23/10/2007 - 09:05

عملية التبادل بين حزب الله و”إسرائيل” وما بعدها../ د.خليل حسين*

عملية التبادل بين حزب الله و”إسرائيل” وما بعدها../ د.خليل حسين*
رغم أن عملية التبادل لا تعد سابقة بين الطرفين إلا أنها تكتسب اهمية فارقة لجهة التوقيت وما رافقها وما يمكن ان تؤسس له لاحقا في مجمل ملف الأسرى. فما هي العمليات السابقة وإلى ماذا أدت؟ وما هي الفروق بين ما سبقها وما يمكن ان يليها؟ في المبدأ يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

ان مجمل عمليات التبادل السابقة، وهي خمس، تمّت بين الاعوام 1996 و،2004 ويبدو ان السادسة لن تكون الاخيرة وربما ستليها عملية “ام التبادل” بين حزب الله و”اسرائيل”، اذا كان ثمة اطار لإغلاق هذا الملف الذي كان سببا مباشرا في اشعال عدوان يوليو/ تموز 2006على لبنان.

صحيح ان مفاوضات التبادل السابقة تمت وسط ظروف قاسية لجهة مواقيتها وظروفها المحلية والاقليمية، إلا أن عملية التبادل هذه تأتي بعد عدوان شامل ذي أهداف استراتيجية على مستوى المنطقة ما يُصعّب فتح فجوات اتصال ولو كانت غير مباشرة، وان انجازها ولو بأثمان وكلفة متواضعتين قياسا على ما سبق، يعني انها ستكون مقدمة لاغلاق ملف شائك تشعبت مفاوضاته واطرافه وحتى موضوعاته ووصلت في بعض الاحيان الى امور لا علاقة لها بملف الأسرى.

وفيما سُربت اخبار صحافية لم تأخذ حيزا في الاعلام حول التبادل منذ اقل من شهر، ظهرت فجأة عملية التبادل مترافقة مع الإعلان غير المباشر للافراج الالماني عن محكومين ايراني ولبناني لديها، في مقابل ربط “إسرائيلي” للموافقة على الاعلان الالماني بتأمين معلومات عن الطيار “الاسرائيلي” المفقود رون اراد، واذا كانت عملية التبادل تمّت وفقا لهذه المعادلة فيعني ذلك ان الدبلوماسيين الايرانيين الذين يُعتقد انهم لدى “إسرائيل” قد تمَّ ربطهم ايضا بجولة هذه المفاوضات.

ورغم امكانية هذا الربط سالف الذكر، الا انه لا يعني بالضرورة ان هذا التبادل بظروفه ووقائعه وآلياته سيكون مرتبطا بالعمليات اللاحقة، والسوابق في هذا الاطار تشير الى ان كل عملية كانت منفصلة عن غيرها، وان اسست الى تكريس مظاهر عامة كنوعية الوسيط أو غيرها من الامور.

لقد تكرّست الوساطة الالمانية في هذا المجال وأدخل عليها في هذه العملية دور تنفيذي لقوات الطوارئ الدولية، أي بمعنى آخر دور للأمم المتحدة، ما يعني سلفة اضافية من قبل حزب الله لحجم التعاطي مع الامم المتحدة في جنوب لبنان. ومفارقة هذه العملية انها لم تُشرك فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر حتى في لحظاتها الأخيرة بخلاف مرات سابقة.

لقد تمّت خمس عمليات تبادل، الاولى في مطلع يوليو/ تموز 1996 أعاد حزب الله ل “إسرائيل” رفات جنديين هما يوسف فينك ورحاميم اليشيخ، وكانا قد اختطفهما الحزب في فبراير/ شباط 1986 وأعلنت “إسرائيل” عام 1991 أنهما ليسا على قيد الحياة، وقد تمّت مقايضة جثتيهما بالإفراج عن رفات 123 لبنانياً، وفي نفس اليوم أطلق حزب الله سراح 25 جندياً من عملاء جيش لبنان الجنوبي، فيما أفرجت تل أبيب عن 25 سجينا من معتقل الخيام بجنوب لبنان.

والثانية في 25 يونيو/ حزيران 1998 أعاد لبنان جثة الجندي “الإسرائيلي” إيتمار إيليا (وكان قد قتل في كمين للمقاومة في أنصارية مع 12 عسكريا من الكوماندوز البحري “الإسرائيلي” أثناء مهمة خاصة في لبنان في سبتمبر/ أيلول 1997) مقابل تسليم “إسرائيل” رفات حوالي 40 من المقاومين من بينهم السيد هادي نصرالله نجل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي استشهد أواخر 1997 بالإضافة إلى أسرى لبنانيين. وقد وصلت الجثث على متن طائرة فرنسية.

والثالثة في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1999 تمَّ الإفراج عن خمسة من عناصر حزب الله كانت تل أبيب تحتجزهم منذ أكثر من 10 سنوات وهم: هاشم أحمد فحص وأحمد حكمت عبيد وحسين محمد طليس المعتقلون عام ،1989 وأحمد حسين سرور المعتقل عام ،1987 وكمال محمد رزق المعتقل عام 1986.

والرابعة في 25 أغسطس/ آب 2003 تسلم حزب الله من إسرائيل جثتي عمار حسين حمود وغسان زعتر وكان الأخير قد استشهد في إقليم التفاح عام 1998 في حين استشهد عمار في ديسمبر/ كانون الأول عام 1999 خلال عملية استهدفت موكباً عسكرياً “إسرائيلياً” جنوب لبنان. وكان تسليم الجثتين بغرض التوصل لاتفاق بين الطرفين وتفعيل المفاوضات.

والخامسة في 29 يناير/ كانون الثاني 2004 تمَّت أكبر صفقة تبادل للأسرى. وضمت 23 أسيراً لبنانياً و12 أسيراً عربياً منهم (سوريان وليبي و3 مغاربة و3 سودانيين) و400 فلسطيني بالإضافة إلى الأسير الألماني، ورفات 59 مقاوماً لبنانيا. وفي المقابل تسلَّمت تل أبيب من حزب الله الحنان تننباوم العقيد في المخابرات وجثث 3 جنود هم عدي أفيطان وعمر سواعد وبيني أفراهام الذين قتلوا أثناء أسرهم عام 2000. ومن أبرز الأسرى اللبنانيين ضمن الصفقة الشيخ عبد الكريم عبيد الذي خطفته “إسرائيل” من داخل الأراضي اللبنانية عام 1989 ومصطفى الديراني الذي اختطف عام 1994.

اما السادسة فقد تمّت في 15 تشرين الاول / اكتوبر2007 وشملت تسلم حزب الله لجثماني مقاومين هما محمد عسيلي وآخر مجهول الهوية والاسير حسن علي عقيل، مقابل تسلّم جثة “الإسرائيلي” جبرائيل غيوديد. وبهذا يمكن القول ان عملية التبادل قد تمّت بأقل الاكلاف الممكنة المعلنة وبذلك يمكن تسجيل عدد من الملاحظات أهمها:

كالمرات السابقة من الصعب بمكان معرفة تفاصيل عملية التفاوض وما تمَّ الطرح فيها وما تمَّ التوصّل اليه من نتائج غير مباشرة وغير معلنة اذا كانت بيئة هذه العملية سُتربط في المرحلة اللاحقة وهي الأصعب والأكثر مشقّة.

ان اتمام العملية في هذه الظروف المحلية والاقليمة المعقدة والتي تنذر بانفجارات واسعة في المنطقة ستشكّل فجوة في جدار المفاوضات الاقليمية في غير ملف، ليس بالضرورة له علاقة مباشرة بالأسرى وانما يمكن استثماره في تبريد الاجواء ووضعه في اطار الدفع المسبق لحسن نيّات الاطراف الإقليمية الفاعلة في الازمة اللبنانية وملفاتها الداخلية والخارجية.

“إسرائيلياً” حيث رئيس وزرائها ايهود اولمرت يعاني انحطاطاً سياسياً لم يشهده رئيس وزراء سابق سيحاول استثمار العملية لإعادة تعويم نفسه على اعتاب لقاء سلام انابوليس القادم، وتصوير هذا الانجاز من وجهة النظر “الاسرائيلية” على انه عمل ينبغي مكافأته واطلاق يده في الداخل وحمايته من موجة اتهامات الفساد الموجهة ضده.

من جهة حزب الله، تمكن في هذه العملية بالذات من القول انه لا يزال موجوداً وفقاً لحجمه الذي يريد وتمكنه من إدارة المفاوضات منفرداً، ومنعه حتى الآن “إسرائيل” من إحراز أي نصر سياسي بعد هزيمتها في عدوان يوليو/ تموز ،2006 فهو وان لم يستعد جميع الأسرى فقد اعاد واحداً فيما لم يتح ل “إسرائيل” إعادة اسيريها، وان لم يعد موجوداً عسكرياً على الحدود وفقا للقرار ،1701 فعملية التبادل اكدت قدرته على فرض نفسه حتى الحدود الدولية وبطيب خاطر الطرف الآخر.

وبصرف النظر عن مستوى التقديمات المتبادلة في هذه العملية لجهة الاثمان القابلة للاستثمار السياسي والواقعي في مسار الصراع بين “إسرائيل” وحزب الله، فإن اتمام العملية وفقا لهذه الكيفية وما رافقها من ظروف يمكن ان تؤسس لبيئة قابلة للاستثمار لاحقا، سيما ما يتداول من معلومات عن مسار المفاوضات في اطارها الأوسع والتي ستشمل الأسيرين “الإسرائيليين” والأسرى اللبنانيين الباقين والعرب، اذ تفيد بعض التسريبات ان الامور قد وصلت الى مراحل الاتفاق على الصيغ التنفيذية إذا ما كانت ستتم على مرحلة واحدة او اكثر، فهل ستكون العملية القادمة عملية “أم التبادل” ويغلق ملف الأسرى عن بكرة أبيه؟ ذلك مرهون بمدى انعكاسات هذه العملية بالذات على بعض ملفات المنطقة.
"الخليج"

التعليقات