير، هما وزير القضاء ياريف ليفين، ورئيس لجنة القانون والدستور سيمحا روتمان، اللذان بلورا خطة الإصلاح، ويعملان منذ سنوات على دفعها وتحين الفرصة لإقرارها.

ياريف ليفين، وهو عضو كنيست من الجناح اليميني في الليكود، كان قد خدم في وحدة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي 8200، وهو يتقن اللغة العربية جيدا، حتى أنه ألّف قاموسا للمصطلحات الاقتصادية بالعبرية والعربية والإنجليزيّة، وهو حائز على البكلوريوس في الحقوق، وحاول منذ عام 2011 تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة. وفي عام 2013، حاول مع عضو الكنيست أييلت شاكيد، دفع عدة قوانين تهدف إلى تحديد صلاحية المحكمة العليا في مسألة إلغاء قوانين سنّتها الكنيست، وإعادة تشريع قوانين بعد إلغائها من قِبل العليا، وإعطاء صلاحية للكنيست بتعيين رئيس المحكمة العليا.

أما سيمحا روتمان، رئيس لجنة القانون والدستور البرلمانية، فهو عضو كنيست من "الصهيونية الدينية"، حائز على الماجستير في الحقوق، ويسكن في مستوطنة "عوفرا"، وقد أقام مع يهودا عمراني منذ عام 2013 "حركة الحوكمة والديمقراطية" التي أعطى في إطارها استشارة قانونية لمنتخبي الجمهور وأطر جماهيرية، ومثّل الحركة أمام المحكمة العليا، كما دفع بمبادرات تحولت إلى اقتراحات قوانين، منها اقتراح تعيين مستشارين قضائيين في الوزارات الحكومية، ومعارضة التفسير الواسع لمخالفة الإخلال بالولاء، وتغيير طريقة تعيين رؤساء المحاكم ونوابهم القائمة على الأقدمية.

عام 2019، أصدر روتمان كتاب "حزب محكمة العدل العليا - كيف سيطر رجال القضاء على الحُكم في إسرائيل". الكتاب ضمّ ادعاءاته ضد المحكمة العليا، ولماذا يجب تقليص صلاحياتها. وعام 2023 أصدر كتيب "دليل الإصلاح"، وتحدث فيه عن ضرورة "خطة الإصلاح" التي يعمل على دفعها وإقرارها كرئيس للجنة القانون والدستور إلى جانب ليفين.

تفاجأت قبل فترة قصيرة، عندما بعث لي أحد الأصدقاء صفحات من كتاب روتمان، يقتبس فيها مقاطع من أحد مقالاتي التي نُشرت في موقع "عرب 48"؛ تفاجأت، أولا لأنني لست بالكاتب المشهور إلى هذه الدرجة عموما؛ وثانيا لأنني بعيد عن منطقة التماس مع الأوساط الإسرائيلية، أي إنني لا أقع على "خط الاندماج" بحسب تعبير "اليسار الإسرائيلي"، بل عكس ذلك، ومثلنا يجري اقتباسه فقط عندما يُراد التحريض على العرب.

وهذا ما أراده روتمان طبعا عندما أبرز قولي إن "العرب هم حجارة الوادي ورمل الساحل وصخور جبال الجليل، وتراب سهوله، كانوا قبل ’الكيرن كييمت’، وسيبقون بعدها، ولن تقف العفولة ولا أي مدينة أخرى أمام تطورهم على أرضهم... وإن تلك الأسوار لن تصمد أمام الواقع الذي أنتجته سياسة الاستيطان الكولونيالي"؛ ليتوقّف عند استخدام مصطلح الكولونيالية، ويستنتج أن معركة العرب ضد الكولونيالية الصهيونية قضية مركزية، مستعينا باقتباس من تقرير "لجنة أور"، ورد فيه أن "الأرض هي مورد ماديّ ثمين وحيويّ بالذات في المجتمع العربيّ الزراعيّ بالأصل، ومن ناحية ثانية، هي قيمة رمزية وطنية تمثّل تمسّك العرب بالوطن، ونضالهم من أجل حقوقهم ومكانتهم في الدولة".

أقوال واقتباسات روتمان تلك، جاءت في إطار مناقشته لقرار العليا الإسرائيلية في "قضية قعدان"، الذي يعتبره اقتحاما وخرقا من قبل العليا للقيم الصهيونية المتمثلة بالاستيطان اليهودي على الأرض، وإقامة مستوطنات لليهود فقط، وهو يوظّف هذا القرار اليتيم للعليا، والذي جرى إجهاضه وإلغاؤه لاحقا لمهاجمة هذه المحكمة وتبرير تقليص صلاحياتها.

ويرتكز هجوم روتمان على المحكمة على محورين؛ الأول، هو مسألة الأرض الذي يوظّف فيه التماس قعدان، والثاني هو إطلاق حريّة العمل السياسيّ للعرب و"التسامُح" مع تنظيماتهم وقادتهم، خاصة في مرحلة القاضي أهارون باراك، صاحب نظرية "النشاط القضائي"، إذ ينتقد قراراتها في قضية الدكتور عزمي بشارة والتجمع الوطني الديمقراطي.

تحت عنوان "المحكمة العليا تدخل عزمي بشارة إلى الكنيست"، يفرد روتمان فصلا كاملا يتناول فيه التحولات التي حدثت في المحكمة العليا، من الالتماس، الذي أخرج حركة الأرض عن القانون نهائيا عام 1965 ومنع القائمة التابعة لها من خوض انتخابات الكنيست، وحتى السماح لعزمي بشارة وحزب التجمع من خوض الانتخابات، تباعا عام 1996 وعام 1999، وصولا إلى قبول العليا التماس بشارة ضد قرار لجنة الانتخابات المركزية، الذي انضمّ إليه المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية في حينه، إلياكيم روبنشطاين، عام 2002.

يهاجم روتمان قرار رئيس المحكمة العليا أهارون باراك، الذي وبرغم اعترافه أن الأفعال المنسوبة لبشارة حول نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية ودعمه للكفاح المسلح ضدها، يقعان، كما يقول، في مركز أهداف بشارة وأفعاله، ورغم إشارته إلى أن هذه الأفعال ليست فكرة نظريّة، بل هي طاقة سياسية أخرجها الأخير من القوة إلى الفعل بواسطة نشاط متكرر وبقوة كبيرة، كما يكتب باراك؛ إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإدانته، إذ أراد باراك أدلة أكثر حدّة، وقد كتب أن "الشكوك التي تواجهنا هي في ما إذا كانت الأدلة المبنيّ عليها الجواب الإيجابّي للسؤالين الذين طرحناهما، هي أدلة مقنعة وواضحة، ولا تقبل التأويل".

في انتخابات 2006، لم يتم تقديم أي طلب بشطب بشارة، كما لم يقدّم أي استئناف على قرار رئيسة لجنة الانتخابات دوريت بينيش، المصادِقة على ترشيحه، والسبب هو الإعلان عشية الانتخابات عن "قرار قضائي نشط بشكل خاصّ"، أصدره رئيس المحكمة العليا، باراك، في التماس كان بشارة قد قدمه قبل ذلك بخمس سنوات، وطالب فيه بإلغاء لوائح الاتهام التي قُدِّمت ضده عام 2001 من قبل المستشار القضائي للحكومة. القرار القضائي، كما يقول روتمان، اعتبَر خطابيّ بشارة في أم الفحم وفي سورية، لا يشكلان سببا كافيا لتقديمه للمحاكمة بسبب حصانته البرلمانية. الوحيدة التي طالبت بردّ الالتماس هي القاضية إستر حيوت، رئيسة المحكمة العليا اليوم، وكانت في موقع الأقلية بين تركيبة القضاة الثلاثة.

في انتخابات 2009، ألغت العليا أيضا قرار لجنة الانتخابات بشطب قائمة التجمع من خوض الانتخابات. وفي انتخابات عام 2013، ألغت العليا قرار لجنة الانتخابات بشطب حنين زعبي على خلفية مشاركتها في "أسطول الحرية" لكسر الحصار عن قطاع غزة. وفي انتخابات لاحقة، ألغت العليا مرة أخرى قرار لجنة الانتخابات شطب زعبي على خلفية رفضها إدانة عملية أسر ثلاثة مستوطنين، وتضامنها مع قطاع غزة خلال عملية "الجرف الصامد".

في هذا الباب أيضا، أفرغت المحكمة العليا قانون أساس من مضمونه، كما يدعي روتمان، الذي يعارض مصطلح "ديمقراطية تدافع عن نفسها" بمصطلح "ديمقراطية تنتحر"، كما يعارض ما كتبه باراك حول صعود الحزب النازي أيضا للحكم بطريقة ديمقراطية، لتأييد قراره بإلغاء شطب حنين زعبي، بما كتبه القاضي، فيتكون، الذي استخدم المثل ذاته لتبرير قراره في منع حركة الأرض.

أما الغريب في كتاب روتمان، فهو استخدام العرب أساسا في التجنيد لموقفه المناهض للمحكمة العليا وما تمثله إسرائيليا، ربما لإدراكه سهولة تجنيد رأي عام إسرائيلي حول المواقف المعادية للعرب، علما بأن العرب يقعون خارج النقاش الجماهيري الدائر في إسرائيل بين مؤيدي ومعارضي "الإصلاح" أو "الانقلاب" القضائي، ورغم أن ذلك لا يعني أننا قد نكون أول ضحاياه.

التعليقات