بشأن فرية لا تستخدم إلا ضد الوطنيين

إن رمي عبء صعود اليمين المتطرف على الفلسطينيين في إسرائيل هو إسفافٌ ما بعده إسفاف. فالعرب في إسرائيل لا يمكنهم أن يصدوا ولا أن يؤخروا صعود اليمين في دولة اليهود في ظروف الاحتلال.

بشأن فرية لا تستخدم إلا ضد الوطنيين

صندوق اقتراع في الطيبة، توضيحية (Getty Images)

من يتحمل مسؤولية صعود قوة اليمين في إسرائيل هو ثقافة المجتمع الإسرائيلي السياسية، وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفكر وسياسة حركة العمل الصهيونية وما تشعّب عنها منذ عام 1948، وسياسات الاستيطان والقمع في المناطق المحتلة، وأمننة المجتمع والدولة. والأهم، وقبل هذا وذاك، التناقض الكامن في العلاقة بين الاستعمار الاستيطاني والديمقراطية، والتلازم بين الديني والقومي في هذا البلد.

تدعم اليمين الإسرائيلي المتطرف والمتطرف جدًا نسبة تزيد عن 80 في المئة من أصوات المجتمع الإسرائيلي حاليا، وينطبق هذا على بنية البرلمان منذ سنوات. ولا يجوز أن يشوش الصراع الداخلي في اليمين على شخصية نتنياهو في رؤية هذه الصورة. لقد واصلت حكومة نفتالي بينيت المناهضة لنتنياهو (والتي دعمها بعض ممثلي المجتمع العربي) سياسات التمييز ضد المواطنين العرب، كما كانت أكثر نشاطًا في الاستيطان وأكثر تعاليًا وصلافة وغرورًا في العلاقة مع السلطة الفلسطينية في رام الله من حكومة نتنياهو. ليس بينيت وغدعون ساعر وليبرمان أقل من نتنياهو يمينية أو تطرفًا أو عنصرية أو تعاليا على المواطنين العرب.

إن رمي عبء صعود اليمين المتطرف على الفلسطينيين في إسرائيل هو إسفافٌ ما بعده إسفاف. فالعرب في إسرائيل المفترض أنهم مشغولون بقضاياهم الحياتية اليومية وبالحفاظ على مواقف وطنية في ظروف التطبيع العربي مع إسرائيل، لا يمكنهم أن يصدوا ولا أن يؤخروا صعود اليمين في دولة اليهود في ظروف الاحتلال. لكن يمكنهم الحفاظ على هويتهم الوطنية من الضياع، ويفترض أن يعملوا للحفاظ على مجتمعهم المهدد بالانحلال وانتشار الجريمة، وأن يناضلوا بحكمة، وحتى أن يعملوا ببراغماتية إذا لزم، من أجل حقوقهم المدنية من دون أن يتحولوا إلى مخلوقات مشوهة من أنصاف العرب وأنصاف الإسرائيليين.

أما الإسفاف الأكبر الذي يصل حد "المسخرة" المعيبة، فهو تحميل الحركة الوطنية مسؤولية حرق الأصوات بمجرد خوضها الانتخابات التي أجبرت على خوضها منفردة، بعد محاولة تهميش قياداتها وتهميش خطها السياسي. وكان خوض التجمع للانتخابات منفردا، إنجازًا كبيرًا وكبيرا جدا له في هذه الظروف. وربما حقق المكان الأول بين الشباب حتى سن 35. وإنّ أصحاب افتراء حرق الأصوات، الذي لا يقوم على حسن نية ولا على تحليل موضوعي بأي حالٍ من الأحوال، لا يفقهون لماذا تخوض الحركة الوطنية الانتخابات من أصله، ولو فهموا ذلك لعرفوا أن الصوت السليم والوازن والمؤثر هو الذي يذهب إليها. وهكذا يفهم التجمع الوطني الديمقراطي الأمر. من يصوت له يعبّر عن موقف خالص في هذه الظروف، ويؤثّر بهذا التعبير في وضع سد أمام التدهور، ذلك التدهور الذي انتقل من التصويت للأحزاب الصهيونية، وهذا هو حرق الأصوات الفعلي، إلى أخذ أصوات العرب ووضعها في ائتلافٍ مع غانتس وبينيت وليبرمان وساعر وأمثالهم. وهو شكلٌ جديدٌ من حرق أصوات العرب.

وأخيرًا، إن عدم الخروج للتصويت أليس نوعا من حرق الأصوات؟ أن تحصل الحركة الوطنية التي أجبرت على خوض الانتخابات وحدها على هذا الكم الكبير من الدعم والتعاطف والالتفاف بعد أن أهمَلَت تميزها وقواعدها وتنظيمها الذاتي مدة طويلة في ظروف الائتلافات الانتخابية هو إنجازٌ كبير وكبير جدًا، ويبيّن أيضا أنها رقمٌ صعب في المعادلة، لا يمكن تهميشه كما جرت المحاولة. ولا يمكن عقد أي تحالفات في المستقبل من دونها، والأهم من دون أخذ موقفها السياسي الأخلاقي بالاعتبار. وهي قادرة على خوض الانتخابات والنجاح مستقبلا. والانتخابات بالنسبة لها وسيلة نضالية في الدفاع عن حقوق المواطنين المدنية والقومية، والتعبير عن موقفها السياسي والأخلاقي، وموقف قواعدها الاجتماعية.

لم يعد ممكنًا الحديث عن المساواة من دون ذكر دولة المواطنين، وهذا يعني وضع النضال من أجل المساواة في تناقضٍ مع الصهينة والتصهين. ولم يعد ممكنًا الحديث عن حقوق العرب في الداخل من دون ذكر كونهم سكان البلاد الأصليين وجزء من الشعب العربي الفلسطيني. لقد نجح التجمع في تسييد هذا الخطاب على مستوى الشارع والثقافة السياسية. ولكن التمثيل البرلماني لا ينفك يحاول التملص منه باتجاه نسج الأوهام حول التأثير في البنية الحزبية الإسرائيلية بثمن قبول الوجود على الهامش، والتهاون في الموقف الوطني، والتساوق مع عملية التشوّه الثقافي والوطني التي يُشكل انتشار الجريمة جزءًا لا يتجزأ منها. إن ما حصل عليه التجمع الوطني الديمقراطي في الانتخابات هو ردٌّ ساطع على حرق الأصوات، ويُفترض أن يستغله لبنائه الذاتي ولمخاطبة أولئك الذين اختاروا ألا يمارسوا حتى أضعف الإيمان في اتخاذ الموقف، وأن يترجمه إلى عمل يصب في رفض فكرة أنّ الأحزاب العربية تتنافس فقط على خمسين في المئة من أصوات العرب، وفي رفض التسليم بأن غالبية الخمسين في المئة المتبقية تراوح بين العجز واللامبالاة.

إن من يتحمل مسؤولية صعود نتنياهو هم من صوتوا له، فلا أحد يقول إنّ حزب العمل يتحمل ذلك لأنه حصل فقط على أربعة مقاعد أو أنّ الموحدة والجبهة تتحملان مسؤولية ذلك لأنهما حصلا على تسعة أو عشرة مقاعد فقط، والتجمع لا يتحمل مسؤولية ذلك لأنه اقترب من نسبة الحسم ولم يجتزها. وهو بدوره لا يحمل مسؤولية ذلك لأولئك المواطنين الذين يتبنون مواقفه ولم يكلفوا أنفسهم عناء الوصول إلى الصندوق ومنحه الأصوات القليلة المتبقية لاجتياز نسبة الحسم. هذا كلام ترهات، وتفوهات شعبوية لا تصلح إلا للتراشق الإعلامي عديم المسؤولية، ولذر الرماد في العيون ولكي لا يرى المواطن العربي ما يجري فعلًا على الساحة الإسرائيلية، ولكي يتحمل مسؤوليته الوطنية والأخلاقية.

التعليقات