04/01/2024 - 15:06

اغتيال العاروري والبحث عن صورة نصر خارج غزة

ليس من قبيل الصدفة أن تتم عملية الاغتيال الجبانة في أوج المفاوضات الجارية في القاهرة حول صفقة تبادل أسرى، والتي تجريها الحكومة الإسرائيلية "مضطرة" تحت وطأة الضغط المتزايد لذوي المحتجزين.

اغتيال العاروري والبحث عن صورة نصر خارج غزة

الشهيد صالح العاروري

في كتابه "التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية" يرصد، رونين بيرغمان، 2700 عملية اغتيال نفذتها أذرع إسرائيل الاستخبارية والعسكرية على مدار 70 عاما، في إطار سياسة الاغتيالات التي تبلورت مع إقامة المنظمة الصهيونية الأولى عام 1907 ولم تنته سنة 2017 التي انتهى عندها الكتاب، ولن تنتهي على ما يبدو بعملية اغتيال القائد صالح العاروري في بيروت.

وتشمل قائمة الاغتيالات عشرات القادة والكوادر والمثقفين الفلسطينيين، أبرزهم ياسر عرفات وأحمد ياسين وأبو جهاد وعبد العزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى وغسان كنفاني وماجد أبو شرار وغيرهم، إلى جانب العشرات من علماء الذرة المصريين والعراقيين والإيرانيين ورجال السياسة العرب والأمميين، ويضم الكتاب كما يقول مؤلفه، سلسلة طويلة من النجاحات التكتيكية المذهلة والفشل الإستراتيجي الكارثي، ويشير إلى أن إسرائيل التي تعاني من التهديد الدائم أنشأت جيشا فعالا ولديها أفضل وكالات استخبارات في العالم وأقوى آلة اغتيال في التاريخ.

وحول "فلسفة" الاغتيالات الإسرائيلية، يقول بيرغمان، إن القادة الإسرائيليين اعتقدوا منذ إنشاء الدولة أن العمليات السرية والاغتيالات التي تتجاوز حدود العدو هي أداة مفيدة لتغيير التاريخ أو القيام بشيء ما لتغيير الواقع دون اللجوء إلى الحرب، ويرى أن الاغتيالات هي جزء من سياسة إسرائيلية عامة للعمليات السرية المستخدمة لتوسيع الفجوة الزمنية بين الحروب، مستشهدا بمقولة رئيس الموساد الأسبق مئير دغان، "يجب خوض الحرب عندما يكون السيف على عنقنا فقط".

لكن عملية اغتيال القائد في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" صالح العاروري، ليس أنها خروج عن هذا النسق الذي حكم سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية الطويلة، الذي يرى بالاغتيال بديلا للحرب ومنعا لها، بل هي تعويض عن الفشل في الحرب وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق الأهداف العسكرية الموضوعة لها بعد نحو 90 يوما على نشوبها والمتمثل بالقضاء على حماس وتصفية قياداتها في غزة، والبحث عن صورة نصر خارج ساحة المعركة بعد الفشل في الحصول عليها في معمعانها.

اغتيال العاروري هي محاولة للهروب إلى الأمام للخروج من الوحل الذي غرق فيه الجيش الإسرائيلي في غزة، حتى بثمن فتح جبهات أخرى وتوسيع نطاق الحرب عن طريق كسر قواعد اشتباك تكرست على الجبهة اللبنانية منذ حرب 2006، وهي إثبات على أن هذا الجيش الذي فشل بالمواجهة المباشرة أمام مقاتلي المقاومة على الرغم من تفوقه العسكري والتقني ولجأ إلى القصف والتدمير وقتل وتهجير المدنيين في أبشع حرب إبادة عرفها القرن الحالي، يعود أيضا إلى استعمال أسلوب العصابات السوداء الذي يبرع فيه دون إقامة اعتبار لانتهاك سيادة دولة عربية وحرمة أحيائها المدنية الآمنة الكائنة في قلب عاصمتها، بحثا عن "صيد ثمين" يغطي من خلاله على فشله في غزة.

وليس من قبيل الصدفة أن تتم عملية الاغتيال الجبانة في أوج المفاوضات الجارية في القاهرة حول صفقة تبادل أسرى، والتي تجريها الحكومة الإسرائيلية "مضطرة" تحت وطأة الضغط المتزايد لذوي المحتجزين، الذي بدأ يتعاظم مع نهاية الشهر الثالث للحرب دون أمل يذكر بتحقيق هدف إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية.

كما تتزامن عملية الاغتيال، أيضا، مع صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بإلغاء قانون أساس قامت بتشريعه حكومة نتنياهو ويندرج في إطار ما يسمى بـ"خطة الإصلاح القضائي"، التي أريد منها تحديد صلاحيات المحكمة العليا وكانت سببا في انقسام الشارع الإسرائيلي قبل الحرب، وهو قرار أعاد خلط الأوراق الإسرائيلية التي رتبتها الحرب وشكل جرس إنذار لحكومة نتنياهو باقتراب انتهاء "الوحدة المؤقتة" التي فرضتها الحرب والبدء بـ"سن السكاكين" و"تعليق المشانق" للمتورطين في فشل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وربما فشل الحرب أيضا، وعلى رأسهم نتنياهو نفسه.

إذَنْ هي محاولة بائسة لقطف ثمار سريعة في اللحظة الأخيرة، بعد الفشل الذي لازم حكومة نتنياهو واستخباراتها وجيشها منذ عملية السابع من أكتوبر وخلال الأشهر الثلاثة من الحرب الدموية التي تشنها على غزة، علها تشفع لهم أمام اتهامات لجان التحقيق التي تنتظرهم فور انتهاء الحرب، وهي لن تشفع لهم لأنها تشكل تأكيدا على فشلهم في غزة.

التعليقات