18/06/2023 - 17:35

"بدنا نعيش" من ثورة 36 حتى يومنا

الجريمة تصطف إلى جانب السلطة في قمع شعبنا، وتتحول إلى كرباج للسلطة في وجه جماهيرنا، "بدنا نعيش" نعم، ولكن مع كرامة وحقوقنا القومية ودون تنازل عن مطلبنا العادل في المساواة والحقوق غير المنقوصة.

مظاهرة احتجاج على جريمة القتل الجماعي في يافة الناصرة، 9 حزيران (Getty Images)

أحد أهم أسباب فشل ثورة القسّام عام 1936 في فلسطين، هو نجاح البريطانيين والحركة الصهيونية في دسِّ عملاء، يعتدون على الناس وينهبون ويسلبون باسم الثورة، حتى بات الثوار في نظر الناس قطّاع طرق، وخلطوا الصّالح في عزا الطالح، وتطابق مع ما وصفتهم به دولة الانتداب بأنهم "مخرّبون".

أثناء وجود الثورة الفلسطينية في لبنان، لعبت شريحة من الانتهازيين في الثورة الفلسطينية دورًا في تشويه صورة المقاتل الفلسطيني، إذ تحوّل بعضهم إلى زعران استغلّوا مواقعهم كقوة مسلحة وحوّلوا مكاتبهم إلى مواقع لاصطياد الحسناوات، ونفوذهم إلى اعتداءات على اللبنانيين والفلسطينيين وحمأة للفساد، مما أساء بشكل أو بآخر لسمعة الثورة وشرفائها، لدى فئات واسعة من اللبنانيين والعرب والفلسطينيين أنفسهم.

الأمر نفسه تكرّر في الضفة الغربية وقطاع غزة، هناك أصحاب نفوذ استغلوا مناصبهم للفساد مما أساء لسمعة الناس الوطنيين حقًا، من جميع أطياف واتجاهات شعبنا السياسية.

ما يجري على ملعب منطقة 48 في مجال الجريمة مختلف في التطبيق ولكن النتيجة قريبة جدًا وإن كانت غير مباشرة.

إطلاق يد الجريمة يوحي للناس بـ"حلّة حُكم"، أي أنَّه لا حماية للمواطن.

تكرار هذه الجرائم شكَّك بقدرة مجتمعنا على حماية نفسه، وأدى إلى انهيار القيم الأصيلة التي ميّزتنا لعقود كثيرة والتي شكّلت درع حماية ومناعة لمُجتمعنا.

في هذه الأجواء الكئيبة هناك أصوات كثيرة توجّه أسهمها إلى الأحزاب العربية والفعاليات السياسية والنشطاء الحزبيين وإلى لجنة المتابعة تحت سؤال "أين أنتم وماذا فعلتم؟!"، بعض هذه التساؤلات يهدف إلى النّقد بالفعل، وذلك من موقع الألم على ما وصلناه، ولكن الكثير من هذه التساؤلات مدسوسٌ ويسعى إلى التخريب، بقصد أو بغير قصد، فهو يهدف إلى نشر حالة من اليأس والعجز عن معالجة قضايانا، ووضعنا في موضع التسليم بأننا مجتمع فاسد ومتعفن، ولكن ما علاقة هذا بثورة 1936 المسلحة وما تلاها مما ذكرتُ؟

صحيح أنّنا لسنا بصدد ثورة مسلّحة، ولكننا منذ عقود بصدد تنظيم مجتمعنا وتوحيده لأجل النضال لانتزاع حقوقه في الوسائل والأطر المتاحة.

انتشار الجرائم بلا حساب هو نشرٌ متعمّد للفوضى، يهدف إلى وضع الجماهير العربية وقياداتها في موقع العاجزين، حتى يصبح اللجوء إلى جهاز القمع الأكبر هو الملاذ لحماية النفس تحت شعار" بدنا نعيش"، الأمر الذي يعني طي صفحة مطالبنا الكبيرة كأقلية قومية لها حقوقها التي تقرُّها القوانين الدولية كشعب أصلي في وطنه، إلى أقلية مشرذمة خائفة تحكمها أذرع العصابات.

هذا يؤدي إلى عدة نتائج أولّها فقدان الثقة بالقيادات العربية على مختلف مشاربها، ومن ثم فقدان الرغبة في أي عمل نضالي تحت قيادتها.

عدم ثقة الناس بعضهم ببعض، حتى بين الجار وجاره، وبين الشقيق وشقيقه، وتحولّنا إلى مجتمع كسيح ومريض، الجميع يتّهمون الجميع.

هذه السياسة ليست جديدة، ولكنها تفاقمت في زمن الحكومة الأكثر تطرّفًا والتي لا تخفي أهدافها المبيّتة ضد جماهيرنا العربية، وتتفنَّن في طريقة عزلنا عن جذورنا، وتسعى إلى سدِّ سبل العيش والمسكن في وجوه شبابنا لدفعه إلى الهجرة خارج الوطن، وهذا كجزء من نهج يهودية الدولة.

لقد قُتل أكثر من مئة إنسان منذ بداية العام في أعمال إجرامية في داخل مناطق 48، وفي الفترة ذاتها استشهد في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 160 شهيدًا برصاص الاحتلال.

هذا يعني أنّ ضحايا الحرب التي تشنُّها يد الجريمة على مجتمعنا لا يقل بكثير عن عدد ضحايا الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع الفارق الواسع بين الحالتين.

الآن وبعد أن وصلنا إلى هذه المرحلة من الفوضى وجداول الدَّم، صار اللجوء إلى الاعتقالات الإدارية ذريعة إلى مزيد من شد الحبل على خناق جماهيرنا العربية.

هنالك الكثير مما يقال عن لجنة المتابعة وعن قيادات الأحزاب العربية، نعم يجب أن تكون محاسبة للذات بالفعل، ولكن شتّان بين الدعوة إلى محاسبة الذات لتصحيح المسار، وبين التيئيس وضرب الأسافين بين الضحايا.

الجريمة تصطف إلى جانب السلطة في قمع شعبنا، وتتحول إلى كرباج للسلطة في وجه جماهيرنا، "بدنا نعيش" نعم، ولكن مع كرامة وحقوقنا القومية ودون تنازل عن مطلبنا العادل في المساواة والحقوق غير المنقوصة.

التعليقات