28/08/2007 - 14:05

هل الديمقراطية شيء طارئ ينتهي بالسيطرة على مقاليد الأمور؟../ سمير زقوت

هل الديمقراطية شيء طارئ ينتهي بالسيطرة على مقاليد الأمور؟../ سمير زقوت
فوجئت ببيان القوة التنفيذية، الذي بدأ بـ"لو أنك تريثت يا مجدلاوي"، والذي سيق فيه سيل من العبارات التي تمس ليس بشخص المجدلاوي بل وبتاريخ الجبهة الشعبية وفكرها ومواقفها السياسية.

في البداية استرعى انتباهي إلى أن من يرد على قائد سياسي هو القوة التنفيذية وليس مصدرا سياسيا في حركة حماس، وهذا يذكر بدور اللواء غازي الجبالي المدير السابق لجهاز الشرطة الفلسطينية، وكان حرياً بالقوة التنفيذية أن تبقى قوة لإنفاذ القانون، ولا علاقة لها بالسجال السياسي والتصريحات والتصريحات المضادة. كما يجدر قبل الخوض في الحرص على ما تبقى لنا، أن أتناول المغالطات التي وردت بحق المجدلاوي وجبهته.

ففيما يتعلق بالمجدلاوي فإن الرجل يشهد الكثيرون بمواقفه الوطنية الحازمة، والتي ذكر لي أحد البارزين من صحفيي حركة حماس أنه في أحد الأيام، قبل أن تصبح حماس قوة برلمانية، وخلال اجتماع للجنة القوى الوطنية والإسلامية، أمسك المجدلاوي بتلابيب أحد البارزين من قيادة حركة فتح الممثلين في اللجنة، وهمَّ بضربه لولا تدخل الحاضرين، وأشار يومها إلى أنه والدكتور محمود الزهار اضطرا للمشاركة في سجال وسباب ولم يكون من السهل عليهما ترك المجدلاوي الذي انبرى للدفاع عن حماس.

وفي حادثة أخرى بثتها على الهواء مباشرة قناة الجزيرة، انبرى المجدلاوي للرد على محمد دحلان، الذي أنيط به ملف أراضي المستوطنات التي أخلتها إسرائيل، وكانت الندوة سابقة على إعادة قوات الاحتلال لانتشارها. وكان أن عبر المجدلاوي عن موقف رافض لطريقة التعامل مع الملف مؤكداً أنه ملف للفساد ولثراء اللصوص وأنه لا يعود بالخير على الفقراء من أبناء الشعب، كما أنه ملف وطني ولا يجوز لحركة فتح أن تستفرد به، فكان أن انبرى السيد أبو علي شاهين الوزير السابق للرد بطريقة لا تخلو من إسفاف على المجدلاوي، واستخدم فيها بعضاً من أسلوب التنفيذية.

كما يحضرني اليوم الذي حوصر فيه الصحفيون في مكتب قناة الجزيرة، وكيف أن المجدلاوي كان وطنياً بامتياز لدرجة أنه خرج عن عرف السياسة والدبلوماسية، وعبر بالفعل عن غضبة رجل الشارع العادي في وصف موقف الحركتين واقتتالهما.

أما عن الجبهة الشعبية وتاريخها، أعتقد أن كل ما تطالب به حماس اليوم، والذي يصوَّر على أنه اكتشاف القمر، ناضلت من أجله الجبهة الشعبية ودفعت ثمناً كبيراً له، بدءاً من فساد مؤسسات منظمة التحرير، مروراً بإعادة بناء مؤسساتها على أساس شراكة وطنية وسياسية حقيقية وغيره من القضايا ذات العلاقة بالبرنامج السياسي.

كما أن هذه الجبهة التي تتناول باستخفاف، لم تقدم تنازلات سياسية، بل بقيت تتحفظ على كثير من القضايا، بدءاً من الهدنات المتكررة التي التزمت بها بالرغم من رفضها لها، ومروراً ببرنامج منظمة التحرير وقرارات الأمم المتحدة موضع الجدل (242 – 338)، كما رفضت تعديل ميثاق منظمة التحرير، وحتى كان لها موقف من وثيقة الأسرى هو على يسار موقف حركة حماس.


وهذه الجبهة التي انطلقت بعد هزيمة حزيران 1967، ورفعت راية النضال الوطني، بل ولعبت دوراً هو الأقوى في طرح قضية الشعب الفلسطيني على الرأي العام العالمي ومؤسسات الأمم المتحدة من خلال عمليات خطف الطائرات، والصراع الذي أدارته باقتدار مع جهاز الموساد وغيره من أجهزة المخابرات العالمية التي ناصبت شعبنا العداء. تعرضت للحصار والتضييق وسدت عنها منافذ التمويل لأنها لم تقبل أن تكون أداة في يد أي نظام، فناصرت العراق وهي تقيم في سوريا، بل وسوريا تشارك بقوات إلى جانب الأمريكان في حرب الخليج الثانية. كما ضحت بالتمويل الليبي ورفضت الصمت على سياسة قائد الثورة الليبية في حينه ومساومتها على كثير من الحركات الثورية العالمية.

ودور الجبهة الشعبية المؤسس والراعي لانطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، والتي ذهب حد أن تعلن عمليات الجبهة الشعبية العسكرية باسم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وهذا باعتراف الراحل الكبير د.جورج حاوي، لا يمكن إخفاؤه أو تناسيه.

ولم تساوم الجبهة على دماء أمينها العام ونجحت- على صغر حجمها الذي لا يعجب القوة التنفيذية- في أكثر عملية عسكرية نوعية في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني باغتيال رحبعام زئيفي، رداً على اغتيال أبوعلي.

إن تعداد مناقب الجبهة ودورها الوطني الوحدوي، ومواقفها الثورية لا يتسع له المقام، وما أوردته ما هو إلا من باب التذكير، واحترام ذاكرة الوطن، الذي لا بد وأن يتسع لجميع أبنائه.

كل ما سبق لا يعني الكثير لمن تحكم الفئوية عقليته ولا يرى الوطن إلا وطنه ولا موقفاً إلا موقفه، لدرجة أن المجدلاوي أصر في تصريحه الصحفي على الحديث عن الانتهاكات التي تقوم بها سلطة أبو مازن في رام الله بحق صحفيي حركة حماس ووسائل إعلامها، بالرغم من محاولات المحاور إدارة دفة الحوار بعيداً عن الموضوع، وهذا أمر لم يلتفت إليه من كتب بياناً القدح في المجدلاوي.

والغريب أننا نسمع صباح مساء عن وحدة الوطن وضرورة توحيد قواه السياسية، وإعادة اللحمة السياسية بين الضفة والقطاع وما إلى ذلك من خطاب يدغدغ المشاعر، وكنت من بين من يصدقون ويأملون، وكما أن ما تقوله حماس في ذم فتح فيه كثير من الصواب، فهي لا تخلو من مثالب. ولكن الخطير والذي يكشف زيف وكذب مدعي الوحدة وإعادة اللحمة، هو أنهم لا ينفكون يهاجمون كل من ينتقدهم أو يشير إلى أخطائهم، فقبل بيان التنفيذية خرج أحمد عبد الرحمن أحد مستشاري الرئيس، والمتحدث الرسمي باسمه لينتقد جميل المجلاوي وموقفه من حركة حماس، ويطالبه بمواقف وما إلى ذلك، ويشير إلى حجم الجبهة وغيرها، وغياب دورها في مواجهة حماس، بمعنى آخر الموقف نفسه ولكن بلغة أقل إسفافاً.

وهذه مواقف تثير تساؤلات جدية حول إذا ما كان هؤلاء يفهمون الديمقراطية وسيادة القانون والتعددية السياسية والحق في الاختلاف. وإذا ما كان طرفا الصراع يؤمنون بهذه المبادئ أم أنهم لا يرون سوى أنفسهم ومواقفهم، وأن إيمانهم المعلن بهذه المبادئ ما هو إلى شيء لحظي وطارئ ينتهي بسيطرتهم على مقاليد الأمور.

التعليقات