08/01/2024 - 18:52

قلق إدارة بايدن من التهجير بـ"الإقناع"…

لقد شاركت إدارة بايدن، وما زالت في حرب الإبادة على الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة، ولن تستطيع تصريحات فجّة ومغمغمة عن حلّ الدولتين أن تقلّص أو تخفي هذه المسؤوليّة...

قلق إدارة بايدن من التهجير بـ

الرئيس الأميركيّ جو بايدن (Getty)

التهجير بالإقناع، هي الصيغة الّتي استخدمها وزراء في حكومة إسرائيل. والإقناع هي كلمة موجّهة إلى الأذن الخارجيّة، ولكنّها في الواقع تعني الإمعان في المذابح والمجازر والقضاء على إمكانيّة الحياة في قطاع غزّة من خلال تدمير البنى التحتيّة ومواصلة الحصار وتلويث المياه والأرض وقتل البشر والشجر والحجر.

لا يوجد إنسان يقتنع بمغادرة وطنه، وبالذات في قطاع غزّة، وإذا كان هناك من يغادر فليس بهدف الهجرة، بل بهدف العمل ودعم صمود الأهل في وطنهم.

علاقة الفلسطينيّ في وطنه علاقة روحيّة وعقائديّة، وليست مادّيّة فقط، ولا تقاس بمعدّل دخل الفرد ومستوى المعيشة، إنّها علاقة مقدّسة فأكثر الفلسطينيّين يعتبرونها أرض الأنبياء، ويرون أنّ العيش في فلسطين هو منحة إلهيّة وتفضيل، ويدعم هذا أحاديث عن الرسول محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، عن بيت المقدّس وأكناف بيت المقدس.

هذه العلاقة المقدّسة تعزّزها عقيدة عميقة، الإسراء والمعراج والمحشر والمنشر ومسقط رأس المسيح وغيره من الأنبياء والقدّيسين عليهم السلام.

في خضمّ المجازر وشعار التهجير "بالإقناع"، يزور وزير الخارجيّة الأميركيّ أنطوني بلينكن إسرائيل ضمن جهود أميركا لمنع توسّع الحرب في الجبهة الشماليّة مع حزب اللّه!

إدارة بايدن لا تريد مغامرة إسرائيليّة في الشمال ليس حقنًا لدماء أحد، ولكنّها لا تريد ورطة جديدة، حتمًا ستكون طويلة، وتشتّت قوّة إسرائيل، وتشغلها في أكثر من جبهة، وستجد أميركا نفسها مرغمة على التورّط لإنقاذها، في وقت تسعى فيه لتخفيف التوتّر في المنطقة ضمن حسابات مصالح أميركيّة، تتضرّر من جرّاء التوتّر في البحر الأحمر والخليج العربيّ، بمعنى آخر هي تريد ضبطًا للنفس حتّى الانتهاء من معضلة قطاع غزّة، أمّا حزب اللّه فـ"لاحقين عليه"، وهو يدخل في إطار الشدّ والتجاذبات في سياسة أوسع تجاه إيران ومنع نشوء حلف دوليّ مناوئ لأميركا ومصالحها بقيادة الصين وروسيا، ويشمل إيران وكوريا الشماليّة ودولًا أخرى رافضة للهيمنة الأميركيّة.

تنزعج أميركا من تصريحات التهجير بالإقناع، لأنّها تظهر حقيقة الحرب عارية، فتحرج من أدعياء محاربة الإرهاب في أميركا وأكثر الأنظمة العربيّة الّتي تقف متفرّجة أمام حرب الإبادة ودون جهد حقيقيّ لوقف الحرب أو حتّى لإدخال مساعدات إنسانيّة.

لا ترى أميركا بمقتل أو جرح أو التسبّب في إعاقة 4% من سكّان قطاع غزّة أمرًا يستحقّ وقف الحرب، وتستخدم حقّ النقض ضدّ قرارات في وقفها!

لكنّها تقلق لتصريحات "غير مسؤولة" من وزراء فاشيّين! لأنّها تسعى إلى بثّ الوهم بنشوء دولة الفلسطينيّة بعد الحرب، وذلك بهدف امتصاص نقمة أكثريّة الشعب الفلسطينيّ على السياسة الأميركيّة، ومنح الأنظمة العربيّة الموالية لأميركا والمتواطئة مع إسرائيل للقضاء على كلّ حركة مقاومة مساحة للمناورة، كذلك فهي تخاطب بعض الدول الأوروبّيّة المحرجة، وتضلّل الرأي العامّ الأميركيّ وخصوصًا من جمهور الديمقراطيّين المستائين من سياسة جو بايدن تجاه الحرب على قطاع غزّة.

أميركا لا ترى في مقتل عشرة آلاف طفل في قطاع غزّة سببًا معقولًا لوقف القتال، رغم أن هذا الرقم يوازي قتل مليون ونصف مليون طفل في أميركا ونصف مليون طفل في مصر، و340 ألف طفل في بريطانيا و400 ألف طفل ألمانيّ، و40 ألف طفل في إسرائيل، وتشرّعن هذا بحجّة القضاء على حماس، ولا تطلب سوى المزيد من الحذر في العمليّات وكأنّ هناك حذرًا من أساسه في التعامل مع المدنيّين والمنشآت المدنيّة!

لقد انتهى حلم الدولتين منذ عقود، وامتلأت الضفّة الغربيّة بالمستوطنين والمستوطنات وهي ما زالت في توسّع، ومعظم مواطني إسرائيل اليهود لا يرون في الضفّة الغربيّة مناطق محتلّة، سوى قلّة هامشيّة جدًّا، وحتّى اليساريين يطلقون عليها مختلف التسميات، مثل يهودا والسامرة أو الأراضي "الممسوكة" أو الضفّة الغربيّة من غير تعريف موقعها السياسيّ، أو مناطق السلطة، أو الأراضي المتنازع عليهاـ، لقد اختفى تعبير الأراضي المحتلّة من قاموس معظم الإسرائيليّين، وخصوصًا الجيل الشابّ الّذي صار يرى في حرب 1967 واحتلال الضفّة وقطاع غزّة والجولان تاريخًا من الزمن الغابر المفروغ منه، ولم يسمع بأنّه احتلال! ويرى في كلّ مقاومة للاحتلال نوعًا من الإرهاب، ويرى في البناء عملًا مشروعًا دون تمييز بين استيطان في داخل الخطّ الأخضر أو خارجه وحتّى على أراض فلسطينيّة خاصّة، وكلّ هذا بسبب مواظبة حكومات إسرائيل المتعاقبة على رفض الحقوق الفلسطينيّة بفضل التأييد الأميركيّ والداعم بدون أيّة ضوابط سوى بعض ملاحظات هامشيّة لا تمسّ الجوهر.

لقد شاركت إدارة بايدن، وما زالت في حرب الإبادة على الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة، ولن تستطيع تصريحات فجّة ومغمغمة عن حلّ الدولتين أن تقلّص أو تخفي هذه المسؤوليّة، وإذا كان هناك من يجب أن يقف في محكمة العدل الدوليّة لو كانت هناك نزاهة بالفعل، فيجب أن يكون جو بايدن إلى جانب بيبي نتنياهو وحلفائه، صحيح أنّنا لا نستطيع معاقبة أميركا، وهذه ليست سوى أضغاث أحلام، ولكنّها الحقيقة الّتي يجب التأكيد عليها، أميركا كانت وما زالت معادية لشعبنا وحقّه في العيش على أرض وطنه بحرّيّة وكرامة، وما زالت أميركا معادية لكلّ شعب يتوق إلى حرّيّته، وتحاربه إذا ما حاول تحقيقها بذريعة الإرهاب، أو تتآمر عليه باختلاق مختلف الأذرع التخريبيّة مثل داعش وغيرها.

التعليقات