التصعيد الإسرائيلي: نتنياهو يستبق انفراجة أميركية - إيرانية محتملة

توحي الهجمات العدوانية الإسرائيلية في سورية ولبنان والعراق، في الأسبوع الأخير، بوجود تغيير، أو تعديل على الأصح، في السياسة الإسرائيلية في إطار الصراع في المنطقة، أو ما يوصف في إسرائيل بـ"الحرب غير المعلنة"، ضد إيران

التصعيد الإسرائيلي: نتنياهو يستبق انفراجة أميركية - إيرانية محتملة

(أ ب)

توحي الهجمات العدوانية الإسرائيلية في سورية ولبنان والعراق، في الأسبوع الأخير، بوجود تغيير، أو تعديل على الأصح، في السياسة الإسرائيلية في إطار الصراع في المنطقة، أو ما يوصف في إسرائيل بـ"الحرب غير المعلنة"، ضد إيران.

ويتمثل تغيير السياسة بأنه حتى بداية تموز/ يوليو الماضي، كانت الهجمات الإسرائيلية تقتصر على سورية، حيث شنّت إسرائيل مئات الغارات التي استهدفت مواقع إيرانية بالأساس، خلال السنتين الماضيتين. لكن إسرائيل وسّعت هذه الهجمات إلى العراق، منذ منتصف الشهر الماضي، رغم أنها نفذت عمليات، استخبارية بالأساس، في العراق خلال السنوات الماضية.

وتهدف العمليات ضد إيران إلى منع التموضع الإيراني في سورية، ولإحباط محاولة نقل الأسلحة لحزب الله، لكنها امتنعت عن ذلك في لبنان حتى يوم الأحد الماضي.

والأمر اللافت في هذا السياق، هو الهجوم الإسرائيلي في معقل حزب الله، فجر الأحد الماضي، بطائرتين مسيرتين صغيرتين ("درونات") ومفخختين. فقد امتنعت إسرائيل عن شن هجمات وغارات في لبنان عموما وضد حزب الله خصوصا منذ سنوات طويلة، بعد حرب لبنان الثانية في العام 2006، ويعترف الإسرائيليون بهذه الحقيقة، بل يصفون سببها بـ"الردع المتبادل".

والسؤال الآن هو لماذا غيّرت إسرائيل سياستها ووسّعت هجماتها إلى العراق، وبشكل خاص إلى لبنان؟ والإجابة الإسرائيلية على ذلك هي منع توسع نفوذ إيران، وبناء قواعد جديدة لها لانطلاق هجمات ضد إسرائيل. وقد تكون هذه الإجابة صحيحة بالنسبة للعراق، رغم وجود تعقيدات أخرى في هذه الناحية، أبرزها المساس بالمصالح الأميركية في العراق.

لكن هذه الإجابة لا تنطبق على لبنان، لأنه لم يتغير شيء هناك، ولم يحدث أي جديد، يستدعي الهجوم بـ"الدرونات" في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى أن هجوما كهذا قد يستدعي ردًا جديًا من حزب الله، وهو ما تتوقعه إسرائيل الآن. وبحسب تقرير صحيفة "ذي تايمز" البريطانية، اليوم، فإن الهجوم على الضاحية الجنوبية كان يستهدف مخزنًا لوسائل تطوير دقة صواريخ حزب الله.

(أ ب)

وتوسيع إسرائيل لغاراتها، يضطرها إلى أن تأخذ بالحسبان حسابات جهات ودول أخرى، في مقدمتها الولايات المتحدة في أعقاب مطالبة الحكومة العراقية، من جانب قوى سياسية محلية، بإخراج القوات الأميركية من العراق. لكن في المقابل، فإن إسرائيل وإيران وحزب الله ليسوا معنيين بحرب، ولذلك فإن التصعيد الإسرائيلي قد يكون محسوبا، بأن الرد سيكون محدودًا.

ويرجح أن يكون هذا تصعيد مؤقت، وأنه يأتي في سياق الأنباء عن لقاء محتمل بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونظيره الإيراني، حسن روحاني، وأنه ربما وصلت إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، معلومات مسبقة حول لقاء كهذا أو تقدمًا في المفاوضات بين الدولتين.

وفي حال تم عقد لقاء بين ترامب وروحاني، وأعقبه تقارب وحل لأزمة الاتفاق النووي، فإن هذا سيؤدي إلى انفراج في العلاقات الأميركية – الإيرانية، ما يعني انهيارا كاملا لسياسة نتنياهو الخارجية والإقليمية وفشل رهانه، بعدما كان قد أقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي والدخول في مواجهة مع إيران، تسببت بتصعيد أمني في منطقة الخليج.

ومن شأن تطورات في هذا الاتجاه أن تقلب حسابات نتنياهو. لكن هذه ليست حساباته وحده، وإنما حسابات قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وفي مقدمتها الجيش. ونتنياهو لا يضع سياسات إسرائيلية كهذه لوحده، وإنما بمشاركة أجهزة الأمن بالأساس، التي تتمتع بإجماع واسع في إسرائيل. وبما أن لا مصلحة لإسرائيل في الحرب أو تصعيد بالغ، خصوصًا قبيل انتخابات الكنيست، منتصف الشهر المقبل، فإن التغيير الحالي في السياسة تجاه إيران وحلفائها قد يرمي إلى "تقليص الأضرار" من فشل الرهان على ترامب، علاوة على استثمار الأجندة الأمنية في خدمة نتنياهو، كما حصل عام 2015 قبل الانتخابات أيضا.

لكن من الجهة الأخرى، ليس مستبعدا أبدا أن إسرائيل، تسعى إلى اتجاه آخر، وهو تخريب توجه ترامب. وبالإمكان القول إن نتنياهو، والمؤسسة الأمنية معه، لا تثق بانفلات ترامب وتهديداته، بعد تجربة كوريا الشمالية. فقد انقلبت تهديدات الرئيس الأميركي ضد بيونغ يانغ إلى لقاءات حميمة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لم ينقصها سوى القبلات. ولذلك ليس مستبعدا أن تسعى إسرائيل إلى الضغط العسكري باتجاه استمرار المواجهة مع إيران، وفرض هذا التوجه من خلال توسيع دائرة هجماتها.

وإمكانية ثالثة هي أن نتنياهو والأجهزة الأمنية يسارعون لضرب المصالح الإيرانية في العراق وسورية ولبنان، لاستغلال "نافذة زمنية" قبل انفراج محتمل في العلاقات الأميركية – الإيرانية، كما قال ترامب أمس في المؤتمر الصحافي مع نظيره الفرنسي، لذلك تسارع إسرائيل إلى تنفيذ غارات وهجمات بوتيرة مرتفعة، تحديدًا في العراق، بالإضافة إلى الهجمات المتكررة في سورية ضد القواعد الإيرانية.

لكن التصعيد في لبنان وتحدي حزب الله هو المستجد الأخطر، وربما محاولة إسرائيلية لتغيير قواعد الاشتباك أو الردع المتبادل، الذي التزم به الطرفان، إسرائيل وحزب الله، خصوصًا في ظل التقارير الصحافية الإسرائيلية بأن إسرائيل قررت اتباع سياسة هجومية قتالية أكثر مقارنة مع هجماتها في السابق، وهذا ينذر بأن احتمالات التصعيد حقيقية. فالاعتداء الإسرائيلي في معقل حزب الله، الضاحية الجنوبية، هو سابقة منذ انتهاء حرب تموز 2006، ومدى التصعيد وحجمه مرهون الآن بنوعية الرد الذي سيقدم عليه حزب الله، الذي بحسب تقديرات إسرائيلية سيكون محدودًا وضد أهداف عسكرية في الجليل.

يبدو أن فشل رهان نتنياهو على ترامب بكل ما يتعلق بمواجهة إيران سينعكس في الفترة المقبلة بمزيد من التصعيد في المنطقة، المضبوط قدر الإمكان إسرائيليا، لكن قد تتحول الهجمات "التكتيكية" الموضعية "المحسوبة" إلى مواجهة أوسع في أكثر من مكان، خصوصًا وأن إيران تعتمد المواجهة غير المباشرة للخصوم ولا تحصرها في مكان محدد.

 

التعليقات