28/02/2024 - 10:45

عن بلاغة المقاومة في الضفة الغربية

تأتي المقاومة في الضفة ردّا على تطوّرات متعلقة بالمعركة على الأرض، منها اتّساع هجوم المستوطنين الإسرائيليين على الأراضي الفلسطينية في المناطق ج، والذي يجري، في الوقت الحالي، تحت ستار مخطّط إقامة بؤر زراعية تمتد من جنوب الخليل حتى غور الأردن.

عن بلاغة المقاومة في الضفة الغربية

صورة أرشيفية لمواجهة مع الاحتلال في الضغة الغربية (Getty images)

تمثّل أول استنتاج خلُص إليه الوسط الأمني في إسرائيل، والمقصود جيش المحلّلين العسكريين والمسؤولين السابقين في المؤسّسة الأمنية، من عملية المقاومة التي نفّذت بالقرب من "حاجز الزعيم" العسكري في القدس يوم 22 شباط/ فبراير الحالي، في الإقرار بأن كل ما يوصف بأنه "إجراءات هجومية وقائيّة" يقوم بها الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنيّة في أراضي الضفة الغربيّة في الآونة الأخيرة قد مُنيت بالفشل الذريع. وتشمل هذه الإجراءات مداهماتٍ يوميةً في شتى أرجاء الضفة، ومصادرة أسلحة، وقتل مئات الفلسطينيين، واعتقال آلاف منهم، وتعزيز قوات الجيش الإسرائيلي في الميدان، وتنفيذ خطوات عقابية بحق أسر المقاومين مع التركيز على هدم المنازل.

وبموجب ما يؤكّد مسؤولٌ سابق بشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، لم تعد التغطية الاستخباراتية لأراضي الضفة كافية. وهذا يعود جزئيّا، في قراءته، إلى أن عددا كبيرا من منفّذي عمليات المقاومة غير مطابق لبروفايل موجود لدى الأجهزة الاستخباراتية، سواء من حيث أعمارهم، أو انتماؤهم إلى فصائل المقاومة، أو وازع العمليات التي ينفّذونها، فضلا عن الفشل في كبح تسلّح المقاومين المُحتملين. وفي مجرّد هذا إشارة خفيّة إلى استعصاء المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي تشهد زخماً قبل عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على غزّة.

ولا بُدّ من الإشارة إلى أنه، بالإضافة إلى العلاقة مع المُستجدّيْن المذكوريْن، تأتي المقاومة في الضفة ردّا على تطوّرات متعلقة بالمعركة على الأرض، منها اتّساع هجوم المستوطنين الإسرائيليين على الأراضي الفلسطينية في المناطق ج، والذي يجري، في الوقت الحالي، تحت ستار مخطّط إقامة بؤر زراعية تمتد من جنوب الخليل حتى غور الأردن. وتُشعل إقامة بؤر كهذه على طول الضفة الغربية مواجهاتٍ يومية بين المستوطنين والفلسطينيين.

ومنذ بداية الحرب على غزّة تشير تقارير فلسطينية ومنظمّات حقوق إنسان إسرائيلية إلى إجلاء عدد كبير من الفلسطينيين عن أراضيهم بسبب سيطرة المستوطنين عليها وتواطؤ الجيش. وتعتبر هذه التغييرات على الأرض بمثابة بداية عملية أبعد مدى، وهي نقل الصلاحيات من الإدارة المدنية وقيادة المنطقة العسكريّة الوسطى إلى إدارةٍ أنشأها الوزير في وزارة الدفاع الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش. فوفقاً للاتفاقات الائتلافية في الحكومة الإسرائيلية الحالية، من المتوقّع أن يعيّن قريبا، ولأول مرة، نائب مدنيّ لرئيس الإدارة المدنية العسكريّ. بالإضافة إلى ذلك من المفترض، خلال بضعة أشهر وعلى مراحل متفق عليها مسبقاً، انتقال كل الصلاحيات القانونية من منسّق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى منسّق النشاطات الموجود في وزارة الدفاع والتابع لسموتريتش. وفي الواقع، كما نُشر أخيرا في وسائل إعلام إسرائيلية، بدءا من آذار/ مارس حتى نهاية أيار/ مايو، سوف تنتقل إلى هذا المنسّق على دفعات متتالية الصلاحيات القانونية في مجال الأراضي والتخطيط والتنفيذ. والمقصود، مثلما ورد في تحليل لصحيفة يديعوت أحرونوت، عدة خطوات مهمة تعكس عمليّاً ونظريّاً صراع الاحتلال الإسرائيلي لبسط السيطرة على الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية في مواجهة السلطة الفلسطينية. ولقد أصر سموتريتش على الحصول على هذه الصلاحيات في الاتفاقيات الائتلافية، والسبب معروف.

بدأ في إسرائيل، في الأعوام الأخيرة، استخدام مصطلح "الاحتلال المريح"، واعتبر بعضهم أنه قد يتحوّل إلى صيرورة في الواقع السياسي في حال استمرار أمرين: الأول، انعدام وجود معارضة حقيقية لهذا الاحتلال وعموماً لحُكم اليمين الإسرائيلي الموجود في حالة زواج كاثوليكي مع اليمين المتطرّف والحريدي، في حين أن العنصر الطاغي على أداء الأحزاب التي تحاول أن تقف على الضدّ من سياسة هذا اليمين محاولة التحوّل إلى ملحق لهذا اليمين، تعبيرا عن الغرق في الأوهام وخداع النفس بأن من شأن ذلك أن ينجح في جذب جماهير أحزاب الوسط واليمين إلى صفوفها، بفضل مواقفها الاجتماعية المترافقة مع قبولها بالاحتلال. الثاني، عدم جباية ثمن باهظ سياسيّا ومادّيا جرّاء هذا الاحتلال وممارساته الاستيطانية. ولا شك في أن بلاغة المقاومة الفلسطينية في الضفة كامنة الآن في وضعها حدًّا للأمر الثاني.

التعليقات