17/05/2023 - 09:54

في أصول سياسة القوة الإسرائيلية حيال غزة

أكد أكثر من معلق سياسي وعسكري إسرائيلي أن جانبًا من التطبيقات المُفرطة في وحشيتها لهذه العدوانية الإسرائيلية الهوجاء في غزّة مستوحى قلبًا وقالبًا من "مقاربة الحرب الروسية في جورجيا"، خلال صيف 2008، والتي تقف في صلبها عقيدة أن "كل شيء

في أصول سياسة القوة الإسرائيلية حيال غزة

أطفال في غزة على ركام بناية قصفها الاحتلال (Gettyimages)

لم تكن الحرب الإسرائيلية العدوانية أخيرًا ضد قطاع غزة الأولى التي تتّبع دولة الاحتلال فيها سياسة استخدام القوة المفرطة لتحقيق الردع، غير آبهة بالثمن الباهظ الذي يتكبّده الطرف الخصم، في بناه التحتية، ومنشآته، وأحيائه الآهلة بالسكان المدنيين. وكانت هناك تلميحاتٌ صريحةٌ كثيرةٌ إلى أن سياسة القوة هذه مُقرّة منذ أعوام طويلة، بما يصعُب معها توقّع أن تلتزم الآلة الحربية الإسرائيلية بمسّ الأهداف العسكرية فقط، حتى أن أحد كبار المعلقين العسكريين اعتبر أن مثل هذا الالتزام من إسرائيل يعني انتحارها.

وفي إحدى الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة قبل 15 عامًا (معركة الفرقان/ الرصاص المصبوب) ادّعت تحليلاتٌ متطابقةٌ أن ما شهدته يندرج في إطار "عقيدة دفاعية جديدة" في إسرائيل، فحواها أن تتصرّف الأخيرة باعتبارها "دولة هوجاء" في مقابل "أعداء يتبنّون إستراتيجيا الاستنزاف وإطلاق النار عن بعد". وبكلمات أخرى "أن تردّ (على مصادر إطلاق النار) بعملية عسكرية كبيرة ووحشية، بغض النظر عن عدد الضحايا التي تتسبّب بهم!".

وأكد أكثر من معلق سياسي وعسكري إسرائيلي أن جانبًا من التطبيقات المُفرطة في وحشيتها لهذه العدوانية الإسرائيلية الهوجاء في غزّة مستوحى قلبًا وقالبًا من "مقاربة الحرب الروسية في جورجيا"، خلال صيف 2008، والتي تقف في صلبها عقيدة أن "كل شيء في الحرب مُباح"! وذهب المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت إلى حدّ القول إنه من الآن فصاعدًا ما عاد في إمكان الجنرالات الإسرائيليين، الذين سبق أن تحدّثوا بلهفةٍ عن الأساليب التي استعملها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال حربه على جورجيا، إلا أن يتحدّثوا باللهفة نفسها عن أداء الجيش الإسرائيلي في القطاع.

غير أن تلك "العقيدة الجديدة" كانت مستلّة، في ذلك الوقت، مما اصطُلح آنذاك على تسميتها "إستراتيجيا الضاحية" أو "عقيدة الضاحية"، والتي كان قائد المنطقة العسكرية الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوت، أول من تحدّث بشأنها، في سياق مقابلة أدلى بها إلى صحيفة، يديعوت أحرونوت، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2008.

ومما قاله أيزنكوت (أصبح لاحقًا رئيسًا، لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي) في هذا الصدد: "أنا أسمّي ذلك عقيدة الضاحية. ومؤدّاها أن ما حدث في حي الضاحية الجنوبية في بيروت، خلال حرب لبنان الثانية في عام 2006، هو ما سيحدُث أيضًا في أي قرية لبنانية يطلقون النار منها على إسرائيل. فسنفعّل ضدها قوة غير متناظرة، ونتسبّب في ضررٍ ودمارٍ بالغيْن. وسيغدو الحديث، من ناحيتنا، يدور حول قواعد عسكرية، لا حول قرى مدنيّة". وردًّا على سؤال فيما إذا كان هذا يعني أنه يوصي هيئة الأركان العامة والمؤسّسة السياسية في إسرائيل بإنزال أقصى العقوبة بأي قرية لبنانية تُطلق نيران منها؟، أجاب أيزنكوت: "هذه ليست توصية. إنها خطّة، وقد تمّ إقرارها".

وطبقًا لما قاله هذا الجنرال، منيت إسرائيل، خلال حرب لبنان الثانية، بإخفاقين: "عدم تقصير أمد الحرب. وإتاحة المجال، طوال 33 يومًا، لشنّ هجمات بالصواريخ على إسرائيل ولإطلاق النار على نطاق غير مسبوق منذ حرب 1948". أمّا النتيجة التي يتوصل إليها فهي: يجب حسم الحرب المقبلة، في حالة اندلاعها، بسرعة وقوة ومن دون أي اعتبار للرأي العام العالمي. فـ "لدينا القدرة على القيام بذلك. ولدينا قوة كبيرة، بالمقارنة مع ما كان. وليست لديّ أي أعذار لعدم تحقيق الأهداف التي سأُكلّف بإنجازها!".

بطبيعة الحال، ثمّة إمكانية للتطرّق إلى العدوان الإسرائيلي على غزة من نواحٍ كثيرة، غير أن هذه الناحية تحديدًا تبقى، في رأيي، مهمّة في الوقت الحالي، نظرًا إلى ما تعنيه من تداعياتٍ في المستقبل المنظور، قد تترتّب على مضي إسرائيل نحو مزيدٍ من العدوانية الهوجاء. ولا يقل أهمية عن ذلك، في الوقت نفسه، أن هذه الناحية تشفّ عن جوهر إسرائيل في أعين قادتها، ماضيًا وحاضرًا وأيضًا مستقبلًا.

التعليقات