21/05/2023 - 18:21

أبناؤنا لا يجيدون القراءة!

%57 من الطلاب العرب تواجههم صعوبات في القراءة وفهم المقروء في اللغة العربية ||  محدودية القدرة على التعبير التي يولدها العسر في القراءة، تجعل من لغة العنف الحل الأسهل في إدارة الاختلاف والخلاف.

أبناؤنا لا يجيدون القراءة!

(توضيحية - Getty Images)

نُشرت خلال الأسبوع الماضي، نتائج الامتحان الدولي "بيرلس"، الذي يمتحن قدرات الطلاب في القراءة وفهم المقروء، حتى صف الرابع. تتيح نتائج الامتحان المقارنة بين نتائج الطلاب عالميا، وتتبع التغيرات الحاصلة على قدرات الطلاب خلال سنوات، كما أنها تلقي الضوء على الفروقات بين الطلاب أبناء الطبقات المختلفة في داخل الدولة الواحدة. يكتسب التقرير الذي صدر مؤخرا أهميته من كونه الامتحان الدولي الأول الذي يستعرض التغيرات في مستوى القراءة وفهم المقروء لدى الطلاب، بعد جائحة كورونا.

دراسة النتائج التي تتعلق بالطلاب العرب، في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية، تظهِر صورة قاتمة، مفادها أن أكثر من نصف الطلاب العرب في المدارس، تواجههم صعوبات في القراءة وفهم المقروء، كما أن هناك زيادة نوعية في نسبة الطلاب التي لا تجيد القراءة. إضافةً إلى الفجوة الآخذة في الاتساع بين معدل الطلاب الفلسطينيين والإسرائيليين في البلاد.

تظهر النتائج أيضا، الفجوة الآخذة في الاتساع بين مستوى الطلاب الفلسطينيين واليهود في المدارس الحكومية الإسرائيلية. إذ يشكل الفرق بين معدل الطلاب أكثر من 70 نقطة لصالح الطلاب اليهود، كما أن نسبة الطلاب التي تجيد القراءة بشكل ممتاز في أوساط الطلاب العرب، أقلّ من نصف نسبتهم بين أقرانهم اليهود في المدارس العبرية.

تُضاف هذه النتائج إلى نتائج امتحان "بيزا" 2018، الذي يمتحن قدرة الطلاب في القراءة والحساب والعلوم، إذ أظهرت النتائج أن 57% من الطلاب العرب تواجههم صعوبات في القراءة وفهم المقروء في اللغة العربية، كما أن الفرق بين معدل الطلاب العرب واليهود وصل إلى 144 نقطة لصالح الطلاب اليهود. أما في ما يتعلق بالطلاب المتفوقين الذين أحرزوا نتائج عالية في المواضيع الثلاثة، كانت نسبتهم بين الطلاب العرب تقارب الصفر.

كُتبت خلال السنوات عشرات المقالات والأطروحات العلمية في الجامعات حول أزمات تدريس اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية، بداية من إقرار المناهج واختيار النصوص، مرورا في بيروقراطية تعيين المدرسين، حتى شحّ الميزانيات للطلاب والصفوف، وأشارت الكثير منها إلى المحاولات الإسرائيلية الحثيثة خلال السنوات إلى تحويل تدريس اللغة العربية إلى أداة سيطرة، ضمن مشروع التهويد ومحو الطابع العربي للبلاد وأهلها. تجلت هذه السياسات مؤخرا وأخذت طابعها الرسمي الدستوري في قانون القومية الذي ضرب مكانة اللغة العربية، وأقر اللغة العبرية، اللغة الرسمية في البلاد.

إن الصورة القاتمة التي تظهرها النتائج، بالإضافة إلى استمرار تدهور مستوى الطلاب، تحتّم علينا جميعا، إعادة قراءة الموقف والخروج في طُروحات وسُبل عمل جديدة، تأخذ في الحسبان الواقع المعيشي للمجتمع العربي، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية النابعة من استعصاء مهمة القراءة في اللغة العربية بين الطلاب الفلسطينيين.

إن القراءة ليست أداة ميكانيكية، أو قدرة ثانوية يمكن التجسير عليها في المراحل المتقدمة في حياة الطلاب، أو التغاضي عنها، لعلها تتطور مستقبلا. تشير الأبحاث إلى الدور الأساسي الذي تؤديه القراءة في المراحل الأولى لتطور القدرة الذهنية لدى الأطفال، وفي اكتساب الثروة اللغوية لتطوير القدرة على التواصل والفهم الاجتماعي، كما أنها ترتبط، بشكل مباشر بتطوير القدرة على حل المشكلات والتعبير. إن الفجوة النابعة عن عسر القراءة في جيل مبكر، تصبح في ما بعد عائقا أمام القدرة على إدارة الحوار، وحلّ الخلاف والتعبير الكلامي، مما يؤثر سلبا على التطور الاجتماعي والتحصيل العلمي في جميع المجالات.

يواجه المجتمع العربي الفلسطيني منذ سنوات أزمة العنف والجريمة، التي كادت تطال كل بلدة ومدينة عربية في البلاد. يترافق توسع رقعة العنف والجريمة مع انخفاض مستمر في أعمار الضحايا، والضالعين في عالم الإجرام على حد سواء. حيث أنه تشير الأرقام إلى أن نصف الضحايا والضالعين في عالم الإجرام، هم من الشبان تحت عمر الـ30. حتى بتنا نشهد مظاهر العنف والجريمة في المدارس والمؤسسات التعليمية بين أوساط الشباب في أعمار مبكرة.

في اعتقادي، إن محدودية القدرة على التعبير التي يولدها العسر في القراءة، تجعل من لغة العنف الحل الأسهل في إدارة الاختلاف والخلاف، ما يمكن أن يفسر بشكل جزئي الانتشار الواسع للغة العنف على حساب اللغة العربية ولغة الحوار في مراحل مبكرة من عمر الأطفال والشبان، إذ أصبحت لغة العنف تحكم العلاقات بين الطلاب في ما بينهم، وعلاقة الطلاب بطاقم المدرسين. إضافةً إلى ذلك، إن العسر في القراءة وفهم المقروء يصبح في مرحلة متقدمة من عمر الشباب عائقا كبيرا أمام الاندماج في سوق العمل، في وظائف ذات جودة تضمن المنالية الاقتصادية، مما يجعلهم لقمة سهلة لتجار الجريمة والعربدة، ليحولوهم إلى مرتزقة في صفوفهم.

إن التدهور المستمر في مستوى الطلاب العرب؛ إضافةً إلى الانتشار الواسع للغة العنف، يستوجب منا جميعا تبني نهج جديد ينظر إلى تدريس اللغة العربية وتطوير قدرات القراءة وفهم المقروء لدى الطلاب كقضية اجتماعية ووطنية، حيث لا تقتصر مسؤوليتها على جهاز التربية والتعليم فقط. خصوصا أن نتائج الطلاب تنذر بوضع كارثي لا يمكن تفاديه، إلا من خلال إحداث تغييرات جذرية، والخروج بمشروع وطني جماعي يعيد للغة العربية مركزيتها في صقل الهوية، انطلاقا من رؤية تشدد على العلاقة بين لغة اللسان، وتنشئة الإنسان، وإعمار المكان.


* محام ومدافع عن حقوق الإنسان، حاصل على الماجستير في التخطيط الحضري من الجامعة العبرية، وعلى شهادة في إدارة المشاريع الاجتماعية من جامعة ديوك في الولايات المتحدة.

التعليقات