14/06/2008 - 07:22

المصالح الصهيونية تحدد من يشغل منصب رئيس امريكا../ محمد عبد الحكم دياب*

المصالح الصهيونية تحدد من يشغل منصب رئيس امريكا../ محمد عبد الحكم دياب*
يوم هزيمة هيلاري كلينتون أمام باراك أوباما، ليفوز بترشيح الحزب الديمقراطي صار معلما من معالم تحول كان مأمولا في السياسة الأمريكية، بكل تراثها المتراكم في تربة روتها أنهار من دماء ضحايا الاستيطان والتمييز والعنصرية، والمُشَيّد بجماجم وأشلاء أصحاب البلاد الأصليين، من الهنود الحمر.

ودخلت هذه السياسة منعطفا كان ممكنا فيه أن يترك أثرا إيجابيا في قادم السنوات والعقود، ويؤدي إلى صياغة ثقافة جديدة تعيد التوازن إلى العالم، لخطورة الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة، في ظروف لم تتخلص فيها بعد من العلل والأمراض الاستيطانية والعنصرية، وكانت الحملة الانتخابية التمهيدية بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون قد كشفت عن قوة القوى والجماعات الساعية والراغبة في التغيير، على الرغم من حدة التناقضات وارتفاع مستوى الانفصام في السياسة الأمريكية.

وأمريكا التي نشأت كمستوطنة كبرى للإنسان الأبيض توالت بعدها نماذج عديدة من الاستيطان، لتطبع عصرا كاملا من تاريخ العالم اقترن بالكشوف الجغرافية، مع بدياتها في القرن الخامس عشر الميلادي، واستقر تعامل هذا النموذج على الإبادة الجماعية والتمييز والتفرقة العنصرية. والتقدم المادي الذي حققه المستوطن الأبيض، في أمريكا، جاء معجونا بوحل ودماء خلفها الاستيطان الأبيض. وانتهى الأمر بإسقاط أهل البلاد الأصليين، من الهنود الحمر، من الحساب تماما، بعد أن قضت عليهم الإبادة، ولم تبق منهم سوى عينات بشرية. تستخدم لأغراض السياحة، وتشهد على بشاعة وحشية الإنسان تجاه الإنسان، وتمكن الاستيطان المسلح بالقوة والعنف المفرط والتمييز من نقل الصراعات الدموية إلى منافسات سياسية، بين البيض أولا، ثم بين البيض والملونين والسود، أما الهنود الحمر لم يدخلوا المنافسة أصلا.

هذا هو الواقع الذي خرجت من رحمه ظاهرة كان في مقدورها هز قواعده التقليدية، فلأول مرة يتنافس على الترشيح لمنصب الرئيس واحد من الملونين، ولد لأب كيني مسلم وأم أمريكية بيضاء، وإمرأة بيضاء تنزل السباق للمرة الأولى هي الأخرى، وظهرت قوة المؤيدين لهما من الفارق الضئيل بينهما، حيث لم يتعد الـ5%، وكسرا محظورات حكمت الحياة السياسية في الولايات المتحدة منذ نشأتها، وفيها تمكن مرشح غير أبيض من انتزاع تأييد غالبية الناخبين في الحزب الديمقراطي، ويدخل مرحلة جديدة، يعمل فيها على الحصول علي أصوات أغلبية الناخبين ليصبح أول رئيس ملون يدخل البيت الأبيض.

وإذا كانت موهبته التي يتمتع بها في الخطابة، وقدرته الفائقة على الانصات للآخرين، قد مكنتاه من التواصل مع جماهير حزبه وأعضائه، رغم سنه السياسي الصغير نسبيا، إلا أنه جسد روح جيل جديد بدا مؤثرا في الحياة الأمريكية. جيل يعيش معاناة بلاده مع المشاكل الاقتصادية، ويشعر بالأعباء التي تتكبدها بسبب الحروب، خاصة تلك المستمرة منذ مطلع هذا القرن في العراق وأفغانستان، وكلفت الشعب الأمريكي خسائر بشرية فادحة. آلاف الضحايا، وعشرات الآلاف من المعوقين ومشوهي الحرب والمرضى النفسيين.

وأوباما كنموذج لهذا الجيل يرى أن أخطر ما يهدد أمريكا هو تعرضها لهجوم ارهابي نووي، ولا ينظر لمشكلة الهجرة بنفس نظرة خصمه الجمهوري ماكين، ويري أن الحل هو في دمجهم، وليس نبذهم وطردهم من البلاد، بجانب رؤيته لأهمية تخلي بلاده عن مهمة الشرطي، وتتبع ما يعرف بالقوة الناعمة، وهي غير القوة الخشنة، المتمثلة في العنف والغزو والحروب، لهذا فهو لا يمانع من التحاور مع الأصدقاء والخصوم على حد سواء.

واستجاب الديمقراطيون لهذه الأفكار، بسبب رفض الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي لأسلوب إدارة البلاد، ورغبتهم العارمة في التخلص من جورج بوش وسنواته العجاف، وفي الحد من موجة العداء للولايات المتحدة، ولم يفطن كثيرون أن الرئيس الأمريكي بدأ حياته في البيت الأبيض، منذ أكثر من سبع سنوات، رافضا للعولمة، ووصمها بأنها عصر الرياء والنفاق، وأسقط أدواتها التي شقت بها طريقها، وكانت العولمة، قبل سقوطها، تجد من يؤيدها ويسعي لتوظيفها، أملا في خلق توازن بين دول العالم، وإن كان هذا غير ممكن، من وجهة نظري، على اعتبار أن العولمة مثلت المرحلة الأعلى للإمبريالية، واعتمدت على ما يمكن تسميته التخريب الناعم لاقتصاديات الدول النامية والفقيرة، عن طريق التدخل السافر للمنظمات والمؤسسات المالية الغربية، وضغط حكوماتها لتدمير البني الاقتصادية، بدعوى إعادة هيكلة اقتصاديات العالم، على قاعدة الفوضى، وإلغاء التخطيط الاقتصادي، وترك الاقتصاد تحت رحمة فوضى السوق وعشوائيته، وتم استغلال الإعلام في حرب نفسية.
حطمت كل بنيان قام على غير الطريق الرأسمالي، وشوهت كل منحى نحو العدل الاجتماعي والاشتراكية، ونفرت الناس من النظم العامة والجماعية في إدارة الاقتصاد، وحاربت التنمية المستقلة في الدول النامية، وأطلقت العنان لمنظمات مجتمع مدني .

تمولها مؤسسات أوروبية وأمريكية. وهدفها إضعاف بنيان الدولة الوطنية، وإفساح الطريق أمام الغزو العولمي، إذا جاز التعبير، وتراجع العولمة مكن المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة، الذين ينتمي إليهم جورج بوش من إرجاع الحالة الاستعمارية إلى سيرتها الأولى، واعتماد الحروب والغزو والتطهير العرقي، والزحف من جديد لاحتلال العالم واستيطانه، واستطاعوا بذلك احتواء القرار الغربي، وحشد إمكانياته لإعلان الحرب على كل ما هو غير غربي وغير صهيوني، وأوقعوا العالم في فوضى كبرى. وصفت بالفوضى الخلاقة، لإعادة صياغة العالم بشكل يمكن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين من استرجاع السيطرة عليه، واستخدام خطاب رسالي ولغة لاهوتية من جانب جورج بوش في تعامله العنصري مع العالم.

وكانت أمام أوباما فرصة لتغيير وجه السياسة الأمريكية القبيح، إلا كنز رأي في أصل والده الأفريقي، ودينه الإسلامي، ولون بشرته، رأي فيها نقاط ضعف تحول بينه وبين البيت الأبيض، كاشفا عن وجه انتهازي.

أدى به إلى قطع صلته بجذوره وتاريخه، وحين تعرضت أجهزة الإعلام والصحافة لسيرته الذاتية، ووصفته بالمسلم، الذي تلقى دروسا في القرآن الكريم، عندما عاش في جاكارتا، وهو في الثامنة من عمره، وحين ركزت على اسمه الإسلامي بركة حسين أبو عمة ، لم يجد حلا إلا في اللجوء إلى جماعات الضغط اليهودية، وداس على كل ما يمثله من أمل لدي الأجيال الجديدة. فسعى لاسترضاء اليهود مؤيدا الاغتصاب والاستيطان. معلنا أنه مع حق الدولة الصهيونية في الوجود، ومتعهدا بالمحافظة على أمنها، ومقرا بالقدس عاصمة لها وليهود العالم، ليس كعاصمة سياسية فحسب إنما كبقعة دينية مقدسة بالنسبة لباقي يهود العالم، ووفق هذه الشروط طالب بإحياء ما يعرف بعملية السلام، وإقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع الدولة الصهيونية، وهو موقف أخذت به هيلاري كلينتون، طمعا في منصب نائب الرئيس، معلنة أن أمريكا لن تسمح لإيران بتملك السلاح النووي.

ومن أهم عوامل إفساد الحياة السياسية الأمريكية هو تلك القناعة التي استقرت منذ زمن حول الدولة الصهيونية، وهي أنها هي التي تحدد من يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة، ولا أحد سواها، وتستغل هذه القناعة إلى أقصى الدرجات لتحصل علي ضمانات مسبقة من المرشحين، لهذا يتنافس المرشحون على كسب ودها. من هنا يحمل بدء أوباما لحملته الانتخابية من مقر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة باسم إيباك، يحمل دلالة كبرى تكشف عن مدى رضوخه وإذعانه للنفوذ الصهيوني، وإعلان التزامه بمصالح الدولة الصهيونية، ومنحها أولوية تفوق المصالح الوطنية والمحلية، ويبدو أنه لم ينس درس هيلاري كلينتون بعد.

عندما كانت سيدة البيت الأبيض وأقرت بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وتم التعتيم على هذا التصريح ولم تكرره، وحين قررت الترشيح لانتخابات مجلس الشيوخ تغيرت قناعاتها، وتحولت بموقفها مئة وثمانين درجة، ولم تعد تتحدث عن الحقوق الفلسطينية، وانحازت بالكامل للمشروع الصهيوني. وطلب دعم جماعات الضغط اليهودية يعني طلب الدعم من الدولة الصهيونية، وعلى الطالب دفع الثمن مقدما. وسقط أوباما الواعد في الفخ الصهيوني، ليبدأ حملته وهو يراعي المصالح الصهيونية قبل المصالح الأمريكية في معركة الرئاسة.
علينا ألا نراهن على أوباما ولنراهن على ما لدينا.
"القدس العربي"

التعليقات