01/02/2024 - 16:11

إسرائيل وتحطم عقيدة القوة العسكرية

رد فعل إسرائيل بعد السابع من أكتوبر جاء مختلفا، فالعنجهية والعربدات الكلامية وتقديس القوة العسكرية عادت بقوة، بل إنها لم تغب سوى في الأيام الأولى التي عمت خلالها الصدمة وقلة الحيلة والرعب وحتى التواضع.

إسرائيل وتحطم عقيدة القوة العسكرية

(Getty Images)

المقارنة بين السادس من أكتوبر (حرب 73) وبين السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) هي مقارنة إسرائيلية بالأساس، وهي تقترن أساسا بالفشل الاستخباري والعسكري الذي مني به الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وبالصدمة المهولة التي ضربت المجتمع الإسرائيلي وزعزعت أركانه في الحالتين.

في السياق يكتب غدعون ليفي أنه رغم تشابه الفعل، فإن رد الفعل الإسرائيلي اختلف جذريا في الحدثين، ففي أعقاب السادس من أكتوبر خفضت إسرائيل رأسها تواضعا وأعادت حساباتها وانطوت على نفسها وحزنها، حيث اختفت مظاهر العنجهية والعربدات الكلامية التي خلقتها حرب 67 ومظاهر تقديس الشخصية العسكرية والجيش، لتوقع بعد أربع سنوات اتفاقية السلام الأهم في تاريخها.

في حين أن رد فعل إسرائيل بعد السابع من أكتوبر جاء مختلفا، فالعنجهية والعربدات الكلامية وتقديس القوة العسكرية عادت بقوة، بل إنها لم تغب سوى في الأيام الأولى التي عمت خلالها الصدمة وقلة الحيلة والرعب وحتى التواضع، وعادت إسرائيل لتتصرف وكأنها لم تفاجأ ولم تهاجم على يد "جيش الحفاة المحاصر"، بتعبير ليفي، أو كأن جيشها لم ينكشف بضعفه وغيابه ولا كمن ظهرت قوتها العسكرية كبندقية خرقة مهشمة.

ويستغرب ليفي، أنه بعد أربعة أشهر على السابع من أكتوبر إسرائيل تتصرف كأنها بعد "الخامس من حزيران 67"، حيث عاد خطاب العنجهية العسكرية يحتل الشاشات فيما امتلأت الأستوديوهات بالجنرالات الذين يتحدثون بلهجة، "نضرب هنا" و"نحتل هناك" ويحركون قوات من بيروت إلى طهران، وبضمنها اليمن ومحور فيلادلفيا، في وقت يعربد الجيش والمستوطنون في الضفة الغربية.

د. تومر فريسكو، الباحث في جامعة رايخمان، يساعدنا في تفسير هذه الظاهرة، التي تترافق كما يقول مع ما يصفه بسلسلة المؤتمرات والاحتفالات والرقصات، التي تنادي بالعودة إلى "غوش كطيف"، والتي يدعو إلى فهمها على أرضية الأزمة العميقة التي تمر بها دولة إسرائيل وعلى أرضية الفهم الذي بدأ يتسرب عميقا بأن إسرائيل، بكل أسف، هي ليست إمبراطورية.

ويرى فريسكو أن التصريحات عن العودة للاستيطان في "غوش كطيف" وإقامة بؤرة استيطانية حريدية بالقرب رفح أو "المدينة العبرية" في غزة هي مجرد رد فعل احتجاجي على الضربة القوية التي تلقتها إسرائيل في السابع من أكتوبر، علما أن أصحاب تلك الاقتراحات يدركون جيدا بأن إمكانيات تحقيقها تقارب الصفر.

وهو يورد ما توصل إليه ليون باسنجر من كبار علماء النفس الاجتماعيين، الذي بحث في سنوات الخمسين المجموعات التي تحطم الحلم "المسيحاني" لخاص بها، ووجد أن رد فعلها تمثل بالخروج بحملات تبشيرية، مشيرا إلى أن الذين تلقوا ضربة قوية لحلمهم بالذات يحاولون تحقيقه في محاولة للحصول على تصديق اجتماعي لصحة طريقهم عن طريق إقناع الآخرين بموقفهم، وهي دينامية معروفة منذ المسيحيين الأوائل وحتى أنصار "حباد" اليوم، كما يقول ويشير إلى أن هذه الدينامية تتبدى الآن ليس في التناقض بين العبودية والنبوة، بل بين الصورة المتخيلة لدولة إسرائيل كقوة إقليمية عظمى يمكنها فعل كل ما تريد، وبين الواقع الآخذ بالتكشف بأن الجيش الإسرائيلي ليس كبيرا وقويا، كما كان يعتقد الجمهور الإسرائيلي وبأن دولة إسرائيل ليست قوة عظمى إقليمية ووجودها مرتبط بشكل مطلق بالولايات المتحدة الأميركية.

وبهذا المعنى فإن الحرب الحالية، كما يعتقد، هي عكس حرب 1967 التي هزمت فيها إسرائيل جيوش مصر والأردن وسورية واحتلت ثلاثة أضعاف مساحتها وأزاحت السيف الذي كان مسلطا على رقبتها.. والتي جعلت إسرائيل تعتبر نفسها خلال 56 عاما وحتى السابع من أكتوبر "إمبراطورية" ودولة من طراز مختلف.

هذه الحرب، كما يقول فريسكو، مختلفة بكل المقاييس فهي حرب طويلة ومؤلمة بدأت بضربة مفاجئة ولن نخرج منها إسرائيل بفرحة عارمة، بل بإحباط، وهو ما يؤكده البحث الذي أجراه مركز الصحة النفسية في "معهد روبين الأكاديمي"، الذي أظهر أن 45% من السكان البالغين في إسرائيل أصيبوا بالاكتئاب بعد السابع من أكتوبر، وأن 30-43% أصبحوا يعانون بنسب متفاوتة من الخوف وضيق ما بعد الصدمة، ما يعني أن ما يقارب نصف سكان إسرائيل يعاني من مستويات مرضية من الاكتئاب.

التعليقات